خاطرة 24\1

حقوق الرعية..

حق الزوجة…

في هذه الخاطرة سنتحدث عن حق من حقوق الرعية وهو حق المرأة بما هي امرأة وبما هي زوجة وكيف أعطاها الإسلام هذا الحق وأرجع لها مكانتها بعد أن كانت في الجاهلية تعدّ من العيوب الملقات على عاتق الرجل حتى وصل بهم الحال لأن توأد فهذا هو فكرهم الجاهلي فجاءت الشريعة الغراء فدحضت هذا الفكر الجاهلي، وأرجع المرأة إلى حقها وأقرّ لها طبيعتها التكوينية وأصل خلقتها وقال: “إن أصل الخلقة بين الرجل والمرأة هو واحد وإن الله خلقهما من جوهر واحد مكرّم على بقية خلقه وخلقهما من عنصر واحد وهو التراب ثم بعد ذلك من نطفة ثم علقة ثم من مضغة مخلّقة وغير مخلّقة ولم يقل القرآن إن مراحل خلق أحدهما تخلتف عن تلك المراحل بل المراحل هي واحدة وخلقهما من نفس واحدة وخلق من هذه النفس زوجها وبثّ منهما رجالًا ونساء كثيرين.

قال تعالى: {وَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى}.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء}.

قال تعالى: { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ }.

فبعد أن انتشلها الإسلام من غياهب جبّ أعمال الجاهلية واضطهادهم لهذا المخلوق المكرّم ارتقى بها بعد أن أرجع لها مكانتها من الجهة التكوينية كالرجل تمامًا وفرّ لها حق الكرامة الإنسانية بل جعل مسؤولية العمل على عاتقها كما جعل للرجل تمامًا فلكل منهما مسؤوليتة وإن اختلف بعضها نوعًا ما فهما يشتركان في الجامع المشترك وهو المسؤولية.

قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.

نحن هنا لا نتحدث عن الاختلاف الفطري والطبيعي بين الرجل والمرأة فهذا موجود ومن المسلّمات وإنما الحديث حول التساوي بينهما في أصل الخلقة والكرامة والمسؤولية.

حقوق الزوجة في مدرسة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.

فنأخذ مفردة الحقوق كزوجة من كلام زين العابدين وسيد الساجدين الإمام علي بن الحسين صلوات الله عليهم في رسالته الموسومة برسالة الحقوق قال:

“وَأمَّا حَقّ رَعيَّتك بِملك النِّكاحِ، فأنْ تَعلَمَ أنَّ اللهَ جعلَهَا سَكناً ومُستَراحاً وأُنساً وَوِاقِية، وكذلك كُلّ واحدٍ مِنكُما يَجِبُ أنْ يَحمدَ اللهَ عَلَى صَاحِبِه، ويَعلَمَ أنَّ ذَلِكَ نِعمةً مِنهُ عَلَيه. وَوَجَبَ أن يُحسِنَ صُحبَة نِعمَةِ اللهِ، ويُكرمَهَا، ويرفقَ بِها، وإنْ كانَ حَقُّك عَلَيها أغْلَظَ، وطَاعَتُك بِها ألزَمَ، فِيمَا أحبَبْتَ وكرهْتَ، ما لَم تَكن مَعصِية فإنَّ لَهَا حَقَّ الرَّحمَةِ والمُؤَانَسةِ ولا قُوَّة إلاَّ بالله”.

حيث أشار – بتوجيهه الخطاب –  لنا الإمام صلوات الله عليه إلى عدة مفردات من الحقوق بعد أن بيّن كيف أن الله جعل الزوجة بالنسبة للزوج فإن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأنساً وواقية
فماذا ينبغي على من رزق هذه النعمة من الله جلّ وعلا.

نعمة السكون التي هي قضاء اللذة التي لابد من قضائها بين الزوجين.

صحيح أن الزواج في الشريعة الغراء ليس هو إشباع شهوة الجنس فحسب وإنما هو إشباع وتحصين ووسيلة مهمة للغاية من الزواج ويا ترى ما هي هذه الغاية؟!

الجواب:
هي رفد هذه الحياة بالتناسل لإيجاد جيل يتباهى به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله – فذكرنا أنه إشباع وإحصان كذلك بغض النظر عن الغريزة المودعة في الطرفين فقد أشار الفقهاء إلى عدم جواز هجر الزوجة في المنام الخاص لأكثر من أربعة أشهر – وأشارت بذلك الروايات الشريفة المباركة.

محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعاً عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تزوجوا بكراً ولوداً، ولا تتزوجوا حسناء جميلة عاقراً، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة.
الكافي ٥: ٣٣٣ / ٢.

وعنهم (يعني العدة المتقدمة في الرواية السابقة) عن سهل، عن علي بن سعيد الرقي، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل: تزوجها سوءاء ولوداً، ولا تتزوجها جميلة حسناء عاقراً، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة أما علمت أن الولدان تحت العرش يستغفرون لآبائهم يحضنهم إبراهيم، وتربيهم سارة في جبل من مسك وعنبر وزعفران.
الكافي ٥ : ٣٣٤ / ٤.

وكذلك جعلها مستراحاً للرجل حيث هي محل اطمئنانه وهدوئه وجعلها أنساً له بدلاً من وحدته من حيث الملاطفة ورفع الوحشة عنه وهذا يدل على أنها سكن له وواقية له من ملذات الدنيا الدنية فتكون هي محل حراسته من أهوائها.

صور لنا الإمام صلوات الله عليه أجلى صور صلة النفس بالنفس وصلة السكن والقرار والستر، صلة المودة والرحمة والألفة.

قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

بعد هذه النعمة العظيمة ما ينبغي للرجل من فعل أولاً؟!

أن يحمد الله على هذه النعمة العظيمة ويشكره لأنه بالشكر تدوم النعم ودوام هذه النعمة هو ازدياد الألفة والمحبة والمودة والعطاء.

روى عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام أنه قال: “القوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها”
بحار الأنوار ج٧٥.

الشكر هو تصوّر النعمة وإظهارها.
الشكر ثلاثة ضروب:
١- شكرٌ بالقلب: وهو تصور النعمة.
٢- شكرُ اللسان: وهو الثناء على المُنعِم.
٣- شكرٌ بسائر الجوارح: وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها.
بحار الأنوار ج٦٨ ب ٦١.

الشكرُ بما هو شكر نعمة من الله وكونه كذلك فيستحق الشكر على الشكر.

روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: “قال الله عز وجل لموسى بن عمران عليه السلام: يا موسى، اشكرني حق شكري، قال: يا رب كيف أشكرك حق شكرك والنعمة منك والشكر عليها نعمة منك؟ فقال الله تبارك وتعالى: إذا عرفت أن ذلك مني فقد شكرتني حق شكري”.
مشكاة الأنوار في غرر الأخبار الطبرسي الفصل السادس في الشكر.

وما هو الواجب عليه تجاه هذه المرأة التي هي نعمة من الله عزّ وجلّ؟!

عليه أن يحسن صحبة هذه النعمة بحسن المعاشرة وأن يعي أنها شريكة له في عيشه فبذلك ينبغي ألا يقبّح لها وجهًا فهذا الحق المعنوي مهم جدًا في جانب الحياة الزوجية بل أهم من الحقوق الأخرى المادية الضرورية من طعام ولباس ولذلك نرى أن قضية حقوق المرأة وحقوقها كزوجة نالت اهتمامًا بالغًا لدى الشريعة الغراء ووصاياه في ذلك.

روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أنه قال: “مَا زَالَ جِبرائِيل يُوصِينِي بِالمَرْأةِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّه لا يَنْبَغي طَلاقُهَا إلاَّ مِن فَاحِشَةٍ مُبِينَة”.

ثم جاء بثلاثة حقوق أساسية ومهمة للمرأة على زوجها وهي:

١ – توفير القوت لها.
٢ – توفير اللباس اللائق بها.
٣ – حسن المعاشرة معها.

وفي ذلك جاء الحديث الشريف: “حَقُّ المَرْأةِ عَلَى زَوجِهَا: أنْ يَسدَّ جُوعَهَا، وأنْ يَستُرَ عَورَتَها، وَلا يُقَبِّحُ لَهَا وَجْهاً”.

فبملاحظة الروايات المباركة لم تقتصر على الجانب المادي فقط بل نرى اقتران الجانب المادي بالجانب المعنوي بل هو مكمل للجانب المادي عندما أشارت إلى حسن المعاشرة وهو ألا يقبح لها وجهًا.

