عيال ردين

للأسف هذا مقال قديم
كان يفترض أن ينشر قبل عشر سنوات حيث طلب مني نادي الخليج مشاركة في إحدى مجلاتهم وللأسف بعد تقديمه للأستاذ/ على المحسن لم ينشره َواعتذر أن هكذا مواضيع ليس موقعها النادي.

على كل حال بعد تقريبًا خمس سنوات طلبت مني الصحفية إيمان السويدان معلومات عن ردين ونسبه فأرسلت لها هذا الملف على أساس نشره كاملًا ولكنها أخذت بعضًا منه وبقي هكذا!

وأتذكر طلب أحد الشباب من أهالي سيهات معلومات عن ردين فقدمت له هذا الملف كاملًا أيضًا حيث أصبحت معلوماته منشورة.

وقد شاركت بهذه المعلومات الردينية أيضًا في منتدى الردين الأدبي في سيهات لمؤسسة حسين الشافعي
وللأسف أصبحت هذه المعلومات الردينية منتشرة.

كما لاحظت أنه أخذ منها ونسبها إلى نفس وهنا أقدم لكم ما كتبته قبل عشر سنوات:

عيال ردين

بقلم حسين السلهام

يعرف أهالي سيهات منذ القدم بـ(عيال ردين) حتى إن شعارهم لطلب النخوة هو (ردين يا رفاقة) وكان الفرد السيهاتي في تلك الأيام الخوالي التي تميزت بعدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن في المنطقة، يحتاج إلى مساعدة الأهالي في قريته إذا تعرض لمخاطر هجمات البداة أو أي اعتداء، فيقوم بطلب النخوة السيهاتية بترديد (ردين يا رفاقة) فكل من يسمع هذا النداء وجب عليه تقديم المساعدة في الحال وإلا أصابه العار طوال حياته لعدم تقديم المعونة، وهناك قصص كثيرة تبين مدى ترابط المجتمع وتكاتفهم لدى سماعهم نداء النخوة حتى إن بعض القصص توضح أن رجال قرية سيهات دخلوا حروبًا كبيرة بسبب تلبية نداء نخوة لأحد الأهالي تعرض لخطر ما.
حتى أصبح البيت الرئيس في العرضة السيهاتية (رقصة الحرب) البيت هو (أحنا أعيال ردين وما فينا دقش ونطرح الخيال من فوق الفرس).
ولكن يتبادر لنا سؤال: من هو ردين ومتى سكن سيهات؟
سؤال تفرعت فيه الإجابات وتضاربت وتشابكت أغصانها، واختلفت مشاربها، وهذا شيء طبيعي بالنسبة لمنطقة ضاربة في القدم، واجهت الكثير من الهجرات المتعاكسة في الاتجاهات منها وإليها، ولكن أصبح اسم ردين هو رمز هذه المدينة وأصبح أنشودة الفرد السيهاتي:

ونورد للقارئ بعض الآراء المتضاربة في هذا الموضوع. آملين أن نخرج برأي يكون أقرب للحقيقة قدر المستطاع:
أولًا: ردين السيهاتي (ردينه) الخطية صانعة الرماح الردينية:
هناك من ينسب ردين إلى امرأه في الجاهلية من منطقة الخط كانت تصنع الرماح واسمها (ردين ) واشتهرت هذه الرماح بجودتها وعرفت بالرماح الردينية.
وقال الشاعر صفي الدين الحلي:
إلى عينيه تنتسب المنايا *** كما انتسب الرماح إلى ردين
وجاء في كتاب الفصول والغايات: “ردينة: امرأة كان لها غلمان يثقفون الرماح فنسبت الرماح إليها، وسمهر زوجها فيما قيل”.
وقال السيوطي: “الرديني: لردينة امرأة في الجاهلية كانت تسوي الرماح بخط هجر وبني الرديني بطن من العلويين باليمن”.
وقال الهمداني: “ردينة موضع تنسب إليه الرماح وهي قرية على شط البحر في المشرق، وكذلك الخط في البحرين وإليه تنسب الرماح الخطية”.

وهنا نتساءل هل نخوة (عيال ردين) المقصود منها هم عيال المرأة (ردين) التي كانت هي وعيالها تصنع الرماح الردينية المشهورة في الجاهلية في منطقة الخط؟ وهل كانت سيهات مركز الرماح الردينية؟
يبدو أن النخوة بعيال ردين ليس مقصود بها صانعة الرماح الردينية نظرًا لأنها بعيدة الصلة بسبب الفترة الزمنية البعيدة التي تفصل بين فترة الجاهلية ما قبل الإسلام والقرن الحادي عشر تقريبًا التي عرف فيها أهالي المنطقة بعيال ردين؛ أي ما يزيد على ألف سنة وبالتالي فيستبعد هذا الرأي.

