حقوق الرعية.. حق الكبير..
من يقرأ في مدرسة أهل البيت عليهم السلام يرى أن هناك سننًا إلهية وضوابط وقوانين وأمورًا وضعوها في نصابها لترسيخ القيم الأخلاقية ومِمَّا نجد أنْ رسالتهم الأخلاقية تتضمن برنامجًا ثقافيًّا إسلاميًّا ضخمًا على أساسه يستطيع كل فرد أنْ يعرف مقدار التزامه وطاعته ومقدار عصيانه وتمرده على هذه السنن لأنَّ هناك سننًا ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان بل ثابتة تتحرك الحياة في مجالها.
رسموا لنا في هذه الحياة معالم جمَّة للشخصية الصالحة التي ترشد لها الشريعة الإسلامية فينبغي لكلٍّ منّا رعاية ذلك.
وخير مصداق لهذه السنن والقوانين والضوابط الأخلاقية ما ورد عن سيدنا ومولانا الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين صلوات الله عليهم في رسالته الموسومة برسالة الحقوق فمن هذه السنن هي حقوق الرعية تقدم حق الزوجة والزوج وما يترتب على كل منهما، وفي هذه الخاطرة نتحدث عن مفردة أولت الشريعة الإسلامية – حيث هي شريعة الحق كذلك شريعة الأخلاق – اهتمامًا بالغًا بها وهي حق الكبير حيث أوصتنا وأكدت بل بالغت في ذلك لأهمية هذا الحق فيا ترى ما هو حقه؟!
رسم حقه لنا أهل البيت صلوات الله عليهم فنستنطق ما ذكروه لنا، نلاحظ الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال:
“وأما حق الكبير: فإنَّ حقه توقير سنه وإجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طريق، ولا تؤمه في طريق، ولا تستجهله، وإنْ جهل عليك تحملت، وأكرمته بحق إسلامه مع سنه، فإنما حق السن بقدر الإسلام. ولا قوة الاّ باللّه” (١).
(١) في رواية: توقيره لِسنِّه وإجلاله لتقدمه في الإسلام قبلك.
إشارة مهمة أشار إليها الإمام صلوات الله عليه؛ وهي مسألة التوقير وهي أنَّ الاحترام والعناية الخاصه به ليست فقط مرتبطة بكبر السن مطلقًا تارة لكبر السن وتارة لكبر السن وتقدمه في الإسلام معاً فكلما تقدم إيمانه ورسخ إيمانه ازداد توقيره واحترامه وإجلاله فالضابط في مقدار الاحترام والإجلال هو الإسلام كما لو كان هناك مسلم ومؤمن فيقدم الإجلال والتقدير والاحترام أكثر للمؤمن وقد ورد كذلك في كثير من الروايات الشريفة في تقديره وإجلاله منها.
ورد في خطبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله المشهورة في استقبال شهر رمضان المبارك: “وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقّروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم”.
مفاتيح الجنان ص٣٢٢ خطبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله المشهورة في استقبال شهر رمضان المبارك.
روى في ثواب الأعمال: أُبي، عن سعد، عن سلمة بن الخطاب، عن علي بن حسان، عن محمد بن حماد، عن أبيه، عن محمد بن عبد الله يرفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “من عرف فضل شيخ كبير فوقره لِسنِّه آمنه الله من فزع يوم القيامة”.
من بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج ٧٢ ص ١٣٧. ثواب الأعمال ١٧١.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “من تعظيم الله عز وجل إجلال ذي الشيبة المؤمن”. بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج ٧٢ ص ١٣٧. ثواب الأعمال ١٧١.
الحسن بن محمد الطوسي في (المجالس) عن أبيه، عن محمد بن علي بن خنيس، عن عبد الرحمن بن محمد، عن عبدالله بن محمد وعن حجر بن محمد عن الليث بن سعد، عن الزهري، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “بجلوا المشايخ فإن من إجلال الله تبجيل المشايخ”. أمالي الطوسي ١: ٣١٨.
4 – جامع الأخبار: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “ما أكرم شاب شيخاً إلا قضى الله له عند سنه من يكرمه”. جامع الأخبار ص ١٠٧. بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج ٧٢ ص ١٣٧
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “من إكرام جلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم”. جامع الأخبار ص ١٠٧.
بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج ٧٢ ص ١٣٧
وقال صلى الله عليه وآله: “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا”.
جامع الأخبار ص ١٠٧. بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج ٧٢ ص ١٣٧
نوادر الراوندي: بإسناده، عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “إنَّ الله تعالى جواد يحب الجواد ومعالي الأمور ويكره سفسافها” (١) وإن من عظم جلال الله إكرام ثلاثة: في الشيبة في الاسلام، والإمام العادل، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه”.
(١) السفساف: الرديء من كل شيء والنخالة من الدقيق ونحوه.
بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج ٧٢ ص ١٣٧ نوادر الراوندي ص ٧
وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “من وقر ذا شيبة لشيبته آمنه الله تعالى من فزع يوم القيامة”. بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج ٧٢ ص ١٣٧.
نوادر الراوندي ص ٧.
وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام ثم أعذبهما”.
