ليس ثمة سلطة أعلى من سلطة الرحمة..
فلم يكن خطاب الله سبحانه وتعالى للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم اعتباطياً حين قال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
بل لرسالة أراد الله إيصالها للبشر من خلال توجيه هذا الخطاب لنبي معصوم يدرك ذلك.
فالقيادة ليست بمنأي عن التربية والتعليم فجميعها مكمل لبعضه ولا قيمة لواحد منها دون الآخر، وما نهجها إلا الرفق واللين والمعرفة بالخصائص النمائية لمن نحتضنهم.
ومع اقتراب يوم المعلم وفي حديث مع نفسي كنت أتأمل ماذا تعني كلمة “معلم” هل لها مفهوم أعمق مما نعرف؟
رجعت بالزمن للوراء؟ وفي سؤال عفوي طرحته على صديقات الجامعة “من هو/ هي أكثر معلم/ة، ترك أثراً طيباً في نفوسكن؟”.
فجاء الجواب: الدكتورة سلوى ناظم على روحها الرحمة والسلام؛ وهو الجواب الذي أجمعنا عليه أنا وهن.
ليس لتمكنها العلمي في طرح المادة فقط بل لتعاملها السامي معنا واحترامها لمرحلتنا العمرية ولتعويلها علينا ودعمها المستمر الذي لا يخلو من عبارات أنيقة. مما جعلها عالقة في أذهاننا رغم توالي السنوات.
تبعتها لحظات استحضار لأشخاص تركوا أثراً طيباً – سواء في مشواري التعليمي أو مشوار أبنائي – فكان هناك مشهدٌ حاضرٌ لا يبارحني، شخصية أجدها نموذجاً للقيادة المؤثرة وهي المعلمة: صباح الجشي؛ مديرة الروضة التي درست فيها ابنتي الصغيرة “حور” والتي قضت فيها عامين من أجمل الأعوام تأثيراً في حياتها وحياتي. وما الذي جعلها كذلك؟ لولا تجليات المعنى ولولا التغيير الذي أحدثته في نفوسنا فجعلنا ممتنات لها.
مشوار مترف بالحب والاحتواء للصغار تطغى عليه لغة حانية راقية لينة تستحث فيها الأمهات وتستنهض هممهن وتشد على أيديهن للارتقاء بتربية فلذات أكبادهن لا أنسى احترامها الجلي والدائم لنا والتماسها الأعذار وتفهمها الذي يعكس روحاً عظيمة هدفها الإصلاح لا التشفي؛ فما زال صدى كلماتها -في محفل الختام- يحتضن قلبي لهذه اللحظة، بتوصياتها لنا وبثقتها أننا أمهات قادرات على حمل الرسالة رغم مشقة الطريق.
ولأنها تدرك أن الأسرة عنصر أساسي في منظومة التعليم فكانت مجموعة الواتساب حلقة وصل بيننا يسودها جو المودة دونما لوم أو تقريع أو حتى محاولة لبث القلق في نفوس إحدى الأمهات للفت انتباهها أنها مقصرة أو مهملة بل كان خطابها تربويًا راقيًا يحمل مضامينًا صادقة تصل بحب لكل القلوب.
ومازال حبل الوصال -رغم تخرج ابنتي منذ 3 سنوات – ممتداً عبر رسائل تصلنا في كل جمعة ومع كل مناسبة لتستكمل ما سعت لبنائه دون منِّ أو عتب.
هكذا يكون قائد التأثير يسعى للإصلاح بعيدًا عن التشفي وعن الفظاظة في اللهجة والخشونة في المعاملة مقتديًا بنبي الرحمة وإلا كيف ستصل رسالته للقلوب وهو لا يملك مفتاحاً لذلك؟
ولا تقل عن ذلك كله رفيقتها ومساعدتها “عالية درويش” الحنونة من الطراز الرفيع فكانتا ثنائياً مميزاً لمشوارٍ أخذ بعداً تربوياً في إطارٍ مطرزٍ بالمودة والرحمة ويؤكد على أهمية ذلك في تشكيل القيادة الحكيمة.
فكان لزاماً علينا شكرهما في هذا اليوم لأنهما مثالًا للمعلمات المربيات التربويات فاستحقتا هذا المكان، فما نصبتا نفسيهما لذلك إلا لأنهما أهلٌ له.
وفي الختام باقة شكرٍ من بعض الأمهات سأنقلها لكم:
تقول أم البرعم حسن العبكري: “المعلمة صباح نموذج مثالي للمربي المنتظِر، فكل ما يصدر منها يصب في وردٍ معنوي واحد لا يخفى عبقه عن أي أم أودعت برعمها هذا البنيان الولائي، وما أعذب هذا العبق الذي نستذوقه في رسائلهم حتى كأن كلماتهم تحتوينا وتوقظ فينا وفي صغارنا وهج الانتظار كلما خَفُت في زحام هذه الحياة، دام هذا الصرح ودام وصله النديّ”.
كما تقول أم نوراء وفاطمة الحمالي: “نسير في طريق منعطف تواجهنا الكثير من التحديات، وقد وُضِعَتْ على عاتقنا مسؤولية تنشئة جيل صالح يستشعر واجبه تجاه دينه ووطنه ومجتمعه، فكان لا بد أن نبادر بغرس القيم العقائدية والأخلاقية والولائية في أطفالنا”.
“لم نكن وحدنا في الطريق، بل كانت المعلمة صباح وطاقمها التربوي خير معين لنا على ذلك وكم كان لعطائهم تَجَلٍّ واضحٌ نلمسه في سلوكيات أطفالنا، في حبهم للعلم، وشغفهم بالتعلم، ومبادرتهم بالعطاء. ولا تزال جسور الوصل ممتدة بيننا وبينهم ما دام السير مستمراً نحو الهدف السامي، فلهم منا كل الشكر والتقدير في يوم المعلم ونسأل الله التوفيق والسداد لنا ولهم إنه خير مرجوٍ وأكرم مدعو”.