
الواقع العملي لا يعترف إلا بتفوق المبدعين في المجتمع، فالكل بالإجماع يسعى نحو الطبيب الأمهر، والمهندس المبدع، الْمُخْلِص والحكيم.
لذلك كان التفوق مطلب أصحاب الهمم العالية الذين يبحثون عن مكان راقٍ في الحياة، يحدوهم الإصرار على التَّمَيُّز وعدم الاسترسال مع مطبات وعقبات الطريق التي تصادفهم أثناء مسيرتهم الدراسية، خاصة وأن نصف درجة ممكن أن يغير مسار حياتهم ويهبط بهم في كلية أو تخصص قد لا يرغبون فيه، وعلى أعتابها تتحطم آمالهم وطموحاتهم.
إن التفوق الدراسي بات عملية ممنهجة ومنظمة، تتبع العديد من البرامج والتوجيهات ولا تعتمد فقط على عامل الذكاء وحده، بل هو منظومة متناسقة من ترتيب الأولويات وَاسْتِغِلاَل للقدرات الذاتية والبيئة من أجل الوصول إلى القمة والطموح، وما أجملها من قمة وما أعظمها من رحلة تشوبها الصعوبات لكن ثمرتها وعبقها يفوح وشذاها يدوم عندما يتحقق النجاح والتفوق.
ويعتبر التفوق الدراسي ظاهرة تربوية واجتماعية أفرزها النظام التعليمي في إطار تفاعل طبيعي مع النظم الاجتماعية المختلفة التي يفرزها النظام الاجتماعية هي فئة الطلبة المتفوقين، ومن خلال الدراسات الاجتماعية والتربوية نجد أن هناك جملة من العوامل التي تتضافر فيما بينها لكي تحقق ظاهرة التفوق الدراسي، منها العوامل الداخلية ومتمثلة في العناصر التالية (الذكاء، والموروث العلمي، والبيئة الثقافية).
وهناك عوامل خارجية متمثلة في (الأسرة، والمدرسة والوسط الاجتماعي)، هذه العوامل حينما تتوفر للطالب الذي يمتلك الذكاء والمهارة المتمرسة فإنها ترشحه لأن يكون من فئة الطلبة المتفوقين.
ويشكل الطلبة المتفوقون عنصر الأمان في نجاح أي بلد وتقدمها، وثقافة المجتمع هي من تصنع قوة التعليم لدى شبابه، وهما عنصران مهمان جدًا في تكوين مجتمع متعلم قادر على أن يفرخ المبدعين والمثقفين، ولا تقوم أمة إلا من خلال مثقفيها وتمتع شبابها بقدر من التعليم يمكنه من التفاعل والتواصل مع مكونات المجتمع للنهوض والتقدم وتحقيق الرخاء المجتمعي وتسهيل التفاعل بين أفراده والحفاظ على هوية البلد وثقافاته.
وعندما يكون المجتمع مثقفاً يستطيع أن يحل مشاكله، فالعلم هو الطريق لتحقيق السيطرة في جميع المجالات الموجودة في الحياة مثل الاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة وغيرها من مجالات تعد هي أساس القوة لأي مجتمع، من ذلك يزيد ثقافة أفراده في الموروث العلمي والتاريخي والثقافي.
ولقد جذب الأنظار في منصات التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع النجاح المتكرر الذي حققه طلاب مدارس القطيف والذين تفوقوا بالمراكز الأولى، وعددهم 6 مدارس من ضمن عشر مدارس على مستوى المملكة فبادروا إلى إطلاق تغريداتهم وإعجابهم بالتفوق الذي حظي به طلاب مدراس القطيف.
وتتجلى أهم نقاط القوة التي تميز أبناء القطيف وتفوقهم في مراكز القياس (القدرات والتحصيلي) هو حرصهم الشديد على التفوق والطموح ووجود بيئة ومورث علمي ثقافي واجتماعي، بمساعدة ومتابعة الأسر التي تشجع أبناءها، وكذلك دور المدارس وقوة قاعدتها التعليمية متمثلة في النخبة التعليمية من إدارة ومعلمين، والتي تتابع طلابها والاعتماد على أنفسهم في التفكير والمذاكرة وعمل الأبحاث، وتركز بوجه عام على دعم الطلاب وإرشادهم على المستوى الفرديّ وبمتابعة حثيثة من الأسر.
وهذا ساهم في التفوق المستمر لمدارسها ممثلة بأبنائها الطلبة، ونحن كمجتمع واحد علينا تحفيز المتفوقين على بذل المزيد من العطاء، ونبرزهم للمجتمع كقدوة حسنة وتشجع الكثيرين غيرهم على اتباع نفس الطريق.
فالشخص إن لم يشعر بأن المجتمع لا يقدر ما يبذله من جهود لدفعه للأمام يصيبه الإحباط والملل وربما يتوقف عن ذلك لتأكده بأنه لا يشكل أي فرق، لذا علينا كمجتمع أن يحرص على تكريم أبنائه المتفوقين والمتميزين في جميع المجالات إن أرادت لعجلة التنمية أن تستمر وإن أرادت تنشئة أجيال جديدة مليئة بالنماذج الناجحة والمتفوقة.
نقدم التهنئة للقطيف، ونقول للجميع يجب أن نحافظ على أبنائنا الطلاب، فهم أمل المستقبل ويجب ان نكون إلى جانبهم وأن نقدم لهم أفضل ما يمكن من أجل أن يكونوا دوماً ناجحين ومتفوقين لأن نجاحهم وتفوقهم إنما هو مصدر خير لهذه المنطقة ولهذا الوطن.
وأقل ما يمكننا أن نقدمه لكم هو أن نعبر من خلال هذا المقال عن مدى فخرنا واعتزازنا بما بذلتموه من جهود لنشجعكم على بذل مزيد من العطاء، ولنشجع غيركم من الطلاب على أن يحذوا حذوكم، فأنتم مستقبل الوطن وأملها في تحقيق ما يجعلها في مقدمة الدول الكبرى في جميع مجالات الحياة.
فشكرًا لكل من كان خلف هذا الإنجاز، وأسأل الله أن يديم عليكم تفوقكم ويرفع من شأنكم، ويجعلكم على الدوام مصدر فخٍر لنا ولذويكم وإلى مجتمعكم.