حكمة جميلة تقول: جميل أن تعطي من يسألك ما هو بحاجة إليه، ولكن الأجمل من ذلك، أن تعطي من لا يسألك وأنت تعرف حاجته.
العطاء سمة من سمات العظماء، والعطاء صفة من الصفات الجميلة والرائعة التي يتسم بها أصحاب النفوس المطمئنة والطيبة والراقية، والعطاء رتبة من أعلى الرتب الأخلاقية والإنسانية، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين (ع) حيث قال: قيمة كل امرئ ما يحسنه، أي أن قيمة الإنسان ما يبذله من العطاء في المال أو في الفكر أو في الجانب المعنوي والنفسي أو أي جانب من جوانب الإنسانية والحياتية.
في ظل هذه الجائحة اللعينة، التي مزّقت العالم ودمرته صحيًا وماليًا واجتماعيًا، حيث أدخلت الفرد والمجتمع والعالم في أزمة نفسية وصحية واقتصادية، لامست أثرها السلبي كل طرف من أطراف المجتمع. وفي ظل الأخبار السلبية عن هذه الأزمة العالمية وخطورة هذا الوباء وانتشاره، أخذ الجميع يعاني من حالة القلق والإحباط والتذمر، وأصبحت الحالة السلبية هي السمة البارزة على وجه المجتمع، في حين أن هذه الأزمة أظهرت جوانب مضيئة ومشرقة تغافل عنها الكثير من أبناء المجتمع، وأبرز هذه الإضاءات الرائعة والجميلة، الترابط الاجتماعي، حيث برز هذا الجانب عند كل الأسر، وشعر به الصغير قبل الكبير. وهذه الميزة الإيجابية كشفت عن جوانب عديدة على المستوى الأسرى والاجتماعي، ولعلها كانت غائبة عن الكثير منا بسبب التباعد الاجتماعي السلبي والمفرط، والانشغالات الشخصية والحياتية.
وكذلك تعزيز الروح الاجتماعية والإنسانية في العديد من أفراد المجتمع، وفي الجانب السلبي شكلت هذه الأزمة صدمة عارمة في ضمير الإنسانية تجاه الآخر، بان أثرها على الفرد والمجتمع. وبالرغم من أن هذه الأزمة سببت حالة من الارتباك والقلق النفسي، إلا أننا وجدنا ظهور العينات الطيبة التي سارعت إلى المبادرات والمساعدات الإنسانية على جميع الصعد الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، لمواجهة هذه الجائحة، وذلك عبر تثقيف المجتمع عن طبيعة هذا الفايروس وكيفية مواجهته وحمايتهم منه، وكذلك ذهب فريق آخر من المتطوعين في الخدمة الاجتماعية للبحث عن سبل جديدة لسد حاجيات الضعفاء من أبناء المجتمع، وشريحة أخرى من المقتدرين ماليًا سارعوا إلى مقرات الجمعيات الخيرية لسد الثغرات التي سببتها هذه الجائحة.
إن العطاء لا يكون فقط في وقت الرخاء، بل قيمة العطاء الأساسية في وقت الشدة، والمجتمع النقي هو الذي يبرز عطاؤه اللا محدود في الأزمات القهرية، وقد شاهد الكثير منا كيف أن المجتمعات التي تحدث فيها كوارث كالزلازل والبراكين والحرائق والسيول ونحوها، وما تحدثه من دمار شامل في البنية التحتية والاجتماعية. ولكن في المقابل تجد الروح الإنسانية والمجتمعية تنتفض وتبرز لدى غالبية شرائح المجتمع، حيث تتسارع في البذل والعطاء، فقيرهم قبل غنيهم كل حسب طاقته وإمكانياته، إذ يصبح المجتمع كله أشبه بخلية عمل تطوعي، تتحرك في كل اتجاه، وقد يمتد هذا الشعور الإنساني حتى خارج أوطانهم لمشاركة بني جنسهم في الأزمات.
في ظل هذه الجائحة، نجد أغلب الجمعيات الخيرية المباركة، تشتكي من الضعف في المساعدات وخاصة في الجانب المادي، مما سببته هذه الأزمة الوبائية، والكل منا يعلم أن هذه الجمعيات يعمل طاقمها الإداري الموقر ليلًا ونهارًا في توفير ما يستطيعون لكي يقدموا لأبناء المجتمع من الضعفاء منهم وأصحاب الحاجة ما يسد حاجاتهم الرئيسية.
وما زلنا في رحاب هذه الأجواء الحسينية المباركة وفي فيض بركاتها، التي تكثر فيها حالات الانتعاش الروحي والنفسي في العطاء والبذل، فلتكن عطاءاتنا مميزة في أجواء هذه المناسبة المباركة التي انطلقت منها روح العطاء والبذل بأغلى ما كانوا يملكونه وهي أنفسهم، وليكن هذا العطاء المميز باسم إمامنا ومولانا وسيدنا وسيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام، وليحدد هذا الدعم لهذه الجمعيات الخيرية والإنسانية، ليشعر كل محتاج لديهم أن مرور ذكرى سيد الأحرار أبي عبد الله الحسين عليه السلام مختلف عن أي مناسبة أو أي شهر آخر، حيث يصبح أثر العطاء في هذه المناسبة المباركة مختلفًا ومتميزًا، من حيث سرعة المبادرة لقضاء حوائج الناس، ودعونا نتذكر الحكمة الرائعة في العطاء: مثلما يعود النهر إلى البحر، هكذا يعود عطاء الإنسان إليه.