مقولة لا تحتاج كثيرًا من الأدلة، فعلًا هو – أكرمكم الله – استحمار! طلبٌ بسيط من الله الخالق في كلمتين “اسْجُدُوا لِآدَمَ”، فاستجابت له الملائكةُ كلهم إلا هو” فَسَجدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ”. فماذا لو سجدَ، فكم من الجهد والوقت في سجدة؟
صار إبليس يراجع نفسه ويحلل الطلب، تكبر وتعصب فأعتقد أنه أفضل من آدم. وبما أنه أفضل من آدم ـ في تصوره – إذًا لا ينبغي أن تصدر له الأوامر بالسجود لآدم، بل ينبغي أن يُؤمر آدم بالسجود له، وأكثر من استحماره أنه لم يرفض مباشرة، بل تحجَّج وتعلَّل وأعلن عذره القبيح بأنه أفضل من آدم. فما شأنك يا إبليس والمادة التي خُلق منها آدم؟ وكيف عرفتَ أنك مخلوقٌ من مادةٍ أفضل من مادة آدم؟ وهكذا ضاعت عبادته التي قضى فيها سنواتٍ طويلة!
لم يدرك إبليس عظمة هذا المخلوق – آدم – وقابليته ولياقته لحمل الخلافة وأنه سوف يتحدر من صلبه أجمل وأعظم وأكمل المخلوقات مثل الأنبياء وفيهم محمد (ص)، والرسل والعلماء والصلحاء وأنه سوف يعمر الأرضَ هو وعياله، لكن أنَّى لمستحمر أن يفهمَ هذه الحقيقة؟ فهو أصلًا لم يعرف أنَّ الترابَ والطين يعتبران مصدرًا لكلِّ عطاء وَمنبعًا لكلِّ حياة وليسا أقل شأنًا وأهمية من النّار التي أعتزَّ وأفتخرَ بها، فلا يجوز الاعتراض على الخالق.
ثم حين رفضَ أمر الله سبحانه وتعالى وتخلى عن عبادته في صفوفِ الملائكة وتلبس في شيطانيته لم يتركنا وشأننا، بل أخذ منذ لحظة رفضه السجود يجرنا نحو المرتبةِ التي استحقها بجدارة. وبصراحة نجح في مهمته وأبلى فيها بلاءً حسنًا، فها نحن نعصي ونسرق ونقتل، ونغش ونرتكب كلَّ الجرائر باسمه وطاعة له.
هو يستفيد من كل القدرات والوسائل في حرفنا وصرفنا عن الهدايةِ والطاعة، إِلاَّ القليل ممن عصم الله من عباده. في البداية كان هناك واحد اسمه إبليس من جنس الشيطان. أما الآن فقد انضم للشركة أبالسة وشياطين كثر، برأس مال كبير وتقنيات وابتكارات رائعة، فلا تستطيع أن تُحصي عدد موظفيها وأنواع المغريات والبضاعة التي تعرضها. وتقوم أعمال هذه الشركة على استفزاز البشر وإثارتهم بالصوت، والجلب والاستصراخ عليهم بجيوش الرجالة والخيالة من جنس الشيطان ومن غير جنسه، ومشاركتهم في الأموالِ والأولاد، وبث الوعود والأماني الكاذبة فيهم.
ومن الغريب أنّ استحمار إبليس لا ينتهي حتى يوم القيامة، فبعدما يرى أتباعه ومن أطاعه في العذابِ والبلاء، وتسوء به وبهم الأمور، يتركهم، ويلومهم ويوبّخهم على اتّباعه برضاهم ودون سلطانٍ منه، وكأنه لم يفعل شيئًا! أليس هذا حقًّا تمام الاستغباء؟