تشكل زيارة الإمام الحسين (ع) مدرسة معطاءة في مختلف الجوانب العقائدية والاجتماعية والثقافية، وذلك لما تحمله من تأكيد على السير على خطى أولياء الله الصالحين والتمسك بنهجهم الحق الذي يرتضيه رب العالمين، والتحلي بالقيم الأخلاقية والسلوكية التي تصنع الشخصية الكاملة، وبقدر ما نحمله من وعي سيكون لنا النصيب الأكبر من كنوز الحكمة والاستقامة المستقاة منهم (ع).
فالتفاعل مع المدرسة الحسينية يحتوي كيان الإنسان في عقله ومشاعره الوجدانية، وذلك أن النهضة الحسينية مجموعة قيم ومبادئ ترسم معالم الإصلاح والعدالة الفردية والمجتمعية، وانفتاح العقل عليها يعني التأمل والتدقيق فيها لاستخلاص الدروس والعبر التي تورث الورع والاستقامة، فحري بأصحاب الوعي ألا يفوتوا على أنفسهم هذه الفرصة القيمة لاستنارة فكرهم بنهج التضحية والإباء الحسيني، والذي يأخذ الأحرار في سفينة النجاة وسط أمواج الشهوات والأهواء العاتية.
كما أن العاطفية المتفاعلة مع خط كربلاء الرسالي تتسم بالوعي والألق الذي يوصلها نحو رفع الصوت الولائي عالياً في وجه كل ظلم صارخ واستبداد يسعى للبطش والانتهاك العدواني على قيم الدين الحنيف.
مدرسة كربلاء لا يعتريها الجمود ما دام يرفدها التآزر بين الفكر الناضج والعاطفة الواعية، والتي تخرج تلك القيم إلى عالم التجسيد على أرض الواقع كمنهج متحرك مع الإنسان في كل مواقفه وكلماته، فالنهج الحسيني ليس بحبيس الجدران أو العقول ليقتصر على مجرد شعائر تتفاعل في حدث زمني معين، بل لها الامتداد و الانتشار المضيء على جميع مفاصل وجوانب حياتنا، إذ سنحظى بالسعادة والرقي كلما أسقطنا تلك القيم والدروس على الأحداث والقضايا التي نواجهها.
زيارة أربعين الإمام الحسين (ع) والمسير الإيماني نحو معشوق الأحرار ذات معانٍ سامية ينبغي التدقيق والتأمل فيها، فهذا الاتصال بروح السبط الشهيد وأهدافه الإصلاحية تعني – فيما تعنيه – طلب الكمال والتخلق بالفضائل كما كان عليه نهج الإمام الحسين (ع)، وتحويل الرابطة العاطفية ومحبة قربى رسول الله (ص) إلى شعلة تنير الدروب الصعبة في الحياة، وأي مدرسة تلك التي تصنع النفوس الكريمة والحرة والمعطاءة كمدرسة كربلاء التضحية والإيثار، فهذا الاستحضار للمشهد التاريخي لواقعة الطف هو مد العقول والنفوس بالعبر والمواعظ التي تشكل شخصية الإنسان ووجهته الثقافية.
ولذلك يحضر المؤمنون مراسم زيارة الإمام الحسين (ع) كمدرسة يصيغون شخصياتهم وفق تلك القيم والأخلاقيات التي جسدها السبط الشهيد (ع)، فيحسب المرء خطاه ومنطقه ومواقفه في ملاءمتها لتلك المدرسة من عدمها، حينئذ نكون قد أدركنا وفهمنا مغزى ذلك التأكيد الحثيث في الروايات الشريفة للزيارة وإقامة مراسيم الشعائر الحسينية الملهبة للمشاعر والمنشطة للعقول النيرة.
إن النهضة الحسينية الخالدة ذات قيم سماوية ينبغي الانفتاح عليها بفهم وتدقيق لاستخلاص الدروس والعبر منها، وهذا ما تقدمه المنابر والأقلام الواعية من إطلالات ودراسات تعرف الجماهير الولائية بأبعاد ودلالات المواقف والكلمات الصادرة من السبط الشهيد.
وهناك البعد الاجتماعي المشرق والذي يتجلى في اجتماع المؤمنين في تكتل بشري هويته الولاء والمودة للعترة الطاهرة، كما كان عليه أنصار الإمام الحسين (ع) من مزيج وتركيب متنوع في العنصر والطائفة والجغرافيا في مشهد منقطع النظير في تآلف القلوب واجتماعها على نصرة الحق وأهله، وهذا التكاتف الاجتماعي يدعو إلى نبذ الكراهية والأحقاد ويعمل على إخماد كل فتيل للفتن والفرقة، فالتعايش بين أطياف المجتمع يرسمه المنهج الحسيني وفق مبادئ الاحترام والمودة والتعاون.