طبق السلطة له أكثر من فائدة وفائدة

أرأيت لو سألت أي أخصائي تغذية عن الطبق المميز المتوازن، فما عساه أن يقول؟ إن الإجابة يقيناً بأن هذا الطبق هو “الطبق الصحي” الذي يمد الجسم بالعناصر الغذائية الضرورية للقيام بوظائفه الحيوية.

الطبق الصحي هو من ابتكارات جامعة هارفرد الأمريكية حيث تم طرحه بديلاً للهرم الغذائي عام 2011 م، نموذجاً علمياً للغذاء الصحي، وقد حاز هذا الطبق خلال السنوات الماضية على قبول واسع لدى الأوساط العلمية ليس في أمريكا فقط؛ وإنما في جميع بقاع العالم، وذلك لسبب يسير هو العمق العلمي والبحثي الذي استند إليه.

بمتابعة نموذج الطبق الصحي يمكن أن نلاحظ أنه يقسم الأطعمة إلى أربعة أقسام، ويلاحظ مساحة كل قسم مقارنة بالقسم الآخر، وهذا يعني أن على الفرد أن يأكل خلال اليوم من كل مجموعة حسب ما يمثل من مساحة حتى يحصل على الغذاء الصحي والمتوازن، والأقسام هي: نصفها خضار وفواكه، والنصف الآخر عبارة عن حبوب كاملة كالشوفان والقمح، وبروتين صحي مثل اللحوم الحمراء والدجاج والسمك والفول والعدس، والمشروب المرفق مع هذا الطبق هو الماء، أفضل مشروب صحي على الإطلاق.

الطبق الصحي يميل في اتجاه ما يسميه البعض الغذاء النباتي بما فيه من خضراوات وفواكه وحبوب كالقمح والأرز والمعكرونة والمخبوزات، وبقوليات كالفول والعدس والحمص، وتمثل أكثر من 60 في المئة من مساحة الطبق الصحي.

يعطي هذا النموذج أفضل النصائح والتوجيهات في مجال التغذية ويساعد المستهلك على فهم أفضل الأغذية التي يحتاج إليها كما يساعد على تحديد الكمية التي يحتاج إليها من كل نوع.

إذن، فالطبق الصحي يعني الغذاء المتكامل الذي يوفر كل ما يحتاج إليه الجسم من عناصر غذائية ومواد تساعد على بعث الحيوية والنشاط والصحة إضافة إلى كونه خالياً من كل ما يمكن أن يكون ضرر للجسم سواء على المدى القريب أو البعيد.

الجسم بحاجة إلى غذاء سهل الهضم ومنشط للجسم، يقوي مناعته، ويحميه من الأمراض.

والخضار والفواكه الطازجة مليئة بالعصارات الحية، فهي تحتوي الماء الذي يسهّل توازن الجسم، والألياف السيللوزية تحرّض الأمعاء على الإفراغ، وتزود الجسم بالفيتامينات المضادة للأكسدة والمفيدة للصحة.

إننا نجد الطبق الصحي في الخضراوات والفواكه الطازجة وأنواع اللحوم وخاصة لحوم الأسماك، والحبوب الكاملة والبقوليات، وإن كانت الأمور لا تتضح إلا بالأمثلة، لذا فقد اخترنا نصف الطبق الصحي الذي حظي بكثير من الاهتمام والأولوية، وأخذ الجميع يتكلم عن ذلك الطبق المصنوع من الخضار أو الفواكه، مجموعتان أساسيتان في الطبق الصحي لا يمكن إهمالهما أبداً، الفاكهة بعد تقشيرها ونزع نواها تقسم على هيئة أنصاف أو شرائح أو مكعبات حسب الرغبة، بينما الخضار تقطع وتخلط لتكون ما يعرف بـ “طبق السلطة” الطريقة الفضلى للحصول على التنوع بطريقة أكثر فائدة.

طبق السلطة المكون من الخضار أو الفواكه مصدر أساسي للفيتامينات والمعادن، ومجموعة من المواد الكيميائية الأخرى التي تحمي خلايا الجسم من المواد السامة والمحفزة للأمراض، وتزوده بالطاقة والنشاط، وحماية الأنسجة من التلف والأكسدة، وفوق هذا فهو مصدر أساسي للألياف الغذائية، وما أدراك ما الألياف الغذائية! إنها بلسم مجهول الفوائد عندنا، وإلا فما السبب في إهمالنا لوضع هذه الكنوز من الصحة في غذائنا.

