كشفت مجموعة من الصور القديمة عن قصة تضمين “المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية” للعالم والباحث والإعلامي المعروف علامة الجزيرة حمد الجاسر فصلًا خاصًا عن القطيف، وتاريخها وجغرافيتها.
ويعود تاريخ الصور إلى عام 1984م/ 1404هـ، أي قبل 38 عامًا، حينما وجهت له دعوة لحضور حفل عشاء، أقامه له خصيصًا الشيخ منصور بن حسن بن نصر الله، ودعى إليه أبرز أدباء القطيف والمنطقة الشرقية ومثقفيها.
الجاسر والقطيف
دعوة العشاء تلك لم تكن الزيارة الأولى للباحث الجاسر في القطيف، كشف عن ذلك لـ«القطيف اليوم» عضو مجلس الشورى السابق الإعلامي والكاتب محمد رضا نصر الله، مبينًا أن العلاقة المباشرة للجاسر بالقطيف بدأت منذ عينه الملك عبدالعزيز مراقبًا للتعليم في مدارس أرامكو، بعد الإشكال الذي حصل بين الشيخ حمد الجاسر وعلماء نجد وقتذاك.
وقال: “كان صديقه الشاعر المعروف خالد الفرج نزيل القطيف، وهو من الدواسر الذين تبنى الملك عبدالعزيز استقبالهم بعد طرد الإنجليز لهم من البحرين، وكان الجاسر يتردد عليه في منزله المجاور لبيتنا في حي الخان بالقلعة، وذلك بعد تعيين خالد الفرج أول مدير لبلدية القطيف، ولأن خالد الفرج أديب ومثقف وقد جمع ما بين ولادته في الكويت وتريبته في البحرين ودراسته في الهند وعيًًا وثقافة غير تقليديتين في ذلك الوقت المبكر من بداية القرن العشرين؛ جمعت ما بين العربية والإقليمية والعالمية، فإنه تفاعل مع أدباء وشعراء القطيف، واختص بعلاقة مميزة مع المعلم والخطيب الأشهر الشيخ ميرزا البريكي ومن حوله تلامذته؛ محمد سعيد المسلم والسيد علي العوامي وغيرهما”.
في “الغراب و”أبو لوزة”
علاقة الجاسر بالفرج جعلته يتردد على زيارة القطيف ويجتمع مع مثقفيها ممن لهم علاقة بالفرج في “مقهى الغراب” أو ما يعرف عند العامة بـ”قهوة الغراب”.
ولدعوته الخاصة في عام 1984م/ 1404هـ، على مأدبة المرحوم “الشيخ منصور نصر الله”، حكاية خاصة يرويها ابنه “محمد رضا”: “جاء الشيخ حمد الجاسر إلى القطيف في إحدى زياراته المتكررة إليها، وقد قفل من زيارة إلى البحرين، حيث اجتمع مع بعض أدبائها واستمع إلى محاضرة للناقد الأدبي المعروف حسن جواد الجشي رئيس مجلس النواب البحراني فيما بعد”.
ومضى في حكايته: “في زيارته سنة 1984م دخل القطيف فاستوقفه بائع كتب واسمه علي الكسار، وقد كان رجلًا أميًا يبيع السمك ولديه أيضًا في بسطته بعض المخطوطات يبيعها، فاشترى منه الجاسر سمكة واشترى معها مخطوطًا اسمه “الراموز في اللغة” – باعه بعد سنوات في القاهرة كما أخبرني بسعر جزل- يومها جاء إلى حمام “أبو لوزة” بسمكته ليشويها ويستحم، فحاول أن يشوي السمكة لكنه تسبب في حريق بسيط تفاررت بسببه النسوة اللواتي كن يغسلن أوانيهن في عين “الخباقة” وهي عين قريبة من حمام “أبو لوزة”، مما دفع الشيخ حمد الجاسر إلى الفرار، متجهًا صوب الحمام”.
تعارف في “أبو لوزة”
تابع الإعلامي “محمد رضا نصر الله” سرد تفاصيل حكايته: “يبدو أن الشيخ الجاسر كان يجيد السباحة في العيون الجوفية العميقة، وكان والدي الشيخ منصور بن حسن بن نصر الله موجودًا بمفرده في الحمام، فسأل الجاسر والدي: هل أنت من هذه البلاد، فأجابه والدي: نعم، ثم سأله هل تعرف شيئًا عن تاريخ هذه البلاد؟ فوالدي أدرك من فوره أنه أمام شخص ليس بدويًا كما تصور -وقد بدا أشعث أغبر حينها-، إنما هو شخص مثقف”.
وأضاف: “وقتها كان والدي يقتني في مكتبته أعدادًا من مجلة “المنهل” التي أسسها وأصدرها لسنوات طويلة الشيخ عبدالقدوس الأنصاري من المدينة المنورة، وكان الشيخ حمد الجاسر ينشر أولى مقالاته فوق صفحات هذه المجلة الرائدة، حيث عين في أول سلكه الوظيفي قاضيًا في رضوى، فوالدي أدرك – إذن – أن هذا الذي يحادثه هو الشيخ حمد الجاسر، فقال له: أنت الشيخ حمد الجاسر، فأجابه نعم، فجرى بينهما حديث مستفيض، وطلب من والدي في ختام الجلسة هذه كتاب “مقاتل الطالبيين” لأبي الفرج الأصفهاني”.
