بوعينا نجح موسم عاشوراء الاستثنائي

بذكرى رحيل الرسول الأكرم يوم الثامن والعشرين من شهر صفر، الذي من خلال هذه المقالة نعزي جميع العالم الإسلامي في كل مكان بهذا الرحيل المؤلم الحزين ونسأل الله أن يوحد كلمة المسلمين وأن يكشف هذه الغمة عن هذه الأمة، وبانتهاء هذه الذكرى الحزينة ينتهي موسم عاشوراء الحسين لهذا العام الذي جاء استثنائيًا بكل المقاييس بسبب جائحة كورنا التي ضربت العالم بأكمله.

انتهى الموسم بنجاح وذلك بسبب التنسيق المسبق بين أصحاب المجالس الحسينية والجهات المعينة بوزارة الصحة، بمشاركة الجهات الأمنية ومتابعتها المستمرة طيلة إقامة المجالس المنتشرة في كافة أنحاء منطقة القطيف، ولا ننسى الوعي الكبير للمجتمع، الذي حرص كل الحرص على الالتزام بكافة الاحترازات الصحية التي طلبت منه، وإن حدثت بعض الهفوات من البعض فهذه لا تقاس بحجم هذه الجموع التي تحضر كل الليلة من إحياء ليالي عشرة محرم.

إن التنسيق والتعاون والعمل المشترك بلا شك من الجميع هو عنوان النجاح، وهذا لم يأتِ من فراغ لولا نضوج الوعي لدى المجتمع القطيفي، الذي أثبت للجميع أنه مجتمع مثقف، وبحضوره اللافت للمجالس الحسنية بهذا المستوى من النظام والتنسيق والتزام المجالس بالتعليمات والإجراءات الاحترازية والتقيد بها وإحياء الذكرى وفق الضوابط المطلوبة، ومنها التباعد الاجتماعي ومحدودية الأعداد وارتداء الكمامات والنظافة العامة وغيرها والتعاون مع الكوادر الحسينية المتواجدة لخدمته، وسط تلك الأجواء الحارة والرطبة فتحملوا كل ذلك العناء من أجل أن يشارك الجميع ويواسي أهل البيت عليهم السلام في الاستماع لهذه المجالس، حيث التزم الجميع بما كانت ترسمه لهم تلك الكوادر، وهذا دليل الوعي المجتمعي والمسؤولية الوطنية التي يتحملها الجميع.

وقد شاهد الجميع عبر منصات التواصل الاجتماعي وعبر القنوات التليفزيونية المحلية ومن دول الجوار ما بثته تلك القنوات من الحضور المبهر لجموع المستمعين في كل أنحاء المنطقة، الذي أثنى عليه الجميع رغم صعوبة المهمة وسط تفشي هذا الفيروس، من خلال بث رسائلها اليومية حول الالتزام بخطة وزارة الصحة والجهات الأمنية من أجل سلامة الجميع.

وحينما نتحدث عن انتهاء موسم عاشوراء لا نتحدث عن عشرة محرم فقط بل عن موسم يمتد من بداية اول يوم محرم وحتى 28 من صفر وهي مناسبة ذكرى رحيل نبي هذه الأمة محمد صل الله عليه وآله وسلم.

نتحدث عن موسم فيه يحي شيعة أهل البيت الشعائر الحسينية ومراسم العزاء وإقامة المواكب الحسينية وبقية الفعاليات التي تصاحب هذه الذكرى الأليمة بكل أشكالها.

وأظهرت لنا الروح الأخوية والتعاون البناء والمثمر بين الجهات الحكومية والمجالس الحسينية والتنسيق المشترك الذي شهدناه على مدار هذه الأيام مما جعل عملية التنظيم سلسة وسليمة في ظل الأمن والسلام الذي وفرته الجهات الصحية والأمنية المشاركين.

حيث شاهدنا كيف قامت وزارة الداخلية بكل أجهزتها بتأمين المجالس والمشاركين في أحياء عاشوراء، وهذا التلاحم يعزز وحدتنا الوطنية التي هي صمام أمان هذا الوطن الذي يحتضن الجميع بكل محبة بعيدًا عن كل ما يفرق بين أبناء الوطن الواحد.

لهذا حرص الجميع أن لا تجمد هذه المناسبة الأليمة والإصرار على إقامة هذه الشعائر لأنها خط مستمر لم يمثله الإمام الحسين (عليه السلام) من حركة إصلاحية متجددة دائمة على مر العصور، وستظل باقية في الوجدان الشيعي عبر الأجيال، وأي ظرف من الظروف تطلب ذلك يجب المساندة من الجميع، لأن يعطي لها وهجًا ونبضًا وحرارة، وهذا هو السر في تأكيد الأئمة صلوات الله عليهم على مسألة الحزن والبكاء على الإمام الحسين.

قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: “أَحيوا أمرنا فرحم ألله من أحيا أمرنا”، واستمرار إقامتها مهما كانت الظروف ومن خلال هذا الانصهار الوجداني والعاطفي نعبر إلى المضامين والأهداف التي انطلقت بها هذه المناسبة وإذا ماتت العاطفة وتجمدت الدمعة وخمد الوهج، كسلت المفاهيم والأهداف السامية.

لهذا قطعت المرجعيات الدينية كل الجدل الذي تحول إلى مساحة ومناقشات تداولتها المواقع إلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي بين الجمهور الحسيني في كل مكان، وأمرت بإحياء هذه الفاجعة الأليمة مع الاحتفاظ بالضوابط والإجراءات الاحترازية الضرورية التي أمرت بها الجهات الصحية والأمنية في الدولة، فالضرورة في إحياء عاشوراء أنْ تمتزج العاطفة مع الوعي، وهذا سر نجاح هذا الموسم الاستثنائي.

ولا يسعنا إلا أن نتقدم بجزيل الشكر والتقدير لكل من أسهم في إنجاح هذه المناسبة في ظل هذه الجائحة التي يمر بها العالم وما سببته من مشاكل لا حصر لها، وخسائر بشرية ومادية واقتصادية، وأثرت سلبًا على مظاهر الحياة العامة والخاصة، إلا أنه بتكاتف الجميع والوعي المجتمعي مع أصحاب المجالس وتعزيز نصائح وإرشادات الخطباء الحسنيين من فوق المنابر وبمشاركة منصات التواصل في بث الوعي لدى الجميع أحيت المنطقة ذكرى عاشوراء بكل سلاسة ويسر بنجاح مشهود والحمد الله، ولا جعله الله آخر العهد في بلوغنا للمواسم القادمة.

السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا أمين الله، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعباده الصالحين، وعظم الله أجورنا وأجوركم.


error: المحتوي محمي