مقالة الأسبوع المنصرم تطرقت لضرورة “تحديث أنظمة التعليم الجامعي”، وأهمية أن تواكب هذه الأنظمة عملية الإصلاح والتغيير الإداري والمجتمعي في السعودية، لكي تكون مخرجات التعليم ملبية لرغبات وطموح الأجيال الجديدة من الفتيات والشبان أولاً، ولكي تعزز سوق العمل والمراكز البحثية بكفاءات مهنية ثانياً، ولكي تكون الجامعات بمثابة ورش عمل فعلية، رؤيوية، وليست مجرد حواضن للتلقين أو إعادة إنتاج المعارف القديمة بآليات حديثة، وبالتالي، العودة إلى مربع المشكلات القائمة، دون القدرة على تجاوزها أو علاجها.
من الأنظمة التي يجب أن تكون محدثة، تلك المتعلقة بـ”التسجيل والقبول”، خصوصاً أن هنالك خللٌ ولغطٌ حول عدد منها.
سأضرب مثالاً بموضوع أشرتُ له في المقال السابق، وهو اشتراط إحضار ما يثبت السكن. وهو الشرط الغريب الذي ليس له مبرر منطقي. فالسعوديون سواسية، من حق أي شخص منهم أن يدرس في أي جامعة يشاء، دون أن يكون هنالك من شرط ذو طبيعية “مناطقية”. فالتقسيم المناطقي يتنافى كلياً ومفهوم “المواطنة”، ويجعل الناس تعيش في حيزٍ جغرافي وثقافي واجتماعي محدود.
هنالك ثقافات متعددة في المملكة، متجاورة، وهذا التنوع مصدر ثراء وقوة؛ إنما من الواجب ألا نضع حدوداً فاصلة بينها، ولذا، من الأهمية أن تتعرف الأجيال الجديدة على بعضها البعض، وتزول منها رهبة الآخر، الشريك في الوطن، والمتماثل في الانتماء لكيان الدولة الواحدة.
عند بحثي في الحساب الخاص بـ”جامعة الطائف” على منصة “تويتر”، وجدت التغريدة التالية، منشورة في 18 يوليو الماضي “الطلبة الذين تقدموا بطلب قبول وشهادات الثانوية العامة من خارج الطائف يجب تقديم ما يثبت انتقال مقر عمل ولي الأمر إلى الطائف أو إثبات انتقال مقر السكن وذلك عبر أيقونة (إثبات السكن) الموجودة على بوابة القبول. وذلك قبل انتهاء فترة تقديم الطلبات”.
هذا الشرطُ يُحول جامعة من كونها صرحاً علمياً وطنياً، إلى حيزٍ أقلويٍ مغلق على من لا ينتمي لذات الفضاء الجغرافي، ويحرمُ مواطنين من فرصة الحصول على مقعد دراسي، بسبب عدم كونهم من سكان الطائف!
عدد من القراء الذين تواصلوا معي، يقولون إن هذا الشرط لا يخصُ جامعة “الطائف” وحدها، بل مُتطلبٌ من جامعات محلية أخرى أيضاً، وهو الأمر الذي لم أتمكن من التثبت من مدى دقته.
أحد العاملين في “وزارة التعليم”، نفى لي في حديث معه أن تكون الجامعات حكراً على أبناء المناطق التي توجد فيها، مؤكداً أنها مفتوحة أمام جميع السعوديين.
نحن الآن أمام تضاربٍ صريحٍ في المواقف، وهذا يتطلب من وزارة التعليم أن تكون شفافة، واضحة في أنظمتها، وتعلن هل بالفعل “إثبات السكن” شرطٌ للدراسة، أم لا؟ وإذا لم يكن كذلك، يجب أن تمنع أي جامعة من اشتراطه على الطلاب، أما إذا كان أمراً حقيقاً، فتلك مسألة تحتاج لنقاش واسع، لأن الوزارة حينها ستكون تكرس المناطقية من حيث تدري أو لا تدري!
المصدر: صحيفة الرياض