نحدقُ يمينًا وشمالًا، ونراقبُ فِي كافةِ الاتجاهاتِ بعينٍ فاحصةٍ ومتأملةٍ ومدققةٍ في كلِّ التفاصيلِ صغيرِها وكبيرِها، وتمتدُّ عيونُنا إلى أقصى حدودِ البصر ، وكثيرًا ما تتجاوزُ تلك الحدود ، لِتنتقلَ من الجغرافيا المحليةِ إلى الجغرافيا العالميةِ ، وننتقدُ نقدًا لاذعًا – لا هوادةَ فيه – لهذا وذاك ممن نعرفُهم أو لا نعرفهم، ونقدُنا السلبيُّ فقط هو الذي يطغى ويطفو فوقَ سطحِ الحقائقِ كزبدِ البحر، بينما نقدُنا الإيجابيُّ يتقلصُ حدَّ الوجعِ والإحباطِ وربما لا يتوفر، حتى إننا لا نراهُ إلا باستخدامِ العيونِ المسلحةِ بأجهزة التكبير، وقد لا نراه حتى بذلك، لأن عقولَنا – لا عيوننا – تسيطرُ سيطرةً تامةً على الفكرةِ والرأي، فتصيبُ العينَ بالعمى الذي لا يميزُ الألوانَ ، ولا يُدركُ اختلافاتها، وعندما يأتي الدورُ علينا، وتتجه ذات العيونِ على أنفسِنا، فإننا نخافُ ونهرعُ مسرعين إلى تغييرِ اتجاهِ البوصلةِ إلى الآخرين مجددًا، ففي ذلك راحةٌ لنا من نقدِ أنفسِنا، والتي كانَ من الواجبِ علينا البدءُ فيها والتركيز عليها، وسبر أغوارها، ونقدها في جميعِ الاتجاهاتِ دون أن نقسو عليها، وأن ننشغلَ بمزاياها لتطويرها، وأن ندرسَ عيوبها محاولةً منا لتقليصها أو التخلصِ منها ما أمكننا ذلك.
أنْ ننظرَ إلى أنفسنا أمرٌ أولى بالتقديم، وأنْ نُغيرَ سلوكَنا أجدى بالعمل، وأن نرسمَ لأنفسنا خارطةً مضيئةً في دنيا الخرائط أفضل بالبدء، وأن ندعَ الآخرين يرسمون خرائطهم.
دورنُا الحقيقي هو أن نبحثَ عن موقعِنا من الإعراب، وليس أن ننتقدَ من صنعَ له محلًا من الإعراب، كذلك فإن علينا أن نتأملَ في أسئلةٍ كهذه الأسئلة:
1- ماذا قدمنا من إنجازات؟
2- وهل حققنا أهدافنا؟
3- ما هي طموحاتنا؟
4- وما البصمة التي سننحتها على صفحةٍ ناصعةٍ تشعُّ نورًا في ذاكرةِ الأيام؟
وغير ذلك من علاماتِ الاستفهامِ التي نركزُ فيها على ذواتِنا؛ لنبنيَ لنا جسورًا صلبةً وقويةً نعبر من خلالها بأمانٍ إلى أن نصلَ إلى نجاحاتِنا لنفرحَ بها، وإلى إنجازاتنا لنسعدَ بها، وإلى طموحاتنا لنرفعَها شاخصةً أمامَ الجميعِ وبكل اعتزازٍ وفخر، وأن نقولَ بكل ثقةٍ: لقد قمنا بدورنا كما ينبغي، وسنستمر نمارس أي دور في طريق الناجحين.
من خلالِ تتبعِ حياةِ الناجحين – وأنا أقصدُ هنا الناجحين وليس أشباههم – وجدنا أنهم كانوا إيجابيين ويمتلكون رؤيةً واضحةً وثقةً كبيرةً، وقدرةً فائقةً على التخطيط، وكانوا كذلك يعملون في صمتٍ وهدوء، ويجتهدون في عملهم، لقد انشغلوا بأنفسهم فقط وهذبوها وطوعوها وطوروها وغيروها؛ حتى أضحوا أيقوناتٍ ورموزًا في عالمِ النجاحِ الذي يتسعُ للجميعِ ممن عندهم الرغبة والطموح والهدف.
إننا نرتكبُ خطأً فادحًا وجسيمًا عندما نبحثُ عن موقعِنا من الإعراب ونحن لم نشيدْ لنا أي موقع ابتداءً، لا بد لنا أن نكون مرتبين في خطواتنا، فنحدد أولًا عناوين طموحاتنا ومسمياتها، ثم نضع لنا خططًا لنحقق بها أهدافنا وصولًا إلى تحقيقِ طموحاتنا، والتي لن تتحققَ على أرضِ النجاحِ بمجردِ الانشغالِ بالنقدِ السلبي للآخرين ، وخصوصًا ممن قطعوا أشواطًا كبيرةً وكونوا سلسلةً ذهبيةً وربما ماسية في دنيا النجاح، فينبغي ألا نكون ظلًّا لهم يتتبع خطواتهم فقط؛ لنجدَ ثغرةً هنا أو هناك تصلحُ لأن تكونَ – في نظرنا – منطلقًا لنا لتوجيه النقد السلبي دون مراعاةٍ لقيمةِ الإنجازِ الذي تحقق على يد هؤلاء الفئة من الناجحين، فالظل وإن كنّا نراه فهو لن يُقَيِّدَ الشخصَ الناجحَ أو يمنعه من تحقيق أهدافه وطموحاته، ولن يكون حجرًا عثرة له، بل هو مجرد رسم يختفي ويظهر فقط فلا قيمة واقعية له.
أختم مقالي بقول ونصيحة:
* يقول الشاعر:
إن لم تكن صدراً بأول جملةٍ .. أو فاعلاً للمجد في إسهابِ
إياك أن تبقى ضميراً غائباً .. أو ﻻ محل له من الإعرابِ
* نصيحة لا تخلو من مصطلحات نحوية:
لا تكن نكرة تبحث عن (ال) التعريف في عالم الناجحين، بل كن معرفة تحقق الإنجاز تلو الإنجاز، حتى تصبح خبرًا صريحًا في عناوين عريضة على صفحات النجاح، فإن فعلت ذلك تكون قد حددت موقعك من الإعراب.