نوادر الراوندي ص ٧ بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج ٧٢ ص ١٣٧
وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “مَنْ عرف فضل كبير لِسنِّه فوقره آمنه الله تعالى من فزع يوم القيامة”.
نوادر الراوندي ص ٧ . بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج ٧٢ ص ١٣٧
وهنا إشارة جلية أيضاً فيما ورد عنه صلوات الله وهو عند المخاصمة ماذا ينبغي للصغير فعله؟!
أنْ يتجنب الخصام معه وهي إشارة إلى ترك حتى الجدال معه وعدم الوقوف معه وجهاً لوجه وإن كان لابد فلا يرفع عليه صوته أثناء المخاطبة أو المجادلة وترك الإشارة إليه باليد حين التحدث معه أيضاً.
هذا لكونه أكبر سنّاً تارة وأخرى لتقدمه في الإيمان ومما ينبغي النظر إليه أنَّه يقلُّ مزاجه فهذا مما يثير غضبه عادة فيكون ذلك خلاف الإجلال والاحترام له.
وعدم سبقه في الطريق يعني ذلك ألا تتقدم عليه ولا تكن مقارنًا له بل ينبغي المشي خلفه – نعم ورد في بعض الآداب المختصة بالمتعلم مع شيخه كما ورد في منية المريد للشهيد الثاني “عليه الرحمة” إذا مشى مع شيخه ليلًا فليكن أمامه ونهاراً خلفه – أما ليلاً فهو في ظلام الليل حتى تحفظ له سلامة الطريق فالملاك واحد من جهة التقدير والإجلال يكون للكبير كذلك.
وأشار الإمام زين العابدين صلوات الله عليه بعدم استجهال الكبير بقوله “ولا تستجهله” فينبغي ألا يستخف به والاستجهال من موارده الاستخفاف والتعامل بالحمق فمن يتعامل بذلك مع الكبير فعاقبته أنْ يرسل الله إليه من يستخف به قبل موته وذلك كرامة من الله لإيمانه وشيبته حتى وإن استخف بك واستجهلك فينبغي أنْ تتحمل ذلك كرامة لكبره وإيمانه بما كرّمه الله به.
عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي نهشل، عن عبدالله بن سنان، قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: “من إجلال الله عزّ وجّل إجلال المؤمن ذي الشيبة، ومن أكرم مؤمنًا فبكرامة الله بدأ ومن استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه مَن يستخف به قبل موته”.
الكافي ٢ : ٤٨٢ / ٥.
الآثار المترتبة لتوقير الكبير:
نكتفي بأثر واحد وهو عظيم يتمناه كل إنسان فنلاحظ أن المؤمن بالله سبحانه وتعالى يتخوف من سوء الحساب يوم القيامة فالكل يرجوا رحمته وهو أرحم الراحمين وترى المؤمن يتضرع إلى الله ويتوسل بمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين لكي يخفف عنه حسابه يوم لا ينفع مال ولا بنون فهناك ورد عن أهل البيت عليهم السلام أن هناك ما يخفف عنه بل ما يجعل الإنسان في مأمن من الفزع يوم القيامة منها:
برّ الوالدين وصلة الرحم:
رويَ عن النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله أنهُ قال: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَيُبْسَطَ فِي رِزْقِهِ فَلْيَصِلْ أَبَوَيْهِ فَإِنَّ صِلَتَهُمَا طَاعَةُ اللَّهِ وَلْيَصِلْ ذَا رَحِمِهِ”.
بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٧١ ص ٨٥.
رويَ عن النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله أنهُ قال: “بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ يُهَوِّنَانِ الْحِسَابَ” – ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ـ
– ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾.
بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٧١ ص ٨٥.
توقير وإجلال الكبير:
عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “مَن عرف فضل كبير لِسنِّه فوقره آمنه الله من فزع يوم القيامة”. الكافي ٢ : ٤٨١ /٢.
وبهذا الإسناد قال: “ومَن وقر ذا شيبة في الإسلام آمنه الله من فزع يوم القيامة”. الكافي ٢ : ٤٨١ / ٣.
محمد بن علي بن الحسين في (ثواب الأعمال) عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن سلمة بن الخطاب، عن علي بن حسان، عن محمد بن حماد، عن أبيه، عن محمد بن عبدالله رفعه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “مَن عرف فضل شيخ كبير فوقره لِسنِّه آمنه الله من فزع يوم القيامة”.
ثواب الأعمال: ٢٢٤ / ١.
نستخلص من هذا الاختصار في هذه الخاطرة ماذا ينبغي منّا تجاه الكبير؟!
ما يحتاجه بكلمة مختصرة وهي الرعاية والاهتمام في شتى أموره وهذا الاهتمام هو ديني إنساني أخلاقي لكبره وقدمه في الإيمان أما لقدمه فقد مرّ علينا مما تقدم وأما لكبره فقد هرم فيحتاج إلى الرعاية الخاصة حيث وصل به الحال إلى الضعف وهو الهرم وكذلك شيبه وهو إشارة إلى أنَّ ضعف الشيخوخة والشيب أشدّ وجعاً وألماً إذ يتجه الإنسان في هذه المرحلة نحو الفناء والموت يعني لا حول ولا قوة له.
قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}.
وأنت في رحاب الإمام الحسين عليه السلام لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق متبعاً لنصائح الجهات المسؤولة.