من هذا يتضح مدى أهمية طبق السلطة، وأنه من الضروري تواجده ضمن الوجبة الغذائية اليومية، وقد لاقى الطبق اهتماماً كبيراً من قبل الأطباء وعلماء التغذية وكثير من الناس لوجود علاقة صحية بين معدل استهلاكه والمرض.

إن الكثير من الناس استوعبوا فائدة تناول سلطات الخضراوات والفواكه لدرجة أنهم أصبحوا من الدعاة إلى تناولها يومياً؛ ولكي نعطي الجسم العناصر المفيدة من فيتامينات معادن وأليافاً وصحة، يكون باللجوء لمصادرها الطبيعية، أن أفضل مصدر يوفر لنا تلك العناصر هو طبق السلطة المتنوع سواء أكان خضاراً أم ثماراً، فتناول هذا الطبق المتنوع يومياً؛ لهي عادة حسنة ومؤشر طيب على ارتفاع الوعي الصحي لديهم، وإننا في أمس الحاجة إلى مثل هذه الأطباق المليئة بالعناصر المغذية.

تجدر الإشارة إلى أن تناول سلطة الخضراوات أو الفواكه بصورة منتظمة هي أفضل ما يحتاجه الجسم لتحفيز ما لديه من مقاومة وتوفير الطاقة ومساعدة البكتيريا المفيدة على التكاثر والعودة إلى توازنها الطبيعي، بجانب محتواها من الفيتامينات والمعادن والألياف الغذائية.

ولكن الذي هو أهم من أكل أو تناول السلطة هو نظافتها؛ قد أغفله البعض منهم! فنجد بعض الناس لا يهتم بالمصدر الذي أتت منه السلطة مهما كانت نظافته متواضعة أو بغسل سطحي للطماطم والخس ونحوهما من مكونات السلطة، أو أن ربة البيت توكل إعداد السلطة لخادمة المنزل، وهنا قد يسأل سائل: لماذا السلطة بالذات دوناً عن أي نوع آخر من الطعام يجب الاحتياط والتأكد من نظافة مصدرها ومن طريقة إعدادها إعداداً نظيفاً قبل أكلها؟ فأقول: إن إعداد وتجهيز السلطة للأكل يختلف عن إعداد الرز مثلاً، فالسلطة أو معظم مكوناتها لا تتعرض للنار التي بمقدورها القضاء على البكتيريا وتفتيت حويصلاتها.

ولمن لا يقوم بغسل مكونات السلطة جيداً ويكتفي بالغسل السطحي للطماطم والخس ونحوهما دون أن يَدَعْ تياراً قوياً وكافياً من الماء يمر عليها ويتخللها ليزيل أي عوالق تكون قد التصقت بالطماطم أو الخس أو غيرها.

عند شراء الخضراوات الورقية يجب شراؤها وقت الحاجة إليها فقط، وتختار طازجة ولونها أخضر، تفوح منها روائح زكية مميزة، ولا يوجد بها ذبول أو تعفن، أما الخضراوات الصفراء مثل الجزر فيختار نظيفًا ومستقيمًا وخاليًا من البقع والخدوش.

إن عملية غسل الخضار والفواكه جيداً بالماء الجاري قبل الاستعمال أمر هام لإزالة الكثير من الملوثات؛ حتى لو كنت ستقشرها، وتفرك المنتجات الصلبة بفرشاة نظيفة لضمان إزالة العوالق التي على سطحها، ويفضل استخدام بعض المطهرات إن أمكن كأقراص الكلورين أو حمض البيروكسي اسيتيك أو الخل، ويفضل عدم إطالة نقع الخضروات حتى لا تفقد لونها الزاهي، وقوامها المتماسك، والكثير من الفيتامينات فيها، وتترك الخضروات بعد غسلها في مصفاة لتجفيفها من الماء الزائد، إلا أن عملية الغسيل هذه قد لا تؤدي إلى إزالة متبقيات المبيدات والملوثات تماماً، لكنها العامل الرئيس لمنع نمو وتكاثر البكتيريا الضارة.

تُعد السلطات الجاهزة المحضرة خارج المنزل من الأسباب الرئيسة لكثير من حالات التسمم الغذائي الميكروبي، نتيجة عدم العناية بتنظيف الخضراوات والفواكه بالشكل المطلوب إضافة إلى انخفاض مستوى نظافة العاملين ومكان العمل، وتكثر حالات التسمم الغذائي خلال فصل الصيف.