بل اهتمت الشريعة الغراء حتى باختيار الكلمات المهذبة العذبة ليكون بينهما الوئام ويعيشان أجواء الأمان والطمأنينة بل جعلها من حقها المعنوي وما ذلك إلا إيقاد لنور شمعة المحبة والألفة والرحمة والمؤانسة بينهما.

روي عن الرسول الأعظم صلَّى الله عليه وآله أنه قال: “قَولُ الرَّجل للمرأة: إنِّي أُحِبُّكِ، لا يَذْهَبُ مِن قَلْبِهَا أبَداً”.

فإذا رجعنا إلى كلمات الإمام زين العابدين صلوات الله عليه وأمعنا النظر يظهر لنا جليًا أن الرابطة الزوجية نعمة عظمى من المولى جلّ وعلا تستحق الشكر اللفظي والعملي من إكرام وإجلال ورفق ولطف ويعاملها بالرحمة وأن يبني بينهما البناء الأسري المتوق للشوق ومن أجل بناء حياة ملؤها الوئام.

الناظر لروايات مدرسة أهل البيت صلوات الله عليهم يجد كيف وضعوا السياسة الكاملة في كيفية استمالة الزوجة إلى الزوج لإن الاستمالة تشكل لنا نقطة مركزية في الحياة المشتركة لكِلا الزوجين وما ذلك إلا لاستدامة حبل المودة بينهما.

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “لا غِنَى للزَّوجِ عَن ثلاثَةِ أشياءٍ فِيمَا بَينَه وبَين زَوجَتِه، وهي: الموافَقَة، ليَجتلِبَ بِها مُوافقَتها ومَحبَّتها وهَواهَا، وحُسن خُلقِه مَعها واسْتِعمَاله استمَالَةَ قَلبِهَا بالهَيئة الحَسَنة في عَينِها، وتوسِعته عَلَيها” البحار: ٧٨ /٢٣٧ /٧٠.

وهناك شواهد كثير تدل على ذلك من فعل أهل البيت صلوات الله عليهم منها:

الحسن بن الجهم قال: “رأيت أبا الحسن (عليه السلام) اختضَب، فقلت: جُعلت فداك اختضَبْتَ؟
فقال (عليه السلام): (نَعَمْ، إنَّ التهيِئَة مِمَّا يُزيدُ في عِفَّة النِّسَاء، ولقَد تَرَك النِّسَاءُ العفَّة بِتَركِ أزواجهنَّ التهيئة، أيَسُرّكَ أن تَراهَا عَلى مَا تَراكَ عَلَيه إذا كُنتَ عَلى غَيرِ تَهْيئة؟”، قلت: “لا”، فقال (عليه السلام): “فَهوَ ذَاكَ”.
الكافي ج ٥ ص ٥٦٧ ح ٥٠ و ص ٥٦٥ ح ٤١، و ص ٣٩٨ ح ١ – الوسائل ج ١٤ ص ١٨٣ ح ١ و ص ١٨٠ ح ٧ و ص ٧٢ ح ١.

فحسن المعاشرة والإكرام والرحمة والعفو هي الضمان والسبيل الوحيد لاستمرار هذه العلاقة.

مَن منّا لا يخطئ مَن منّا لا يزل نحن بشر لا ندّعي العصمة إنما العصمة للأنبياء والرسل والأئمة وهم أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أجمعين.
فلذلك ينبغي لنا أن نجعل العفو أمام أعيننا إن زلّت تجاوز عنها وإن زلّت غفر لها لتستقيم هذه الرابطة التي جعل الله فيها المودة والرحمة.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: “من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه الله تعالى بكل يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب (عليه السلام) على بلائه، وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج ك”. ثواب الأعمال: ٣٣٩ / ١.

في ختام هذه الخاطرة المختصرة نستطيع أن نجعل هناك ضابطة توزن بها شخصية الرجل المؤمن عبر أداء الحقوق.

روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنه قال: “ألا خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي”. وسائل الشيعة ج٧ ص١٢٢.

روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنه قال: “لا يخدم العيال إلا صديق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة”. البحار: ١٠٤ / ١٣٢ / ١.

روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنه قال: “جلوس المرء عند عياله أحب إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا”. تنبيه الخواطر: ٢ / ١٢٢.

وأنت في رحاب الإمام الحسين عليه السلام لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق متبعاً نصائح الجهات المسؤولة.



error: المحتوي محمي