ثانيًا: هناك قول بأن ردين هو رجل من قبيلة بني خالد (ردين الخالدي):
قالوا هو (ردين الخالدي) وقد قرأت هذا في مقال منشور (غير معروف كاتبه)  على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) في تعرضه للعوائل السيهاتية وأصولها، ولكن أطلق هذا القول دون دليل وتحقيق في الموضوع، ومن حق القارئ أن يتساءل هل المقصود من نخوة (عيال ردين) هم أعيال ردين الخالدي؟ في الحقيقة هذا ليس بعيدًا عن الصحة إذ عرفنا أن الوثائق التي ظهرت فيها بدايات بروز عائلة ردين في سيهات كانت متوازية مع بروز بني خالد في المنطقة.. والله أعلم.

ثالثًا: ردين بن بكر بن وائل:
ذكر المرحوم الخطيب عبدالمحسن بن محمد آل نصر في وثيقة أوضح فيها سلسلة نسب آل نصر، قال: ردين بن إبراهيم بن ربيعة بن موسى بن مانع بن المسيب من قبيلة الفضول من أهل الحوطة بنجد والمسيب بن المقلد بن بدران بن مالك بن سالم بن مالك بن غسان بن ربيعة بن منقذ بن الحارث بن سعد بن همام بن مرة بن ذهيل بن عزة بن ثعلبة بن عكاظ بن صعب بن بكر بن وائل بن قاسط بن عادل بن صلب بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. انتهى.

وعلى هذا يروي الكثير من كبار السن في بلدة سيهات أن ردين نزح من حوطة بني تميم إلى بلدة سيهات منذ القدم. وقد يكون هذا فيه شيء من الصحة إذا علمنا أنه كانت هناك صراعات قبلية في عام 851هـ قام بها زامل الجبوري ضد الفضول في منطقة الخرج قد تكون سببًا في نزوح جماعي للفضول ومنهم ردين.

رابعًا: ردين ينسب إلى قبيلة تغلب:
وهناك قول آخر ينسب ردين إلى بني تغلب، واعتمدنا فيما أشار إليه الشاعر أحمد بن مهدي آل نصر الله الذي ينتسب إلى ردين، ذكر في ديوانه المخطوط، مفتخرًا بقبيلته في قصيدة يذكر فيها قصته مع محمد بن خليفة قوله:
أو أصيدا هجمت إليه أرضه *** في لابن من تغلب ما عالا
ويبين فيها الشاعر أنه يفتخر بقبيلة تغلب وينسب إليها نفسه، وكما هو معروف أن آل نصر الله وآل نصر فرعان لشجرة واحدة وأصلها الزعيم القبلي (ردين).وعليه فالزعيم ردين هو من قبيلة تغلب من قبائل ربيعة التي سكنت المنطقة منذ القدم وعليه فإن ردين هو من المنطقة أصلًا ولم ينزح إليها.

متى سكن ردين سيهات:
كما يبدو من سلسلة النسب التي ذكرها الخطيب/ عبدالمحسن النصر، يتضح أن ردين قد ورد مدينة سيهات مرتحلًا من حوطة بني تميم وسكن سيهات، ولمعرفة تاريخ تلك الرحلة التي كانت سيهات محط رجال ردين، اعتمدنا في محاولتنا الاقتراب من حقيقة فترة إقامة ردين بسيهات فكانت الوثيقة السيهاتية التي يعود تاريخها إلى عام 1189هـ  تعطي بعض الإيحاءات عن تلك الفترة الزمنية، ففي الوثيقة ذكرت بعض الأوقاف التي كانت من أملاك كل من: حمد وبيات ابني عبد الله بن قاسم بن ردين ـ وتقسيم هذه الأوقاف من مزارع النخيل على أحفادهم من ذرية ردين ، وكان التقسيم لهذه الأوقاف في سنة الوثيقة ونقلت فيها إلى السيد/ علي بن حسين بن إبراهيم بن محمد بن بيات بن عبد الله بن قاسم بن حمد بن ردين. ويبدو أن عدد الآباء والأجداد بعد علي بن حسين صاحب الوقف في سنة 1189هـ، هو تسعة أفراد وفي محاولة منا لتقريب سنة انتقال ردين إلى سيهات كمؤسس لسيهات نقول: إن كل جيل تقريبًا له ثلاثون سنة وبالتالي تسعة أجيال بعد صاحب الوقف ممكن توصلنا بشكل تقريبي أن الزعيم السيهاتي ـ ردين ـ سكن سيهات في منتصف القرن العاشر الهجري تقريبًا ولكن هناك وثيقة قديمة تستبعد هذه الفرضية وهي:
وثيقة عام 985هـ:
ذكر في الوثيقة الواردة في كتاب ـ واحة ضفاف الخليج  ـ المؤرخة في عام 985هـ مجموعة من سكان سيهات وهم يطالبون بإلغاء ضريبة الخدمة على أهالي سيهات وهذه الفترة ضمن الحكم العثماني للمنطقة ولم نلحظ ضمن الأسماء الموقعة على العريضة اسم ردين أو اسمًا من أسماء أبنائه التي وردت في سلسلة نسبه وهذا يجعلنا نعتقد أن ردين سكن سيهات في بدايات القرن الحادي عشر الهجري وقد يكون له بطولات جعلته زعيمًا على بلدة سيهات خلال تلك الفترة، وكما يلاحظ في دفتر قانون نامه العثماني الذي أعد في عام 959هـ 1552م. الذي بين أن عدد مجموع سكان سيهات (63) فردًا وسجل فيه أسماء رجال المدينة ولم نلحظ اسم ردين في هذا السجل ويبدو أن سيهات في تلك الفترة لم تكن لها قلعة بل كانت قرية صغيرة يسكنها مجموعة قليلة من الأفراد.