صدفة في منزله
قادت الصدفة الجاسر للاجتماع واللقاء مجددًا بصديقه الذي تعرف عليه في حمام “أبو لوزة” منصور نصر الله، فبعد أيام قليلة كان الشيخ محمد سرور الصبان وكيل وزارة المالية والشخصية الاجتماعية والأدبية الحجازية المعروفة ضيفًا على مائدة “عبدالله بن نصر الله”، معتمد الدولة في القطيف. وكان من بين المدعوين الشيخ حمد الجاسر، ولأنه من باب إكرام الضيف ذي المكانة في ذلك الوقت أن من يسكب عليه الماء من الإبريق على الطشت يكون عادة من أهل البيت، فقد صادف أن من يسكب الماء للجاسر هو صاحبه “منصور نصر الله”.
يقول الإعلامي محمد رضا نصر الله: “حينما جاء دور الشيخ حمد الجاسر قال له: أنت صاحبي في الحمام؟ لن أدعك تصب علي الماء حتى تأتيني بكتاب “مقاتل الطالبيين”.
على مائدة الوزير
يوضح نصر الله أنه أورد هذه القصة ليجعلها أساسًا للحديث عن زيارة الشيخ حمد الجاسر للقطيف، الذي تبنى بعد ذلك النشر – في مجلة “اليمامة” وجريدة “اليمامة” بعد ذلك – لمثقفي القطيف وأدبائها، مثل؛ محمد سعيد المسلم والسيد علي العوامي.
يعود بذاكرته إلى تفاصيل دخول القطيف في معجم الجاسر الجغرافي: “في هذا السياق الوطني فإنه حينما عزم على إصدار “معجمه الجغرافي عن المملكة العربية السعودية”، فإنه خصص فصلًا عن القطيف وجغرافيتها وتاريخها بين أجزائه، وكنت بالصدفة مدعوًا في إحدى أماسي الرياض – وقتذاك – عند الشيخ أحمد زكي يماني وزير البترول والثروة المعدنية في بيته على عشاء تكريمي للشاعر المعروف محمد حسن فقي ومن بين المدعوين -وهم نخبة من الأدباء والشعراء- كان الشيخ حمد الجاسر.
ويواصل قصته: “حينما قمنا لتناول طعام العشاء في بيت الوزير، مال عليّ الشيخ حمد يخبرني أنه قد انتهى من كتابة فصل عن جغرافية القطيف وتاريخها ويرغب في أن يطلعني عليه، فقلت له هناك من هو أعلم مني في محتوى بحثك، فلماذا لا تعاود زياراتك إلى القطيف. وتعرض ما كتبت على المختصين والعالمين بجغرافية القطيف وتاريخها؟”.
نهاية البداية
يمضي نصر الله في حديثه: “فعلًا جاءنا في زيارة خاطفة سنة 1404 هجرية، فأقام له والدي يرحمه الله حفل عشاء، دعا إليه أبرز أدباء القطيف والمنطقة الشرقية ومثقفيها، ومنهم؛ الشيخ عبدالحميد الخطي، والشيخ عبدالله الخنيزي، والشعراء؛ محمد سعيد الخنيزي ومحمد سعيد الجشي ومحمد سعيد المسلم والسيد علي العوامي والسيد حسن العوامي والسيد عدنان العوامي وخليل الفزيع وعبدالله شباط وعبدالرحمن العبيد وغيرهم، على إثر ذلك وقد عرض ما كتبه على هؤلاء، انتهى إلى تضمين معجمه الجغرافي عن المملكة فصلًا خاصًا عن القطيف”.
عضو مجلس الشورى السابق محمد رضا نصر الله مع والده الحاج المرحوم منصور نصر الله
الشيخ منصور نصرالله يستضيف الشيخ حمد الجاسر في بيته بالقطيف وإلى يمينه د. الحربش والشيخ عبدالله الخنيزي وعلى يساره عبدالله علي المنصور نصرالله
الشيخ عبدالحميد الخنيزي الملقب بـ”الخطي” والشيخ حمد الجاسر ومحمد سعيد الخنيزي والمسلم وخليل الفزيع والسيد علي العوامي
عبدالله شباط ومحمد سعيد المسلم والشيخ حمد الجاسر ومحمدرضا نصرالله وخليل الفزيع وحسنعلي الزاير
السيد حسن العوامي وعبدالله شباط وعبدالرحمن العبيد وحسن علي الزاير ود. الحربش والشيخ الخنيزي
فؤاد نصرالله والشيخ حمد الجاسر
الشيخ حمد الجاسر يشارك محمد رضا نصرالله فرحة زواجه سنة ١٩٨٥ م وسط مواطني القطيف
أدباءالقطيف والمنطقة الشرقية يحيطون بالشيخ حمد الجاسر وكامل الخنيزي “الخطي” يتطلع لهم
عبدالروؤف الغزال وشاكر الشيخ وحسنعلي الزاير ومحمد سعيد المسلم والسيد علي العوامي يتحدثون عن لقائهم مع الشيخ الجاسر