لا يمككنا رمي كل هذا الابتعاد عن مشاركة المسلمين لنا في القضية الحسينية على التراكمات التاريخية والشحن الطائفي، كما لا يمكننا أيضًا اتهام الغرب والشرق بأن ثورة الإمام الحسين ع محصورة بالوضع الإسلامي فقط، بينما إنسانيتها وعظمتها تملأ الخافقين حركة وعطفًا.
لذا أجد نفسي وجميع النخب والقوى الشيعية الفكرية والثقافية بالخصوص معنيّن بدراسة كيفية توسيع معاني وقيم وأثر وفلسفة حركة كربلاء لبث مفاهيم النهضة والإصلاح الحسيني وبناء منظومة عاطفية تستوعب هذه الحركة العظيمة.
الخطاب الشيعي مازال موجهًا إلى الذهنية الشيعية ورد الشبهات الدينية والمذهبية لكننا لم نتوسع في منظومة إنسانية عالمية تنشر مفاهيم هذه النهضة وكيفية بناء قواعد ثقافية يمكنها إنشاء تصورات بعيدة ولو على مدى خمسين سنة قادمة لأني أزعم أن هذا هو جزء من التمهيد المهدوي.
وإلا فلا يمكننا بمكان أن نتصور حجم العزاء والحزن والحركة الحسينية في كل أتربة المناطق الشيعية عالميًا والمسيرات التي تلحقها في دول غربية كثيرة ثم لا نجد تعاطفًا واختراقًا للقاموس الفكري والعقلي والعاطفي في الثقافة العالمية بينما يسكن ثوار آخرون على سلم عواطف وألسنة المثقفين الغربيين والعرب والإسلامين وغيرهم.
بعض النقاد يعتبر أن بعض السلوكيات منعت من تعقل المفكرين الغربيين معاني العزاء والحزن وهذا رأي قد يجانب الواقع فإن المفكرين عادة ما يخوضون غمار ما هو غير مألوف ويكنون لهم الاحترام غالبًا، وإلا فما معنى أن يهتم الباحثون الغربيون بدراسة عبادة البقر وبوذا وغيرهم ولا نجد لهم دراسات وتأصيلًا في ذهنية الغربيين لمثل هذا الحدث الحسيني العظيم.
وللأسف حتى ضيوف فضائياتنا غالبًا ما ينتقدون عدم اهتمام القنوات الفضائية الأخرى بما يحدث عند الشيعة ولا نركز على تحليل ودراسة أسباب هذا الجفاء لهذه النهضة وإن تصور بعضهم أن المصلحة الغربية عدم الحديث عن مثل هذه القضايا لأجل ألا يستثيروا بعض المسلمين غير المقتنعين بهذا، وهو تصور لا أجد مجالًا معقولًا لقبوله إذا ما لاحظنا أن قنوات عدة قد لا تكون معنية بالسياسة مطلقًا ومع ذلك لا نجد تغطية ميدانية أو فكرية لما يجري عند الشيعة.
لذا أجد من المناسب اليوم أن نبحث عن سبل تطوير بث روح النهضة الحسينية وتعريف العالم بها بفن الممكن والسبيل النفسي العاطفي دون الاقتراب من الإثارات الحساسة مع إخوتنا المسلمين فنحن دعاة وحدة وانسجام وطني وإسلامي وعالمي إنساني.
السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى الأرواح التي حلت بفناك وأناخت برحلك.