من العوامية.. العواني مغسل موتى.. بدأ بمناولة «الزبيل» للرجال والنساء.. وسنه منعه من دورات الجائحة

قاده فضول الطفل والتطفل على ما يفعله الكبار للمشاركة في مساعدة حفاري القبور وتغسيل الموتى، ورغم أنه لم يكن مغسلًا لأنه لم يبلغ سن التكليف، ولم ينخرط في مجال التغسيل حينها، إلا أنه كان معاونًا صغيرًا في أخذ “الزبيل” وتقريبه لهم، ومع صغر سن عبد الله علي صالح العواني، فإن الخوف والجزع من خطواته في المقبرة كانا يسكناه، سيما إذا أمسك الزبيل لإبعاد الرمال عن القبر قد يجد بعض العظام والجمام، لكنه بهذه الطريقة والخطوات المتسلسلة تغلب على خوفه.

ولم تقتصر خدمة الطفل “العواني” على الرجال فقط، بل كان أيضًا يساعد النساء المغسلات بإحضار الماء لهن، يقول: “سابقًا عندما كانت المرأة تتوفى، تقوم النساء بتغسيلها في منزلها، وكانت من أشهر المغسلات المرحومة أم أحمد إسماعيل المعروفة بـ”عاقلة”.

هو
“العواني” واحد من أبناء العوامية، في الـ67 من عمره، متقاعد من شركة “أرامكو”، بدأ تغسيل الأموات بعد استقراره في شركة “أرامكو”، فقد كان عاملًا لفترات.

ويضيف: “بدأت في هذا المجال طفلًا، وكنت أساعد المغسلين الكبار على الرغم من صغر سني، وذلك بإحضار سطول الماء، وإيصال الأكفان والمعدات، ولكني لم أكن أحضر كثيرًا بحكم انشغالي، وتدرجت في ذلك إلى أن صرت مغسلًا، وبعد عملي في أرامكو إذا حصلت حالة وفاة وكنت خارج الدوام آتي بشكلٍ مباشر إلى المغتسل”.

بين الأمس واليوم
يتحدث “العواني” عن التغسيل في الماضي موضحًا: “كنا إذا باشرنا تغسيل الجثة لم نكن نعلم حتى من هو المتوفى الذي نغسله، وكيف توفي، أما الآن فقد سهلت وسائل الإعلام مثل «القطيف اليوم» معرفة آخر مستجدات المحافظة، والكشف عن شخصية المتوفى”.

ويتابع: “كانت عملية تغسيل الأموات بدائية، إذ كان المغسلون يستخدمون الأباريق المصنوعة من النحاس في التغسيل، ولم يكن هناك سطول ومضخات للمياه ولا الأنابيب أو تجفيف السدر، كما أن الكفن كان بالخياط، أما الآن فيكون بالتفصيل”.

واستطرد: “الآن توجد دورات تدريبية لتعليم التغسيل، ومن أشهر من يقوم عليها الحاج حسن عبدالرزاق (مضري)، وهو رجل ملم بجميع الفتاوى من مختلف العلماء”.

مغسلون
عاصر الحاج عبد الله الكثير من المغسلين في العوامية، ويذكر منهم أستاذ المغسلين الحاج محمد الهزيم وأخاه حسين، وصالح العبد الجبار، وهؤلاء القدماء جدًا، وبعدهم حضر جيل آخر منهم الملا حسن الدبيسي، ومحمد المدن، وسلمان الفرج، هؤلاء الكبار وهم أكبر منهم سنًا، فمنهم ما زال حيًا ولكنه توقف عن ممارسة التغسيل، ومنهم من توفاه الله، وهم من تعلم منهم التغسيل، وأخذ عنهم الأفكار والطرق في ذلك؛ من الممارسة العملية، والإلمام بالأمور الشرعية، فبعضهم حسب وصفه مطلع على الأحكام الشرعية كاملة ومن مختلف فتاوى المراجع.

