يُروى أن هتلر أوهم ثلاثة من الجنود بأنه سيُعدمهم باستخدام الغاز، ووضعهم معصبي العيون في سجن يستمعون فيه لقطرات من الماء المتساقط ببطء، تسبب هذا الأمر في موتهم جميعا بعد ساعات غير طويلة من الخوف والرعب، ويروى كذلك أن ألفا من الأسرى الأمريكيين ماتوا في السجون الكورية دون أي تعذيب جسدي، وفي ظروف صحية جيدة وتوفر للطعام الكافي في كل وقت، ما تعرضوا له فقط هو تعذيب نفسي يقوم على منحهم الأخبار السيئة المنغصة وحجب الأخبار الإيجابية.
كذا محاولة جعل بيئة السجن بيئة مليئة بالجاسوسية التي تجعل الجميع يخافون من بعضهم ويعيشون حالة من التوتر المستمر، أدى ذلك لحالات وفاة متكررة، كان البعض منهم ينام دون أن يستيقظ، هكذا أفنت هذه الظروف ألفا من الجنود، في ظاهرة كانت محل دراسة لعلماء النفس، ويقين من خطورة السلاح النفسي بدرجة قد لا تبتعد كثيرا عن بقية الأسلحة الفتاكة.
حتى الساعة تفتقر الكثير من بلدان العالم لتشريعات وقوانين واضحة وصريحة للجرائم النفسية التي يواجهها العامل تحديدا، ومع أنها من الشياع بحيث تستدعي المبادرة لسن تعريفات واضحة لها، وكذا عقوبات محددة، إلا أن ذلك حتى الآن غير موجود عالميا على نطاق واسع، أهمية الحديث في هذا الأمر أن هناك ما يمكن وصفه بالشريحة التي جعلت العامل أشبه بالآلة الخالية من المشاعر والأحاسيس، ودون أن تراعي فيه أدني مستويات الإنسانية، هكذا أمر هو من الانتشار، حيث يمكن الجزم بأنه يمثل ظاهرة موجودة في نسبة قد لا تكون قليلة من الشركات.
هناك نموذج المدير الذي يهين الموظفين ويمزق الأوراق في وجوههم، هناك مثال المدير الذي يمتهن تكليف الموظف بأعباء وظيفية هي أكثر مما يحتمل، وهناك من يظن أنَّ الفظاظة تمنح صاحبها المهابة التي تجعله مديرا حقيقيا، بذلك يعيش الموظف سنوات طويلة من عمره مليئة بالألم النفسي الذي يفتك بجسمه كل يوم، ليجعل العام الوظيفي الواحد بمثابة خمسة أعوام من عمر غيره.
في اعتقادي أنَّ وجود تفصيلات في القانون تشير للجرائم النفسية وتعرفها تعريفا دقيقا، وتمنح مرتكبيها العقوبات الرادعة، كما تمنح المتعرضين إليها التعويضات المناسبة، يمكن له أن يساهم في علاج هذه الظاهرة.
ومثلما قتل هتلر ثلاثة من الجنود بتعذيبهم نفسيا، ومثلما كذلك قتل الكوريون ألفا من الأسرى الأمريكيين بذات السلاح، فأعتقد جازما أنَّ الآلاف من العمال في هذا العالم يموتون سنويا في هولوكوست الجرائم النفسية، التي تذيب أفرانها أجسادهم وتنهكها، وما لم يتم تدارك الأمر فستستمر قافلة الضحايا دون توقف، وسينام المجرمون سعداء على جثث قتلاهم دون أن تطالهم يد العدالة.
المصدر: آراء سعودية