تغيرت طبيعة كثير من الكُتَّاب بين أن يكونوا كتَّابا يصطادون الفرائد المفيدة في العلوم والأدب والأخلاق وكل ما يساعد في رقي الإنسان، ويقدمونه بلغةٍ سلسلة وقويمة، فإذا هم اليوم يبحثون عن اصطياد “اللايكات”، واستثارة الغرائز. تبدل وتحول ينم عن شعبوية وبساطة الكاتب أو الفكرة أو كليهما معاً، وتدني مستوى الثقافة والإنتاج الفكري!
أصبحت هذه “اللايكات” وقودًا يشجع الكاتب على إنتاج المزيد من ذات الفكر الذي يستجلبها، وتشجع الناشر على الدفع بمن يحصل على الأكثر منها نحو الواجهة الأمامية مهما كان طعم ولون ورائحة فكره. لا شك أن الوسائطَ الحديثة خلقت أقلامًا كثيرة وفيها طاقات وإبداعات جمة، ومكنت كلَّ من يكتب أو يتكلم أن يشاركَ الناس فكره دون أن يتكلف عناءَ كلفة الطباعة وربما الفشل في تسويق ما يَكتب. لكنها أيضًا دفعت نحو سطح محيط الكتابة بمجاميع من الطامحين إلى الشهرة والمتعجلين في تسنم ذروةِ الثقافة.
هذه المعادلة فرضت على صائدي “اللايكات” أن تكون المقالة مختزلة في أسطر، على حساب إنضاج الفكرة والمحتوى، وحددت لهم سلفًا نوعية القراء وما يرغبون فيه من أفكار. أمرٌ يشبه التصفيق من جمهور في عرضٍ مسرحي لكي يُشعروا الممثل بالأهمية والعظمة وإن كانت هزيلة!
هذا الخلل يرافقه غياب القارئ الذي يشتري الكتابَ الذي جهد فيه كاتبه، ويدون ملاحظاته على هوامش الصفحات، وينتقي الجيد بين كومة القش مما يكتب في وسائطِ التواصل، فذاك عصرٌ وَلَّى ولن يعود. بأي حال لا يجوز أن تطولَ غيبة الكاتب الجيد وألا تكون مبادلة العواطف بين الكاتب والقارئ نوعًا من النفاق والرياء والمجاملة والعلاقات الاجتماعية، بل مؤشرًا – ولو رمزيًا – على الصدق وعمق الثقافة.
كما على الكاتب الرقي بالثقافة والحفاظ على سلامة لغة الخطاب، على القارئ أيضًا تقع مسؤولية عدم إفساد فكره وإشباعه بالبدائل الرخيصة، فما أسرع ما تتلاشى المعارف وتضمحل الأفكار عندما لا تجد من يكترث بها ويغذيها وينميها.
الحقيقة الوحيدة هي أننا كلنا ذاهبون؛ ويبقى لنا ما نقول ونكتب للناس حسنًا، كالذي نحب أن يُقال فينا ولنا. وألا نقول أو نكتب إلا خيرًا، رغب الناس فيه أم رغبوا عنه.