وعن الزمن الحالي يذكر: “لدينا الكثير من الشباب الكفء ممن يعتمد عليهم؛ منهم محمد العريض، ومحمد الفرج، وعبد الله الربيع، وخالد البراك، ورضي الاوجامي، وحسن اللباد، ومسلم الصمخان، وهؤلاء هم الجدد، ولا أعني أنهم متدربون أو لا يعرفون التغسيل، بل أقصد أنهم مغسلون معترف بهم، وأعمالهم مشهودة”.

مغتسل العوامية
تسرق من حديث الحاج عبد الله بعضًا مما لا تعرفه، يحكي: “تأسيس أول مغتسل في العوامية كان قبل ولادتي، وكان بجوار مسجد الفتية بحي الديرة من غربه، وقد بناه أهل البلد من الخيرين بأموالهم، وكان يجري من تحته مباشرة مجرى ماء خارج من عين الفتيه”.

ويتابع: “بعد تأسيس جمعية العوامية الخيرية قامت بإنشاء مغتسل آخر تابع لها، وكانا لكلا الجنسين، وقد تجدد لثلاث مرات، آخرها كان عام 1437هـ قبل هدم حي المسورة بعام، أما الآن فالمغتسل الوحيد والرسمي في البلدة هو الكائن في المقبرة، فمنذ إنشائه وهو يعمل بالنظام الجديد الذي ينص على عمل الجمعيات مع البلديات”.

ويبين: “جميع المغسلين متطوعون ولا يوجد بيننا أي موظف رسمي لممارسة التغسيل، فجميع المغسلين يعملون في القطاعين الخاص والحكومي، ومنهم المتقاعدون والطلاب، ويوجد أيضًا أحد المغسلين كان سابقًا رئيس الجمعية، فهؤلاء نخبة كفء وممتازة، ونحن في مجال التغسيل نرحب بجميع المجتمع للتطوع معنا”.

جزء من التاريخ
يسرد “العواني” جزءًا من متغيرات تاريخ التغسيل التي عاصرها: “كلنا في خدمة البلد، وأصبحنا الآن خدام الوطن بأكمله، فبعد ما جرى من أحداث في المنطقة من تفجير مسجد الإمام علي -عليه السلام- بالقديح تكونت مجموعة تواصل من تاروت وحتى الأوجام ومن صفوى وحتى سيهات، وقد شملنا أيضًا بعض مناطق الدمام، وهناك أناس أيضًا يدخلون معنا في بعض النقاشات والمسائل، منهم من الكويت والإمارات وغيرهما”.

ويمضي في سرده: “هذا ما جرى بالتحديد من مجريات جديدة على مستوى المحافظة، وقد أنشئت هذه الرابطة بعد التفجير لما كان من عدد كبير من الجثث، فقد فتحت جميع القرى مغتسلاتها لتغسيل الأموات ومن ضمنها العوامية، وهكذا تكونت رابطة المغسلين بالقطيف”.

التغسيل والجائحة
تسببت الجائحة في نقل مهام تغسيل الموتى إلى البلدية، بعد تكوين لجنة خاصة لتغسيل أموات الجائحة، وبحكم كبر سن الحاج عبد الله لم يؤذن له بالمشاركة في ذلك لقلة المناعة عند كبار السن، ودُرب المغسلون وأهلوا بدورات تقوم على الاحترازات، مثل لبس الكمام والقفازات وبدلة خاصة لذلك.

يوضح “العواني”: “في ظل ذلك كله يكون التغسيل غسلًا عاديًا، على أن يكون الميت في كيس من البلاستيك، ويتم رشه بالمعقم، وبعد الانتهاء من ذلك يتم إخراجه من الإسعاف وحتى إنزاله إلى القبر بأيدي المغسلين، ويكون عدد المشيعين 15 شخصًا فقط، و7 أشخاص من المغسلين هم من يحملون النعش ولا يكونوا من أهله، وتكون الصلاة عليه بالتباعد الاجتماعي، وكل ذلك لحرص الجهات الرسمية على سلامة المشيعين من الإصابة بالفيروس”.

