
إن صحة الإنسان فوق كل اعتبار، هي أغلى وأهم ما يمتلكه في حياته الدنيوية لأنها مرتبطة ببقائه ووجوده وقدرته على السعي وراء، الرزق ومتطلبات الحياة.
ولقد كان من المتوقع في ظِل التقدم التقني المذهل، وبعد انتشار العقاقير المصنعة وتنوعها، أن يتراجع المرض وتزداد السيطرة عليه، ولكن الذي حدث هو العكس تماماً، فقد عرف الإنسان الحديث أمراضاً لم تكن معروفة من قبل، بل ودخلنا عصر الأمراض المزمنة والمستعصية، من جانب آخر فإنه في كل يوم تقدم لنا مراكز الأبحاث، وكذلك منظمة الصحة العالمية، كشفاً جديداً عن الدور الخفي الذي تلعبه المخلفات الكيميائية التي صنعها الإنسان وعن آثار جانبية كثيرة ومعظمها خطر، وأصبحت هناك قائمة سوداء للأدوية المغشوشة تنتج وتباع تحت مسميات غير مرخص بها من الجهات المختصة، هذه التركيبات الكيميائية تعطى للمريض بصورة مركزة على هيئة شراب أو أقراص أو حقن، لاحظ أن لمثل هذه الأدوية المصنعة من آثاراً ضارة على جسم الإنسان.
نحن لا يمكننا أبداً أن ننتقص من حجم الانتصارات العظيمة التي حققها الطب الحديث، لكننا نعي أن هناك جانباً علاجياً محمود فيه السلامة والأمان وليس له أعراض جانبية.
“لكل داء دواء”، تلك المقولة قد يبطل مفعولها فساد العلاج المقدم إلى المريض في صورة أخطاء طبية، وأدوية مغشوشة، وضمائر ميتة، وقد شكلت بالفعل أخطاراً حقيقية، ومشاهد شديدة المأساوية، هي حصيلة التلاعب والاستهتار بالأخلاق والمبادئ الإنسانية، وهكذا لم يعد هناك ضوابط وعقوبات تساعد على مواجهة التحديات التي جعلت قوى الشر تستثمر أكثر فأكثر على حساب حياة الإنسان.
إن من المثير للحزن أن يجد الإنسان الموت حيث ينشد الحياة، وأن يفاجأ بالألم حينما يبحث عن الراحة، وأن يكون مصيره الشقاء إذا تجرأ وبحث عن السعادة التي يريدها.
فحياتنا مليئة بالأخطار المحدقة والبحث عما يفيد له وقع إيجابي، فالسعادة الحقيقية تكمن في إسعاد الآخرين ومساعدتهم.
عندما يذهب المريض إلى الطبيب، ويشكو إليه من ألم أو عرض ألمَّ به فعادة ما يأمر الطبيب بأخذ عينة من دم ذلك المريض أو صورة أشعة لأحد أعضاء جسمه، فالعلامات الحيوية، والفحوصات المخبرية، والتشخيص بالأجهزة الطبية، يعول عليها الطبيب المختص بشكل كبير في تشخيص المرض ووصف العلاج بشكل دقيق.
لكن المشكلة هي أن الكثير من الأمراض التي يصاب بها الإنسان لا يوجد لها حتى الآن علاج ناجع في منظومة الطب الحديث، وفي أحيان أخرى، يكون العلاج من الشدة بحيث يتكبّد المريض الألم والمعاناة والتعب، تُهدر صحته ويستنزف وقته وماله، فإن نسبة لا يستهان بها من المرضى تفقد الثقة بسبب طول المعاناة، وقد يبحث البعض عن علاج بديل لأمراضهم بعيدًا عن الطب الحديث.
كما أن قناعة الطبيب بالعلاج وإيمان المريض بالطبيب يعملان معاً لتعزيز الأثر ويكون العلاج شبه مؤكد بحصول التحسن وأحياناً الشفاء، وعلى العكس، عندما يفقد المريض الثقة؛ فلا يستجيب المريض لتوصيات ورغبات الطبيب، ولا يستطيع الطبيب التوصل إلى العلاج المناسب.
