على قدر أدبك تتسع دائرة  مُحبيك

إن تنظير الأفكار التهذيبية لا يكفي لتطبيقها في واقعنا المجتمعيّ، فلم تعتمد التربية الأخلاقية يومًا على شهادة  أكاديمية أو حضور دورة تدريبة وإن أضافت لخبرتنا  كمربين وآباء فإنّه لا غنى لنا عن الساحة التطبيقية التي تبدأ نواتها بالأسرة. ولا يكفينا حجز استشارات تربوية دون أن نمتلك الصبر لتنفيذها في أرضية قوية صلبة.

ولأننا نعيش زمن الانقلابات الفكرية في أجيالنا المتعاقبة  بات التهذيب الأخلاقي  يشكّل سلاحًا ضروريًا لنا  كمربين نتكئ عليه في مواجهة الفروق الفكرية.

إن دروبنا التربوية صخريّة  وليست ترابية مليئة بنسمات مُنعشة تهبُّ علينا من منعطفات الحياة  الحالمة. فقد يصرفنا فجأة عن الاسمتاع بالحياة طارئ  يطيل مكوثه إذا لم نحسن  التصرف في التعامل معه، فنجعله مثل الكرة العملاقة  بينما لا يتعدى كونه حبة حمص.

والممتع  في عملية تهذيب الأبناء أنها تمتد إلى روح  الحياة وتجذب أرواحنا في رحلة رائعة للتقويم الذاتي مما يجعلنا نراقب ألفاظنا وسلوكياتنا الحركية لأنها من صميم بروتوكلات حياتنا وهي قوارب نجاة لأبنائنا من عواصف هوجاء المجتمع اللاتهذيبي.

فالخلق الإسلامي الكريم أطلق على الأعور كريم العين  وسمّى الأعمى بصيرًا وظهر مدلول أصحاب الهمم للمُصاب بإعاقة جسدية أو فكرية.

إننا نُشفق على قلوب لم تهتدِ  بعد لقيمة اللفظ في توظيف المشاعر الإيجابية الجميلة، ثم لم تلبث تلك الأم أو ذلك  الأب يبتلعا ريقهما خجلًا عند سماع كلمة نابية خرجت من طفلهما.

ولا يُتهم الوالدان بلوثة اللفظ  النابي إذ ربما أضيف لقاموس الطفل اللفظي تحت مؤثر خارجي. لذلك كان من الواجب علينا كآباء تكثيف الجمال اللفظي عند الأطفال والناشئة فالأمور المتبادلة مستمرة دائمًا مثل: الكلمة الطيبة عندما تتردد بين أفراد الأسرة، والحب، والاهتمام إذا غرسا في النفوس.

وللتهذيب الأخلاقي جذوره التاريخية منذ الأزل فقد سأل أحد الخلفاء ابنه من باب الاختبار:
ما جمع  مسواك؟
فأجابه ولده بالأدب الرفيع:
(ضد محاسنك يا أمير المؤمنين).
فلم يقل الولد:
(مساويك) لأن الأدب هذّب  لسانه، وحلّى طباعه.
وحينما سُئِل العباس عليه السلام:
أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وآله؟
أجاب العباس قائلًا:
(هو أكبر مني، ولكن أنا ولدت  قبله).

ولعظم أمر التهذيب الأخلاقي في مضمار التربية  فقد عمدت بعض الشعوب  لوضع بروتوكلات معينة  للتعامل مع الآخرين والحفاظ على الذوق العام بين أفراد المجتمع فتساهم في تنمية  الذوق الفردي وتجعل لكل مقام مقال في المناسبات  المختلفة.

فالشعب الياباني مثلاً يحبذ  قبول الهدية بكلتا اليدين  وفتحهاً لاحقا وليس أمام المُهدي.

والشعب السويدي يفضل  التعامل عن بعد بفاصل معين من المسافة وعدم الخوض في الأمور السياسية وأمور الدين.

إن اختيار الألفاظ في مهد التنشئة له قيمته التربوية  العظيمة، كما أنّ التّهذيب الأخلاقي يقدّس  الكيان البشري، وينتصر للمبادئ السامية التي تجُول في سماء  مجتمعاتنا.
وعلى قدر أدبك تتسع دائرة مُحبيك، ويكثُر مرتادو نبعك الصافي.



error: المحتوي محمي