ردين أول من أسس قلعة سيهات وانتقل لها:
يبدو أن أهالي سيهات في البداية كانوا يسكنون في قرية سيحة سيهات التي تحيط مزارعها بعين الكعبة التي تقع شمال غرب مدينة سيهات حاليًا ومازالت معظم تلك المزارع ملكًا لأهالي سيهات ومازالت يطلق عليها سيحة سيهات، وكان عددهم قليل جدًا كما يذكر سجل قانون نامة العثماني وكان عددهم ثلاثة وستين فردًا،  ولكن يبدو أن الأهالي أصبحوا بحاجة إلى موقع أكثر أمنا ودفئا لهذا انتقلوا جنوب شرق سيحة سيهات إلى موقع سيهات الحالية وبنوا قلعة سيهات وأطلقوا عليها أسم سوهات في بداية سكناها تصغيرا لمسمى قريتهم الزراعية القريبة من قلعتهم، وفي اعتقادي أن ردين هو مؤسس قلعة سيهات لهذا أطلق على أهالي سيهات أعيال ردين نسبة لمؤسس قلعة سيهات التي نزحوا لها من سيحة سيهات أو قرية سيهات.

قرية القيسية القطيفية بلدة ردين وإخوته:
وفي مقابلة مع الخطيب الشاعر/ محمد على آل ناصر ـ قال لي نقلًا عن أحد كبار السن في بلدة القديح (رحمه الله): إن الزعيم القبلي ردين لم يكن موطنه الحوطة بنجد بل كان قطيفي الأصل وكانت قرية القيسية الدارسة التي تقع غرب مدينة القديح والتي تعرف حاليًا باسم البر والتي يقع فيها الكثيب الرملي (أبو القلبان) وهي القرية التي ولد فيها ردين وترعرع فيها حتى زحفت عليها كثبان الرمال فنزح منها أهلها إلى مدينة القديح وقد رافق ـ ردين ـ أخواه؛ شيبان ومضر، وبعد خلاف وقع بين الأخوة الثلاثة انتقل شيبان إلى بلدة التوبي، وذهب ردين إلى بلدة سيهات، وبقي مضر في بلدة القديح. وقد كتب الشاعر محمد علي الناصر قصة هذه الرحلة للأخوة من بلدتهم وتفرقهم على هذه البلدات، على شكل قصيدة شعرية لطيفة وتم طباعتها في كتيب تم نشره في المنطقة ويقول في بعض هذه القصيدة:
النزوح إلى التوبي وسيهات:
ومضت شهور بعدها *** شيبان غادرها بصحبه
وببلدة التوبي ألقــــى*** رحله فســــــمت بقربه
أما ردين أخي فــــ    *** سيهات قد افتتنت بحبه
وأقمت في بلد القديح *** وكلنا شـــــــوق لشعبه

في الحقيقة مهما اختلف الرواة في قصة رحلة ردين إلى سيهات لكن يتفق الجميع على أن اسم ردين في المنطقة يعني الشجاعة والإباء والقوة والبسالة والتكاتف، بل اقترن مسمى سيهات بمسمى ردين.
هذه هي قصة ردين السيهاتي.. وعياله.


error: المحتوي محمي