المساواة قيمة غرسها الحسين

لم تكن الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي نفسها بين جميع الأمم والشعوب في تلك الفترة الزمنية، بل اختلفت من منطقة إلى أخرى فامتازت كل منطقة بالعديد من الملامح التي تكون شخصيتها الخاصة، ففي بلاد فارس كانت العبودية تعبر عن أقصى درجات الذل والامتهان في تأليه الحاكم الفارسي والمجتمع مقسم إلى عدة طبقات والشعب الضعيف هو أدنى طبقة ومحروم من جميع حقوقه.

أما في بلاد الروم، فكانت حياتهم على المستوى الاجتماعي في قمة الانحطاط على المستوى الأخلاقي التي زرعها الله في البشر من زواج المحارم إلى إتيان البهائم، وكان الرجل أحياناً يرث ما لدى أبيه من زوجات عند وفاته أم العبيد فلم يكن لديهم أي حقوق.

أما في شبه الجزيرة العربية، فكانت العصبية القبيلة من أبرز مميزاته وكان المجتمع مقسماً إلى طبقات سادة وعامة بقية الناس، وكان السادة يرون لأنفسهم فضلاً على الناس ويتعالون عليهم ويرون بأن الجميع مسخر لخدمتهم.

بالرجوع لتلك الحقبة في الحياة الاجتماعية في العصر الجاهلي، نلاحظ أن الطبقية كانت معشعشة ومتجذرة بين أفرادها، وهي السمة المشتركة بينهم، حتى جاء الإسلام لينهي تلك العصبيات القبلية، حيث شجبها رسول الله محمد عليه أفضل السلام وأزكى التسليم وحث العرب على تركها، حيث قال في أحد أحاديثه “دعوها فإنها منتنة”، في إشارة إلى العصبية القبلية وجاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم “الناس سواسية كأسنان المشط الواحد”.

كما عملت الدولة الإسلامية في عهد نبينا الكريم على مد جسور الحوار البناء والتعايش السلمي بين مواطنيها على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، ووردت الكثير من النصوص الشرعية عند المسلمين ترغب الإنسان بتحرير العبيد بالثواب الجزيل، كما جعل بعض الكفارات عتق رقبة عبد بل الكثير من الكفارات لا تقع إلا بتحرير رقبة لأجل تطويق ظاهرة الرق.

كما حث الإسلام على معاملة العبيد بالرفق والحسنى هذه مبادئ وقيم الإسلام السمح التي أسس لها رسول الله، ومن بعده جاء أمير المؤمنين عليه السلام ومن بعده جاء الإمام الحسن، فالإمام الحسين وبقية الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

# جون بن حوي (العبد الحر):
في صحراء نينوى في ليلة العاشر من المحرم من عام 61 هجرية، حينما أسدل الليل ستاره وقف الإمام الحسين عليه السلام مخاطباً أصحابه قائلاً لهم: “هذا الليل قد غشيكم فتأخذوه جملاً”، فأبوا جميعاً وسجل حينها جون بن حوي الذي كان عبداً مملوكاً اشتراه الإمام علي ثم وهبه إلى أبي ذر الغفاري وحين توفي هذا الصحابي الجليل ذهب إلى كنف الإمام الحسن وبعد وفاة الإمام الحسن كان مع الإمام الحسين.

سجل حينها موقفاً ولائياً في يوم عاشوراء في ليلة العاشر قائلاً: “يا بن بنت رسول الله “أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم، والله إن ريحي لنتن وإن حسبي للئيم ولوني أسود فتتنفس علي بالجنة فتطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي”، وقال كلمته المشهورة يوم العاشر للإمام الحسين “والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم”.

حارب الحسين عليه السلام في يوم العاشر العنصرية بشتى أنواعها وأشكالها، كما حارب القيم المغلوطة عند القوم كحب السلطة وحب الجاه وحب المال والغرور والغطرسة والكبر وغيرها الكثير، أثبت للعالم أجمع أن قيمة الإنسان الحقيقية ليست بلونه وعرقه وماله، وإنما بعمله ومدى ما يقدم من نفع وفائدة للمجتمع البشري (خير الناس أنفعهم للناس).

عندما وضع خده الشريف على خد جون الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة مفارقاً الحياة، قال جون: من مثلي وابن رسول الله واضعاً خده على خدي.

أراد الامام بفعلته هذه إرسال رسالة إلى العالم والتركيز على قيمة اجتماعية حسنة.

اليوم الدول الغربية الرأس مالية التي تتغنى ليل نهار بمصطلحات حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية ليس الأبيض كالأسود في بلدانهم، بما فيها حقوقه وماله وما عليه، ما يحدث اليوم في أمريكا وممارستها للعنصرية المقيتة في قبال السود أصحاب البشرة السمراء من عدم الاحترام لإنسانيتهم وتقييدهم وممارسة الضغط عليهم خير دليل على ذلك.

# نيويورك مدينة بيضاء:
صرح الرئيس الأمريكي بكل وقاحة بأن مدينة نيويورك يجب أن ترجع مدينة بيضاء أي فقط للجنس الأبيض، بينما الإسلام يجعل الجميع سواسية ولا فرق بينهم إلا بالتقوى، وهذا كان متمثلاً في شخصية الإمام الحسين سلام الله عليه في تعامله مع جون يوم العاشر من المحرم، لتبقى قيمة المساواة مع غيرها من القيم راسخة في فكرمن يقرأ تلك الملحمة الحسينية للأجيال القادمة.


error: المحتوي محمي