خطوات
يصف الحاج عبد الله طريقة التغسيل: “في البداية يجب الحصول على الإذن الشرعي من ولي أمر المتوفى، ثم يجب أن يكون المغسل على طهارة، وأن يكون مطلعًا على الأمور الشرعية، كالتغسيل، وتفصيل الأكفان، فإذا لم يحضر مفصلو الأكفان نقوم نحن المغسلين بمباشرة تفصيل الأكفان، ونبدأ بمعاينة حالة الجثة ونكشف عليها كشفًا تامًا، ثم نقوم بتجهيز الخَضر وسبعة سطول من السدر وسبعة من القرح وسبعة من الكافور بمعدل 21 سطلًا إجماليًا، وبالتالي نباشر عميلة التغسيل ويكون ذلك على ثلاث غسلات، ونستخدم القطن بين كل غسلة والأخرى”.

ويشرح مدة تغسيل الشخص الواحد: “قد تختلف مدة عملية التغسيل وفقًا لحالة الشخص، فالمتوفى في حريق له مدة تختلف عن المتوفى بشكلٍ طبيعي، ولكن غالبًا نأخذ نصف ساعة في الشخص العادي، أما إذا كانت لديه إصابات أو نزيف أو غيرها تكون كل واحدة حسب ظروفها، وحتى عملية التغسيل تختلف وفق ذلك، فإذا كان متوفى بسبب حرق أو غيره نقوم بتغسيله غسله واحدة ونيممه بالتراب، ونسد أماكن النزيف والحرق ببعض أنواع الطين، ويكون ذلك وفق الطريقة التي ينص عليها المرجع الذي يقلده المغسل”.

ويتابع: “وتختلف طريقة التغسيل أيضًا من بلد إلى آخر، فالبعض يفضل أن يغسل لوحده وأن يوضع له صخرة ليسند الجثة، أما عن البلد فنحن نفضل وجود أكثر من مغسل، فشخص يسند وآخر يجلب الماء ويخلله بين أطراف الجسم”، ويضيف: “وحفر القبور غير تغسيل الأموات، فكل شخص له أحكام شرعية وطرق عميلة يجب أن يلم بها، فإذا كان مطلعًا على الأمرين فلا بأس بأن يمارسهما معًا، فسابقًا كنت أشارك في حفر القبور ومطلعًا على ذلك نظريًا، ولكن عمليًا أصحاب الخبرة أكثر إلمامًا بذلك”.

رسالة إلى المجتمع
ويوجه رسالة يقول فيها: “لدى رسالة إلى المجتمع وبالتحديد إلى الشباب، لا تتشاءموا من العمل الصالح، فاقتدوا به لتقتدي به الأجيال القادمة، ولو بقي مجال التغسيل والحفر مقتصرًا على عدد من الأشخاص لاندثر، لذا يجب التشجيع على ذلك، وإن أرادوا سنقيم لهم دورات تدريبية وتعليمية عن التغسيل والأمور الشرعية، فنحن بحاجة إلى تعويض من أجل المستقبل، وهذا لا يقتصر على الشباب بل أدعو حتى النساء للتطوع في ذلك”.

ويضيف: “مع العلم أن هناك شرطين أساسين للانضمام وهما؛ عدم الجزع، وأن يكون المغسل أصمًا وأعمى وأبكمًا حين يغسل الأموات، فإذا أصبحت الجنازة أمام يده يجب أن لا يتكلم مع أحد ويصف حالة الميت الجسمانية، لا إلى بقية المغسلين، ولا حتى إلى عائلته، فهذه أمانة كبيرة يجب الحفاظ عليها، ولو أفشى أي مغسل أو مشارك معنا هذا الأمر وسمعنا منه كلمة، مثل هذه الجثة قصيرة أو طويلة أو ما يعيبها، فبشكلٍ مباشر سنطلب منه عدم الإكمال معنا والانسحاب من هذا المجال”.

وختامًا قال: “أوجه شكري إلى «القطيف اليوم» على هذا اللقاء، كما لا أنسي جمعية العوامية الخيرية وجميع المغسلين والحفارين من الشكر والتقدير على جهودهم المقدرة لهم”.

٩٩


error: المحتوي محمي