في هذا اليوم الحزين يوم العشرين من صفر عام 61 هجرية عودة ركب الفاطميات بعد رحلة السبي الأموي الأليمة من الشام إلى المدينة المنورة فعرجت في طريقها نحو كربلاء المقدسة، وهناك التقى الإمام السجاد عليه السلام بالصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري رضوان الله عليه الذي سبقهم للزيارة الأربعينية، وعندها أعاد الإمام الرؤوس للأجساد الطاهرة، وأقام مجالس العزاء لسيد الشهداء وأصحابه النجباء.
ولذلك ترى حينما تحل علينا ذكرى زيارة الأربعين الحسينية يتبادل الأخوة والأصدقاء الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهي تعظم الأجر بهذه المناسبة المفجعة، ومعظم تلك الرسائل تبدأ بذكر البيت الأول للشعر:
قم جدد الحزن في العشرين من صفر
ففيه ردت رؤوس الآل للحفر
لكن ربما الكثير منا لا يعرف من هو هذا الشاعر الذي نذكر أبياته أو نسمعها من الخطباء الكرام في كل عام.
سألت أحد الأصدقاء الخطباء بعد استماع المجلس الحسيني البارحة. من قائل هذا الشعر المؤثر؟ قال: لا أتذكر الآن. فدفعني ذلك للبحث عنه فوجدته وقد ترجم له صاحب كتاب “أنوار البدرين” بقوله: إنه من علماء البحرين السيد النجيب الأديب السيد هاشم المعروف بـ”الصياح” الستري البحريني، وكان رحمه الله شاعراً له يد طولى في علم التجويد ولهذا يلقب بالقارئ. ثم يقول: سمعت شيخنا الثقة العلامة المرحوم الشيخ أحمد ابن المقدس الشيخ صالح أن له كتابًا في القراءة سماه “هداية القارئ إلى كلام البارئ”. وأضاف: وعندنا كتاب “مقنعه الشيخ المفيد” رحمه الله قديمة جداً عليها تملكه وأنهى نسبه فيها للإمام موسى بن جعفر عليهما السلام. انتهى.
تمنيت أن أجد له أبيات غير هذه الأبيات (26 بيتًا) لما يمتلكه من قريحة ولائية خالصة. أقول: لعل لديه أبيات أخرى لم تصل إليها يد تحافظ عليها أو تخرجها للملأ. وكيف لا تكون كذلك وقد خلدتها اللوعة الإيمانية التي طفحت بها لمصاب أهل بيت النبوة عليهم السلام في واقعة الطف الدامية.
أقرأ وتمعن في بعض هذه الأبيات:
قم جدد الحزن في العشرين من صفر
ففيه ردت رؤوس الآل للحفر
ضجوا لرحلتهم وابكوا لرجعتهم
لا طبتِ من رجعةٍ كانت ومن سفر
وسل أراس حسينٌ غاب رونقه
أم نوره مخجلٌ للشمسٍ والقمر
يا دافني الرأس عند الجثة احتفظوا
بالله لا تنثروا ترباً على قمر
رشوا على قبره ماءً فصاحبه
معطش بللوا أحشاه بالقطر
لا تدفنوا الطفل إلا عند والده
فإنه لا يطيق اليتم في الصغر
ونحن نتذكر هذه المناسبة الحزينة على أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم الأخيار تمر علينا الذاكرة لتأخذنا إلى ذلك الصوت الشجي والوجه النوراني للخطيب سماحة العلامة الشيخ علي ابن الشيخ منصور المرهون “قدس الله روحه” ت 1431هـ، وهو في مثل هذا اليوم على المنبر الحسيني يقرأ اللطمية المشهورة:
زينب من الشام اليوم جت كربلا
والراس عند السجاد في محمله
وكأني أرآه وهو يتذكر والده صاحب القصيدة المجاهد الخطيب العلامة الشيخ منصور المرهون “قدس الله روحه” ت 1362هـ، وهو يتقدم الجموع بالعزاء منطلقاً من حي الكويكب ماراً بالسكة (التي تغص بالمحلات التجارية العامرة) إلى عاصمة العلم والفقاهة القلعة العزيزة. وُينقل أنه خلال مرور الشيخ بالعزاء أخذت الناس تغلق محلاتها وتسير معه في موكب العزاء وهي تنشد معه بصوت حزين وعيون دامعة: زينب من الشام اليوم جت كربلا
ومن تلك السنة بدأت القطيف المحروسة تتوشح ثوب الحزن والعزاء في ذكرى يوم الأربعين لاستشهاد المولى الحسين عليه السلام.
وطالما مررنا بذكريات الماضي عن يوم الأربعين لا بأس بذكر حي الكويكب المشهور بالعزاء والتمثيل في تلك الفترة “ما قبل عام 1390هـ، “أتذكر ثلاث فرق للعزاء ـ عزاء قطيفي وكان يتصدره المرحوم سلمان الدار أبو خالد وعبدالله عمران أبو محمد وعزاء سلاسل ويتصدره المرحوم علي اليوسف (القفشات) بقصائدة الرنانة ونحن الأطفال في عزاء الأنصار باللباس الأبيض وكان يحف بالعزاء شخصيات أتذكر منهم: مثل المرحوم الشاعر سيد طاهر المسحر أبو فتحي وعبدالأمير الحوار أبو شاكر وعبدالله الغريافي أبو شوقي وعبدالله الغمغام أبو حسين وعبدالله الدار أبو حسين وأبو حسين بن طالب. وأتذكر حينما مثل المرحوم السيد علوي التتان والد الخطيب السيد عدنان، مثل دور جابر بن عبدالله الأنصاري، وكان السيد ضرير ويقوده شخص يمثل دور عطيه ولكون السيد خطيب فقد أجاد الدور بامتياز. كما ومثل دور يزيد المرحوم عبدالغني غلوم أبو صلاح أما أدوات وملابس التمثيل فهي من بيت الماحوزي. كما أن المآتم المعروفة وهي: حسينية الهواشم وحسينية الحوار وحسينية المطلق وحسينية بن جمعة وحسينية المعبر ومأتم الشباب ومأتم الأطفال وكان التمثيل يقام أمام مسجد الإمام الحسين ع (البجيره) عند الميدان بجانب بيت حسن البحر. هذا قليل من فيض.
أعتذر إذا لم أذكر آخرين بسبب النسيان وبعد الزمن. رحم الله تلك الأنفاس الولائية الطاهرة، وثبتنا الله وإياكم على ولايتهم والسير على نهجهم… وعظم الله أجورنا وأجوركم.