السكرتير

ذهبت ذات مرة إلى إحدى الإدارات.
كان لدي موعد مسبق مع المدير.
استقبلني السكرتير بوجه عبوس: نعم ماذا تريد؟
أجبته: لدي موعد مع سعادة المدير.
نظر إليّ قائلًا: انتظر لحظة حتى أراجع سجل المواعيد.
وبعد التدقيق أجابني: نعم لديك موعد.. لكن المدير لديه اجتماع طارئ.. انتظر حتى ينتهي الاجتماع.
سألته وكم يستغرق الاجتماع لأنني مشغول. عندي مهام أخرى يجب أن أعملها.
أجابني بأسلوبه الجاف: انتظر فقط دون أسئلة.
ضبطت أعصابي وقلت في نفسي: لا ترد على هذا الجاهل. وجلست انتظر. صرت أتصفح في ذلك الكم الهائل من رسائل الواتساب. صرت أفكر في هذا المنصب الذي أساء استخدامه هذا الموظف.

وبينما أنا أقرأ بعض الرسائل الصباحية. إذ دخل علينا رجل عجوز بهيئته البسيطة حاملًا معه بعض الأوراق. وما أن رآه السكرتير حتى انتفض من مكانه وكأن عقربًا لدغه قائلًا: ألم أقل لك ألا تحضر إلى هنا إلا حين نتصل بك. فلا تزال معاملتك تحت الدراسة.
أراد العجوز التحدث. لكن السكرتير لم يدع له مجالًا. وبكلمة واحدة ختم هذه الزيارة: (عد إلينا حين نتصل بك).

صرت أنظر لهذا السكرتير المتعجرف وأنا أشتعل غضبًا من تصرفاته.
في هذه اللحظات خرج المدير العام. نظر إليّ قائلاً: منذ متى وأنت هنا. أنسيت موعدنا الساعة التاسعة. كنت أنتظرك بفارغ الصبر.
قلت له: عفواً سعادة المدير لكن السكرتير أخبرني أن لديكم اجتماعاً. وأمرني بالانتظار.
نظر المدير العام للسكرتير قائلاً: متى ستترك هذه العادة السيئة. ألم أقل لك بأن تحترم المراجعين.
دخلت مع المدير مكتبه. واعتذر لي بسبب سوء تصرف السكرتير.

قلت له لا داع للاعتذار ولكن لي عتب صغير عليك وآمل أن تتقبله. إني أعرفك بجدك ونشاطك وحبك لخدمة مجتمعك. عتبي هو كيف تقبل أن يكون هذا الشخص سكرتيرك الخاص؟! هذا المنصب يحتاج إلى شخصية ذات مواصفات مميزة.
تنهد المدير ثم قال: لم يكن هذا الشخص بهذا السوء من التصرف. كنت أشاهده يسلم على الموظفين بكل تواضع.
سألت إدارته عن إخلاصه فقالوا إنه من أفضل الموظفين في أداء العمل. وعن مقابلة الجمهور كان أفضل من يستقبل الجمهور. ولكن ما أن جلس على كرسي السكرتارية حتى تغير 180 درجة.
ضحكت وقلت صحيح المناصب تغير أصحاب العقول الصغيرة.
كان الله في عونك.

وبعد الانتهاء من الاجتماع مع المدير غادرت المكتب. وكان لابد من المرور على السكرتير الذي ودعني بنظرته الحادة الغاضبة.
قلت له: لنا موعد أسبوع.

في اليوم السادس.
وصلتني رسالة تخبرني بموعدي غداً.
استبشرت خيراً.
أعددت نفسي لمقابلة ذلك السكرتير إلا أني وجدت سكرتيرًا آخر. استقبلني خير استقبال. وسألني عن موعدي فأجبته بأن موعدي الآن فما كان منه إلا أن أدخلني إلى المدير بكل يسر وسهولة.
سألت سعادة المدير عن السكرتير السابق فقال: تم نقله للمكان المناسب.

المهارات الأخلاقية للسكرتير الناجح
لاشك أن السكرتير يعتبر عنصراً فعالاً في المنشأة وهو حلقة الوصل بين المراجعين والمدير، لذلك ينبغي أن يمتلك السكرتير قدرة عالية من المهارات السلوكية وحسن التعامل مع المراجعين والتي منها:
السماحة: وهي تعني السهولة والسلاسة، وترك التضييق على الناس في المعاملة، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم (١).

حسن الاستقبال
فحين يلتقي الإنسان أخاه الإنسان فهو لا يقابل كتلة صماء جامدة، وإنما هو يقابل إنساناً ملؤه الأحاسيس والمشاعر التي تستوجب المراعاة وإبداء الاهتمام، بانشراح صدر وطلاقة وجه(٢). وقد ورد عن الإمام الباقر  قال: “أتى رسول الله رجلٌ فقال أوصني: فكان مما أوصاه: ألق أخاك بوجه منبسط”(٢).

البشاشة
فقد ورد عن الإمام علي عنه (عليه السلام): البشر منظر مونق وخلق مشرق (٤).
تسهيل المعاملات (قضاء الحوائج): ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال الله عز وجل: الخلق عيالي، فأحبهم إلي ألطفهم بهم، وأسعاهم في حوائجهم (٥).


الهوامش:
(١) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٨٤٥
(٢) خطبة الجمعة ٢٠١٢/٢/٢٨ الشيخ حسن الصفار
(٣) الكافي. ج٢، ص١٠٣.
(٤) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٢٦٢
(٥) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٧٠٠



error: المحتوي محمي