نجد أن هناك مطاعم عديدة تقدم السلطات بشتى أنواعها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تلتزم المطاعم والمنشآت الغذائية بالضوابط الصحية وتحري النظافة الكاملة للأشخاص الذين يقومون بإعداد السلطات وضمان سلامتها؟ هل تهتم تلك المطاعم بنظافة مكونات السلطة؟ كونها أغذية عرضة لنمو الأحياء الدقيقة وخصوصاً في فصل الصيف – مثل هذه الأيام – حيث ترتفع درجة الحرارة تزداد حالات التسمم الغذائي ويرجع سببها إلى العاملين في المنشآت الغذائية، فلا نضمن تقيدهم للاشتراطات الصحية، من المهم أن نتجنب تناول السلطات خارج المنزل، كما أن الأجهزة الرقابية الصحية تولي الاهتمام بسلامة الوجبات المقدمة في المطاعم والمنشآت الغذائية كعمل وقائي لمنع حالات التسمم الغذائي، ومن ضمن الإجراءات الوقائية منع تحضير السلطات بشتى أنواعها بالمحل خلال موسم الصيف لأنها قد تكون مصدراً للتسممات الجرثومية التي تسبب الكثير من الأمراض والوفيات.

إن الخضراوات والفواكه تعتبر أغذية وقائية، فهي غنية بالفيتامينات والمعادن والألياف الغذائية ومضادات الأكسدة التي تعمل على تكوين مناعة للحفاظ على قوة الجسم، وتحميه من الأكل كثيراً، وتقدم كثيراً من الأحماض للمعدة، وتمنع السمنة، ومن المهم جداً أن نتناول منها ما نستطيع، وأن نبدأ الطعام بطبق السلطة، لعل من المفيد أن نتعلم كيف نحافظ على جمال منظر الطبق، ولذا يجب أن يكون الطبق مشهياً وزاهياً بقدر الإمكان لأن الناس “يأكلون بعيونهم”.

نحن بحاجة هذه الأيام إلى هذا الطبق المتزن لتقوية المناعة من أجل مواجهة الأخطار المحدقة التي تهدد الجنس البشرى من أوبئة فتاكة وأمراض مستعصية.

موائدنا تفتقر إلى الخضار والفواكه وتكاد لا تجد فيها طبقاً للسلطة، فعلينا فعلاً مراجعة محتوى موائدنا بصورة جادة، وأن لا تخلو موائدنا منه، بل قد لا نقيم وزناً لوجبة غذاء بلا طبق سلطة، وعلينا متابعة فلذات أكبادنا الذين يحتلون أكثر من نصف مجتمعنا عدداً، ونشجعهم على تناول الأطعمة الطيبة.

اجعل أبناءك يقلدونكَ في سلوككَ الغذائي السليم، أتيح لهم الفرصة أن يشاهدوكَ وأنت تتناول الفاكهة والخضراوات الطازجة أمامهم بكثرة، وتظهر استمتاعكَ بها وتحرص على إعداد وتناول طبق السلطة مع كل وجبة، إن حالة الاستمتاع التي تُظهرها أثناء ذلك تجذبهم بشدة وتجعلهم يقلدونكَ في تناول الفاكهة والسلطة والاستمتاع بها أيضاً.

السلطة خضار مشكلة جاهزة طازجة، أو ليس هذا ما يوصي به بأن تكون الخضار طازجة؟

إذاً، هل يمكنكِ – عزيزتنا ربة المنزل – اختيار تشكيلة يومية من أجمل الخضار المتيسرة من خيار وطماطم وكرنب وزهرة وخس وجزر وجرجير وغيرها وغيرها، وغسلها جيداً وتقطيعها بالطريقة التي تحبين، ليأكل كل فرد من أفراد الأسرة طبقاً منها وتعويد أطفالكِ تناولها، إنها هدية منكِ غالية لأفراد أسرتكِ إنها هدية من الصحة، عجباً وهل تهدى الصحة؟!

إن كان ذلك فما أغلاها وأعظمها من هدية! ولكن، الشطارة في المواظبة على هذا السلوك الغذائي الرائع، ثم المتابعة والتأكد بأن كل فرد أكل حصته من السلطة!

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات


error: المحتوي محمي