التواصل الحديث يكرم الأستاذ

أثار عاطفتي اليوم خبر وفاة أحد المعلمين، الأستاذ فريح رشيد الشرطان، في مسقط رأسه بلدة النيصية بمنطقة حائل شمال المملكة العربية السعودية، والذي عمل مدرسًا في مدينة صفوى قرابة الخمسة وأربعين سنة وعززها حديثًا بمقطع مصور يذكر أهل صفوى ويثني عليهم ويدعو لهم، وها هم اليوم يبادلونه بالحب الوفاء فيترحمون عليه ويقيمون على روحه المآتم.

بعد عشرات السنين من التوقف عن الدراسة الرسمية كثيرًا ما يخطر في بالي وفي خيالي صور الكثير من الأساتذة الذين تشرفت بحضور حصصهم والجلوس في مقاعد دروسهم. وعلى الدوام أسأل نفسي كيف أصبحت اشكالهم وهل هم أصحاء ومن منهم انتقل إلى خالقه؟

الكثير منهم بل أغلبهم كان شابًا قبل عشرات السنين فإن بقي منهم أحد فلابد أن يكون الآن في الثمانينات، ومع كل هذا الحنين، فقط لأنهم ولأنني من الجيل الذي لم يحظ بوفرة تقنيات الاتصال العالمية لا أظن أنني سوف أجد أحدًا منهم.

لكن جيل طلاب اليوم ومدرسيهم هم محظيون بوجود وسائط الاتصال والتلاقي، وفعلًا الكثير من الأساتذة والمدرسين يشغلهم الشغف القديم بنجاح طلابهم وتتبع أخبارهم وما آلت إليه أمورهم، وكذلك الطلاب أينما كانوا يستطيعون الاتصال بمعلميهم.

وها هي الاتصالات الحديثة والرخيصة وكأنها هبة من السماء لا تكلف قرشًا فلعلها تعيد للأستاذ ما لم يحظ به من تقدير من جيلنا الذي أحبهم فقط في الذاكرة ومجالس الأنس. وكم يلامس شغاف قلبي كل خبر مكتوب، أو صورة لأستاذ مر في منطقتنا أو درس بعضنا، إذ في تذكرهم نحن نذكر أحلى وأجمل أيام أعمارنا.

جيل اليوم يدرسه نساء ورجال من أبناء منطقته أو من منطقة ليست بعيدة، أما الأجيال السابقة فمعظم من علموهم ودرسوهم كانوا من دول أخرى، عربية وغير عربية، حيث شحت أخبارهم وعز الوصول إليهم.

إن لم تجمعنا الأيام بهم فلمن مات منهم الرحمة والغفران، ولمن بقي دوام الصحة والعافية والهناء.


error: المحتوي محمي