ضج خبر رحيل الحاج المؤمن المنشد والرادود الحسيني والمؤذن صاحب الصوت البلالي الأخ المرحوم عمار عبدالكريم آل قريش الملقب بـ(أبي سراج)، في يوم الأحد المصادف ١٠ محرم، أي عاشوراء أبي الأحرار وسيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام.
صدى هذا الخبر المفجع مثل الصدمة العارمة التي عمت المنطقة بأكملها، حيث بدأت من مسقط رأسه صفوى حتى اكتسحت أجواء القطيف حارة حارة وقرية قرية وبيتاً بيتاً وشارعاً شارعاً، بل الصدمة تجاوزت الحدود القطيفية وأعمق من ذلك، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي.
الراحل عمار آل قريش كان يحمل سراً انفجر عند نبأ رحيله، من هو عمار وما سره وماذا صنع في المجتمع حتى يكتسح خبر رحيله كل المنطقة وخارجها، وأحزن كل فرد من أفراد المجتمع؟ سره كان الإمام الحسين (ع) إن أبا سراج عشق الحسين بكل جوارحه وأحبه الحسين وعشقه، ففجر حزن رحيله في قلب كل مؤمن ومؤمنة، عن أبي عبدالله عليه السلام: من أراد الله به الخير قذف في قلبه حب الحسين وحب زيارته، ومن أراد به السوء قذف في قلبه بغض الحسين وبغض زيارته.
ولأنه من الصادقين في حبه وعشقه للحسين (ع) اختاره الله في يوم الحسين عليه السلام ليكون من أنصاره. أبو سراج أحب الناس والناس أحبوه فأكرموا بعد رحيله بهذا الذكر الطيب وهذا التعاطف منقطع النظير، وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: خير الناس من نفع الناس، وأبو سراج كان يتلذذ في خدمة الناس، فكان من الأخيار ومن خيار الناس، لهذا ألبس الناس حزناً عميقاً في قلوبهم.
المنشد عمار آل قريش وهبه الله صوتاً عذباً شجياً يملأه الإيمان والروحانية، صاحب هذا الصوت الشجي وصاحب هذه الهبة الربانية والحنجرة الذهبية الأسطورية، وفق في توظيفها وتسخيرها في طاعة ربه، وفي خدمة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين، حيث اشتهر وعرف الراحل منذ أكثر من أربعين عاماً بالمنشد والرادود وبالمؤذن الرافع لصوت العدالة والوحدانية الذاكر لله الرب الرحيم الغفور، وكان يتميز أذانه بصوت وبأداء منقطع النظير، حيث يجبر مستمعه على الاستماع والإنصات والإصغاء له، والتمتع بالاستماع لذكر الله سبحانه وتعالى، حيث يقذف في قلب المستمع للوهلة الأولى، الخشوع الكامل والسكينة في قلبه ويتخيله وكأنه لأول مرة يستمع صوت الأذان.
عن النبي الأكرم (ص): إن المؤذنين أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، ولا يعذب في القبر من أذن سبع سنين. هذه منزلة من يرفعون صوت الحق عند خالقهم وراحمهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم، أي أنهم أقرب الناس إلى رحمة الله يوم الدين، وأحب عباد الله إلى الله.
أبو سراج كان واحداً من المؤذنين الذين لا يتركون فريضة واحدة إلا وصوته الشجي يعم كل أرجاء المنطقة بذكر الله، فيؤنس بيوت الله، ويؤنس قلوب المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، حيث صوته الطاهر كان ذا علامة إيمانية فارقة يأسر كل من يسمعه.
أبو سراج -رحمه الله- كان معروفاً ومشهوراً بوسام الولاية العلوية، حيث كان خادماً للإمام الحسين عليه السلام وللعترة الطاهرة (ع)، لم يضع عليه هذه الفرصة الذهبية وهذه الخدمة الحسينية الجليلة من حياته الزكية، فكان صوته صوت الإمام الحسين (ع) وآل البيت (ع)، كان من أروع المنشدين ومن أبرز الرواديد الحسينيين، أبو سراج الذي صدع صوته في كل مسجد وحسينية في المنطقة، بل وترعرع جيل على صوته الطاهرة وأدائه المميز، فتسمع صوته الشجي في كل مناسبة إن كانت أحزاناً أو أفراحاً، وفي كل مناسبة دينية واجتماعية تجده شامخاً وبارزاً فيها، حيث إن المرحوم كان شخصية اجتماعية وإيمانية من الطراز الأول، وذا علاقات اجتماعية واسعة، وذا خصال أخلاقية عالية، حيث يغلب عليه التواضع الشديد، وحبه واحترامه لكل شرائح المجتمع.
عن الإمام الحسين (ع): من كان باذلاً فينا مهجته، وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا.
رحمك الله يا أبا سراج بذلت ما بوسعك في خدمة الإمام الحسين عليه السلام، ثم رحلت جسداً وبقيت روحاً وتركت إرثاً وأثراً طيباً ورائعاً، وسوف يتبع أثرك كل الأشراف والصالحين والمؤمنين والمؤمنات، كنت خادماً للحسين طوال حياتك وسوف يخلدك الحسين بعد رحيلك خلوداً حسينياً أبدياً.
هنيئاً لك هذه الضيافة الحسينية وهذا الخلود الحسيني يا أبا سراج.
رحمك الله برحمته الواسعة وحشرك مع محمد وآله الطيبين الطاهرين والفاتحة المباركة على روحك الطاهرة.