بصفة عامة قد لا يستطيع الطبيب الاستمرارية في العلاج ما لم يكن المريض على استعداد بتغيير نمط الحياة.
هل هناك حاجة ماسة لإدخال النمط الحياتي ضمن وسائل العلاج؟
بعض الأطباء اعتبر كتابة وصفة خيالية أمراً غير واقعي، رئيسة الطب الوقائي في مستشفى (JoAnn Manson) في بوسطن تقول: من النادر أن يتحدث الأطباء مع مرضاهم في مسائل تتعلق بالنمط الحياتي لأسباب متعددة، منها أن مجتمع الأطباء لا يدرك بشكل كافٍ أن تغيير عادات وتقاليد الممارسة اليومية جزء من وسائل الوقاية المهمة، وبعض الأطباء غير مقتنع بأن كتابة وصفة تتعلق بأسلوب حياة مع أنها رمزية فقط قد تكون مهمة للغاية، وأضافت: لو أن وصفة دوائية سوف تساعد في الحد من أمراض القلب والسكري وهشاشة العظام لسارع إليها الأطباء.
فما بالهم لا يفعلون مع وصفة يمكن أن يكون لها نفس التأثير، كما أن انشغال الأطباء بعلاج عدد كبير من المرضى قد لا يتيح لهم الوقت للتحدث عن النمط المعيشي مع كل مريض ولكن في مستشفى دارتماوث وجدوا أسلوبًا: فبعد الكشف على المريض، يكتب الطبيب إرشاداته على ورقة تشبه الوصفة الروشتة العادية، ثم يقدم إليه كتيبًا صغيرًا يتضمن تعليمات وإرشادات ونصائح صحية عن كيفية أداء الجسم لمهامه الحياتية يمكن ممارستها، الجميع يتفق على أهمية التعرف على سلوكيات المريض الغذائية والحياتية لكي يعيش المريض حياة صحية سعيدة، ومجمل ذلك يستغرق من الطبيب بين دقيقتين وثلاث دقائق تعطى فيها توصيات صحية وتغذوية.
تشير التوقعات إلى حدوث زيادة في الأمراض التي ترتبط بنوع الحياة التي يحياها الشخص، حسب تقرير “Research and Markes العالمي.
ويمكن للطبيب أن يستفيد من هذه الوسيلة العلاجية بشرط الإيمان بمفعولها، وهو ما ينطبق أيضًا على بعض التوصيات الغذائية والصحية، التي لا تفيد إلا إذا كان لدى المريض رغبة ذاتية في التحسن.
مدارس الطب الحديث لا تزال تعتمد كثيراً على معالجة الأمراض دون التفكير الكافي بالوقاية منها، فالأدوية أو العلاج الذي يعطى للمريض هو لإزالة أعراض المرض وليس المرض نفسه، فلو عندك مثلاً تلوث جرثومي في الساق، قد يلجأ الطبيب إلى معالجة ذلك الالتهاب الجرثومي بالمضادات الحيوية – هذا الالتهاب قد يصيبك بالحمى، لكن هذه الحمى ليست المرض وإنما أعراض المرض.
قد يكون من البديهي أن يلجأ الأطباء إلى تسكين آلام الجسم بمختلف أنواعها بالمستحضرات الصيدلانية أو الأجهزة الطبية وغيرها من التقنيات الحديثة، لكن الأمر لا يجب أن يختصر بهذه الحلول العلاجية؛ لأن النواقص الكبيرة ستتكشف لكم عندما تلزمون مريضكم بتناول الأدوية ومراجعة المستشفيات طوال حياته دون معرفة المريض بدرجة الأمان والفاعلية العلاجية، وكذلك أعراضها الجانبية على المدى الطويل.
المشكلة أن هناك أمراضاً ليس لها علاج طبي إلا بتغيير نمط الحياة، لأن ما يعانيه المريض قد يكون سببه سلوك غذائي يكمن في كم نأكل؟ وكيف نعدل ما نأكل؟ كيف نقارن ونقنن، كيف نختار الغذاء ونعدّ الطبخات؟ أو ممارسة حياة صحية عامة: وذلك يشمل العناية بالجسم، وممارسة الرياضة المعتدلة، والنظر إلى الحياة بمنظور إيجابي، وممارسة أساليب الاسترخاء النفسي والجسمي.
