{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}. [الإسراء 23]. يروى عن الإمام علي (ع) قول الرسول الأكرم (ص): “من وقّر ذا شيبة لشيبته آمنه الله عز وجل من فزع يوم القيامة”، ويؤكد الإمام أن من سمات المؤمن”ترك الأذى وتوقير الشيوخ”.
بين الضَعفين الطفولة والشيخوخة حياة الإنسان بجمالها ومنغّصاتها المعتادة حيث يتطلّع من جهة إلى جمال الحياة ورونقها عبر تطلّعات وآمال الطفولة والشباب، وتداهمه منها المفاجآت والتقلّبات وتعيده إلى هدوء وبساطة وحنين الماضي، ونعلم أنّ هذا التضادّ هو التعريف الحقيقي إلى الدنيا التي نحياها من المستشفيات والتأمينات بين التغيّر في الرفاهية والصحة والعسر واليسر والألفة والاختلاف والتقارب والتباعد بكل عناصرها شاملة الأهل والأحباب.
كبار السن يبدو أنه تصنيف غير مقبول لأنه يركن الإمكانيات ويلصق الحاجة إلى العطف والشفقة من الأقل عمراً وهذا أمرٌ غير واقعي. اعتدنا للأسف أن نوظّف كبار السن في مهن الخدمات -غنيّة الثواب قليلة الدخل- كالحراسة والنظافة وعمل الشاي ونقل الأوراق والملفّات وتوصيل أفراد العائلة. العمر معيار زمني لا جدال فيه ولكن لا يمكن منه استخلاص نتائج مؤكدة عن الصحة والقوة والقدرة في زمنٍ اشتبكت فيه النظرات والمؤثرات، بل إننا نلحظ شغف هذه الفئة النبيلة بالعمل المجتمعي والسعي الحثيث المتواصل إلى المساهمة في خدمة الناس وتحسين القرى والمدن وتطوير نمط الحياة بما يتوافق مع مرتكزات التنمية المستدامة للأجيال القادمة.
وفي دراسة تحليلية عن الحماية القانونية لكبار السن في دول مجلس التعاون، كتب الدكتور يونس إلياس: “يقترن دخول الإنسان مرحلة الشيخوخة بجملة تغيّرات تطرأ على شخصه وحالته النفسية، وعلاقاته بالبيئة المجتمعية التي يعيش فيها، (الأسرة والمجتمع). ويترتب على ذلك أن تنشأ لديه احتياجات خاصة، لا بد من تلبيتها لتمكينه من الاستمرار في الحياة، مما يستدعي إقرار سياسات وبرامج تنفيذية، بغيّة تلبية هذه الاحتياجات، وتوفير القدر الضروري من الحماية المؤطّرة بإطار قانوني لشخص المسن ومصالحه المالية والاجتماعية”.
بين دول العالم معيار عمر كبار السن يتراوح بين 65 سنة و85 سنة وهذا التفاوت الواسع يشير إلى عدة أمور منها متوسط العمر الإفتراضي والمقدرة على القيام بالاحتياجات الشخصية دون مساعدة والقدرة على الحركة تختلف من مكان إلى مكان حسب طبعهم ونمط حياتهم. كما نقرأ أن المتقاعد في دول الغرب يعيش حياة جديدة ملؤها السفر والنزهة وتربية الأحفاد بعكس ما يحدث في محيطنا حيث المتقاعد يتخلّص من كل مهامه واهتماماته ويكون تواجده أينما حل ضيف شرف لا أكثر.
في تقرير الهيئة العامة للإحصاء لعام 2017، يصنف كبار السن بأنهم؛ كل من تجاوز 65 سنة من العمر، وهؤلاء يمثلون نحو 3.25% من إجمالي عدد السكان وبحدود مليون مواطن 57% إناثًا و43% ذكورًا، والنسبة العليا منهم يقطنون منطقتي مكة المكرمة والرياض وتنتشر بينهم الأمراض المزمنة مثل السكّري وارتفاع ضغط الدم وإلتهابات المفاصل. كما تعاني الأكثرية من صعوبة الحركة وهم بحاجة إلى مساعدة ذويهم بشكل رئيس للعناية الشخصية والتنقل والحركة وأخذ الدواء وتناول الطعام والشراب. ويشير التقرير إلى أن 75% من كبار السن غير متعلمين.
من دون إهمال دور المؤسسات الرائدة في المجتمع، البحث عن الصحة والعافية في المقام الأول مسؤولية ذاتية لابد من التمهيد لها منذ نعومة الأظفار وقت الفتوّة والشباب حيث إن اللامبالاة والانسياق وراء الهوى والضياع والكسل في أول العمر يحصد الإنسان منها -لا قدّر الله- الأمراض المزمنة في الكبر وقتما يكون في أمسّ الحاجة إلى القدرة على القيام بأموره الشخصية بمفرده. ثمّة أمر لن يخطئه المتابع إلى فرق المشاة في الوطن والتحوّل في مفهوم الحياة عند هؤلاء ممن جاوزت أعمارهم الخمسين، حيث إن أغلب الفرق انضم معها من جاوزت أعمارهم السبعين والثمانين وثبتوا وواصلوا وأثبتوا أن العمر مجرد رقم وأن الحياة إرادة وتحدٍ.
مارس الرياضة وحافظ عليها تحصل على جسد متناسق ومناعة ممتازة تعطيك القوة حتى الشيخوخة.