
ما كتبه Sartre عن الحرية وتعمقه في الوجودية، أو ما تناوله Kierkegaard عن القلق، وما عرضه Merleau-Ponty عن علم الإدراك، كل ذلك يشعرنا بمدى ترابطه مع آنية الأحداث والصور الحيّة في واقعنا، وكأننا نقرأ أخبارا تزامنية تعرض لنا حدثا قائما.
فما زالت فلسفاتهم تحظى بالأهمية البالغة، بعيدا عن كونها في مسار الصحة أو الخطأ، لكن ما يعطيها الأهمية، أنها تدور في محيط حياة الإنسان بعمق، وتثير سؤالين مهمين إنسانيا: من نحن؟ وماذا ينبغي أن نفعل؟
لذلك المدخل لمعرفة الذات هو مسار الإحاطة بكل ما يتعلق في فهم السلوك، وبالتالي التعاطي مع معطيات أخرى بصورة مُوَجّهة.
لمعرفة الذات ينبغي الإحاطة بمعرفة الكينونة، وكونك تمتلك سمات معينة، وبمقدار تناغم هذه السمة مع ما تملك من سمات أخرى، ومدار التأثير السلبي على محيطك والارتباط في علاقة ما تملك من قدرات بجسدك، فلكل سمة من هذه السمات الشخصية حقائق تميزك عن غيرك، وهناك اختلاف بينها وبين الصفات الموروثة.
ومن هذه الحقائق، ارتباطها بالمثيرات الخارجية أو الداخلية، ومدى أثر ذلك في دورتها الفعلية كسمة للفرد، فكل مثير ينبه الجهاز العصبي ويجذبه بطريقة ما، يستثيره ليطلق شحنات كهربائية داخلية، فكما تحدث الإثارة بسبب عامل خارجي، كذلك تحدث بعوامل داخلية كالشعور بالعطش أو الألم أو حتى ذكريات باقية، بغض النظر عن مدى حدِيّة هذا المؤثر مثل سماع ضوضاء عالية، أو كان المؤثر معقدا كسماع حديث لمجموعة أفراد مع صوت برنامج إذاعي وكل ذلك في وقت واحد.
نخطئ بالاعتقاد أننا نعتاد بعض المثيرات وأنها تحت سيطرتنا وإدارتنا، وأننا لا نتأثر بها بما يتسبب في مضايقتنا، وهذا وهم إدارة الذات مع المثير، فالحقيقة عكس ذلك تماما، نحن نستوعب سيطرة عدم الدراية حين نشعر فجأة بالتعب وعدم التحمل والانهيار في موقف اعتيادي ومتكرر، كنا نشعر فيه بالتأقلم الوهمي، لكنه الآن تسبب لنا بالإرهاق والإنهاك غير المسيطر عليه، وكأن هذا الأمر بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير.
عدم درايتنا بماهية علاقة ذواتنا مع المثيرات تعني أننا لا ندرك أن تلك المثيرات أكثر تعقيدا مما نعتقد، لأنها قد تختلف معانيها من شخص لآخر، وعلى سبيل التقريب، رؤية الازدحام في مركز التسوق في فترة الأعياد، قد تذكرك بلحظات تسوّق عائلية ممتعة، لتمنحك المشاعر الإيجابية الدافئة، بينما شخص آخر، يثير فيه نفس هذا المشهد مشاعر كئيبة ويستجمع مشاهد غير مريحة، كان فيها منهكا بالتزامات عائلية في الشراء، لكنه كان يمر بضائقة مالية.
المصدر: آراء سعودية