حياتكَ غالية، في ظل تفعيل ثقافة الغذاء والحد من الأمراض المصاحبة له، حاول أن تعرف خصائص ما تأكله بالاطلاع على التوصيات الغذائية والصحية، للتأكد من قيمتها الغذائية وحاجة الجسم إليها.
هل يستطيع الطبيب تحديد فاعلية ما يقدمه من علاج دون معرفة السبب الحقيقي وراء المرض؟
في مفهوم الطب الطبيعي، يرى أن أصل جميع الأمراض واحد وهو اختلال الاتزان الطبيعي للجسم، وهو ما يجعل هذه الأعراض تظهر على الجسم، وعند حدوث أي اختلال في الاتزان الطبيعي للجسم يظهر عليه مرض معين، ورغم اختلاف مسميات هذه الأمراض فإن مبدأ العلاج بالوسائل الطبيعية هو: تعددت الأسباب والمرض واحد ولا يعد المعالج بالطب الطبيعي الأعراض هي المرض، ومن ثم لا يعتبر التخلص منها علاجًا للمرض، ويرى أن السبب الحقيقي الكامن وراء المرض أبعد من السطح الظاهر وأن الطبيب إذا عالج الأعراض فإنه يقمعها بينما المفترض أن هذه الأعراض ستساعد الطبيب على الوصول إلى السبب الحقيقي لظهورها، وهو ما يتطلب البحث عن مصدرها بدلاً من التخلص منها، ويرى الطب البديل أنه لا يجوز التدخل في شؤون الجسم وإنما مساعدته للتغلب على مشاكله وفقًا للشروط والقوانين التي وُضعت فيه عندما خلقه الله عز وجل وبناءً على هذا المبدأ، يجب أن يكون المريض هو سيد العلاج وليس الطبيب؛ كما أن الذي يجب أن يقوم برعاية العلاج ليس الطبيب أو الممرضة، بل المريض نفسه هو الذي يرعى حالته طوال الوقت، لأنه أعرف الناس بتفاصيلها وبالتالي يستطيع علاجها، معنى ذلك أن العلاقة بين الطبيب والمريض تقوم على التعاون الكامل، فالطبيب يعتمد على المريض اعتمادًا كليًا من أجل الوصول إلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ظهور الأعراض وبدون مشاركة فعلية من المريض لن يتمكن الطبيب من علاج هذه الأسباب.
فالمريض في هذه الحالة هو طبيب نفسه في معرفة المخاطر التي قد يواجهها عندما لا يلتزم بتغيير السلوكيات الخاطئة التي تؤثر على صحته.
اعتناؤك بجسدك يظهر من خلال الاهتمام في اختيارك للطعام والشراب الذي تتناوله له وقع إيجابي على صحتك.
الغذاء الصحي يعيد الشباب والحيوية إلى الخلايا والأنسجة المختلفة في الجسم ويفتح الذهن ويقوي الإدراك.
ماذا يعني لنا الغذاء الصحي، وما تأثيره على صحتنا ونشاطنا وحيويتنا؟
الحقيقة أن الغذاء هو الحياة، حيث تستطيع جعل الغذاء دواءً أو مرضاً، كما يعني الاعتدال في الكم والتنويع والتوازن، لأن ما يدخل فمنا يؤثر في خلايانا وأنسجتنا وأعضائنا، وسوف يغيِّر في نمط حياتنا ونكون أكثر توازنًا وسعادة.
إن طعامنا له تأثير على صحة أعضائنا الداخلية والخارجية جمالنا وجاذبيتنا.
الأغذية الصحية تستخدم في علاج الكثير من الأمراض التي وقفت أمام العديد من الأدوية عاجزة.
بصفة عامة قد لا يستطيع المريض المزمن تناول الدواء لفترة طويلة نظرًا للأضرار التي قد تؤثر على صحته وتسبب له مضاعفات، لذا عليه مراجعة طبيبه لتوضيح سلوكياته المعيشية وما إذا كان قادرًا على تغييرها للأفضل.
حاجة الإنسان للغذاء الذي يقيه من الأمراض ويجعله يعبر رحلة الحياة بأقل قدر من العلل والأمراض.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات