علي وبنوه – أشكيك يا ماء! 

يضج سؤالٌ في رأسي بين الحينِ والآخر وكم كثيرةٌ هي الأسئلة التي ليس لها جواب: ما هي المشكلة بين علي (ع) وأبنائه والماء؟ هم وآباؤهم وأجدادهم يحفرونَ الآبار ويجدون الماء ويسقون قوافلَ العطاشى ويروون البساتين. ثم هذا الماء لا يعطيهم من سيله قطرات حيث يكونون بين الحياة والموت!

حكاياتٌ وشكايات سبقت جدهم عبد المطلب بكثير، فلقد قام قصي بسقاية الحاج، وطرح الزبيبَ في الماء ليسقيهم الماءَ المُحلّى واللبن. ونقل الماءَ إلى مكة من آبارٍ خارجها، ثُمّ حفر بئراً اسمها (العجول). وجعل هاشم أيام الموسم حياضاً من آدم في موضع زمزم لسقاية الحاج وحمل الماءَ إلى منى لسقايتهم، وحفر بئراً سمّاها (البندر).

ولما انطمرت بئرُ زمزم وولي عبد المطلب كبير قريش سقاية البيت ورفادته، أتاه الأمر بأن يعيد حفرها. فلما حفر وبلغ الطوى (البئر المطوية) طوى إسماعيل وعلم أنه قد وقع على الماء كبَّر وكبَّرت قريش وقالوا: يا أبا الحارث هذه مأثرتنا ولنا فيها نصيب، قال لهم: لم تعيونني على حفرها هي لي ولولدي إلى آخر الأبد، وبهذا عادت بئر زمزم حتى الآن تتفجر بالماء العذب من جديد.

ثم جاء الإمام علي (ع) فكان يحفر الآبار ويشق الأقنية ليزرع البساتين ويحيي المزارع، ويسوّي الحقول، ويتصدّق بها بعد ذلك في سبيل الله. حتى إذا جاءت معركة صفين واستولى خصومه على الماء قالوا: يا أهل الشام هذا أول الظفر، فلما وضع أصحاب علي (ع) سيوفهم على عواتقهم استعادوا الماء وقالوا له: أنمنعهم الماء كما منعوك؟ قال: لا، خلوا بينهم وبينه، لا أفعل ما فعله الجاهلون، واستأذنه خصومه في ورود المشرعةِ فأباح الإمام لهم ذلك.

حلقاتٌ من شكايات الماء تتجدد مطلع كل سنةٍ هجرية وأعظمها سنة ٦١ هجرية، إذ فيها قسا الماء على أبناء علي (ع)، ولم يحصلوا على بعض القرب فلا أكف العباس بن علي (ع)، ولا وجاهة الحسين (ع)، ولا ظمأ الرضَّع استطاعت أن ترويهم، ولا الخصوم رقت قلوبهم لهم. وعلى الأغلب تستمر هذه الشكاوى بين البشر، فهذا يعطي وهذا يمنع، وهذا يصلح وهذا يخرب!

ملكنا فكان العفوُ منا سجيةً
فلما ملكتم سال بالدم أبطحُ
وحللتم قتل الأسارى وطالما
غدونا عن الأسرى نعف ونصفحُ
فحسبكم هذا التفاوتُ بيننا
وكل إناءٍ بالذي فيه ينضحُ

يأتي يومٌ يتصالح فيه ماء نهرِ الكوثر ويصفو خالصًا لعلي وبنيه بدلًا من مياه الدنيا التي ملكوها ولم يذوقوها! حينها لا صحراء يرفع فيها الحسين (ع) طفله يستجدي الماء، والرماة فوق خيول تصطاده. بل روابي خُضر وسواقي ماء ينط فوقها الصغار ويمرح فيها الكبار دون خوفٍ من عطشٍ أو ظمأ {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.


error: المحتوي محمي