خدمة الإمام الحسين (ع) باب التوفيق وسعة الرزق

من واقع تجربة شخصية نابعة من الاحتكاك بالعديد من الأصدقاء الذين حالفهم الحظ في حياتهم الأسرية والمهنية، وجدت بين فئة منهم قاسمًا مشتركًا، متعلقًا بانخراطهم في الخدمة العامة، وفي خدمة المجالس الحسينية بصورة خاصة. أقول هذا من واقع اقترابي من الكثير ممن وفقوا لخدمة مجالس أهل البيت عليهم السلام بشكل عام. فإلى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه الكلمات المتواضعة لم أسمع ولم أرَ واحدًا منهم لم يحالفه التوفيق في معظم جوانب حياته، سواء ممن تقلدوا وسام الخدمة الحسينية واشتهروا بذلك وسط مجتمعهم، أو ممن لم يعرفهم أحد، إلا وكانوا في صفوف الموفقين والمحظوظين دنيويًا.

قد يختلف معي البعض في هذه النظرة أو هذا التقييم أو الاعتقاد. وأنا أحترم وجهة نظرهم وخاصة مع حاجة ذلك إلى استقصاء ديني وعلمي دقيق يثبت صحة هذه القناعة، وهذا غير متاح في الوقت الحاضر. إلا أنني وجدت روايات دينية كثيرة تقول بذلك وتدعم هذه القناعة، فضلًا عن القصص التي سمعناها أو شاهدناها بأنفسنا وشاهدها وسمعها غيرنا.

من جهة عقدية، أنا واحد من الذين يؤمنون بالكرامات والهبات التي خص بها الله سبحانه وتعالى رسول الله المصطفى وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم في الدنيا. سواء كانوا أحياء على ظهر هذه الأرض أو متوسدين في باطنها، ومن هذا المنطلق العقدي لا ينتابني الاندفاع نحو البحث الاستقصائي العلمي لاكتشاف صحة هذه القناعة من عدمها، ولربما تكفيني الروايات الشريفة وما أثبته العلماء المحققون المختصون في علم الرواية والرواة في هذا المجال. ولربما أدعو من يخالف هذه القناعة العقدية أن يثبت عكسها من خلال ما يراه هو من معايير علمية يعتمد عليها لإثبات صحة هذا المعتقد أو عدمه.

لقد تتبعت شخصيًا الكثير ممن شاهدتهم يمارسون الخدمة الحسينية من صغرهم وخاصة في موسم عاشوراء، الذي يحرصون خلاله على التواجد في الخدمة الحسينية باكرًا، إما في داخل الحسينية أو خارجها أو في مضيفها، فما وجدتهم في أحوالهم الشخصية إلا متفوقين دراسيًا أو وناجحين في أعمالهم أو موفقين جدًا في معظم جوانب حياتهم، أو أن معظم أحلامهم قد تحققت بكل يسر وسهولة ودون أي عراقيل حياتية، إضافة إلى السعة في الرزق والخير الواسع الذي ظهر عليهم من حيث يحتسبون أو لا يحتسبون.

ومن بركات خدمة الإمام الحسين عليه السلام كذلك أنها تزرع بمحبة خدامه في قلوب الآخرين. حتى مع من لم يعرفهم ولم تسبق له معرفة سابقة بهم، والكثيرون يشعرون بهذا تجاه خدام الإمام الحسين إجمالًا، وهذه واحدة من مئات أفضال الإمام الحسين صلوات الله عليه وعلى كل من ناصره ولو بكلمة صادقة تخرج من لسانه.
أروي هنا قصة ليست هي الأولى التي أسمعها من بعض خدام الإمام الحسين عليه السلام ولكن هي واحدة من عشرات القصص الكثيرة التي أعرفها وسمعتها أنا وغيري. وهي متعلقة بأحد الطلبة المبتعثين في الخارج وهو نفسه من روى لي هذه القصة شخصيًا، حيث يذكر أنه منذ صغره كان يحضر برفقة والده إلى مأتم أبي عبدالله الحسين (ع)، وكان أبوه يدفعه ويشجعه بأن يقوم ولو بالشيء البسيط في مجلس الحسين عليه السلام ولو بمقدار توزيع علب الكلينكس بين المستمعين، ويقول إنه شيئًا فشيئًا أخذ يبادر بنفسه للخدمة ويطلب تكليفه بأي عمل، وهو يرى وجه أبيه تعلوه البشاشة والسعادة، ويضيف أنه صار ينتابه شعور غريب بالارتياح الذي رافقه منذ الصغر حتى الكبر.

ويضيف الطالب أنه شهد أعوامًا صادفت أيام الاختبارات الدراسية النهائية فيها ذكرى شهادة أحد الأئمة الأطهار (ع)، لكنه لم يشعر بهاجس الخوف ولو للحظة خشية أن يكون الوقت الذي يمضيه مع أبيه في المأتم الحسيني سبب خسارة، بل كان يشعر أن هذا المكان وهذه الخدمة يمدانه بالعطاء والبركة والسداد الإلهي، وهذا ببركة أبيه عبدالله الحسين عليه السلام. وهنا أترك باقي المساحة لرواية باقي القصة عن لسان الطالب نفسه حيث يقول: أنهيت بحمد الله كل مراحلي الدراسية بتفوق، وبعدها زادني الله توفيقًا عندما أصبحت من الطلاب المبتعثين في الخارج لإكمال دراستي وكان ذلك حلمًا طالما راودني، فرزقني الله به ببركة مولاي الحسين عليه السلام، وهنا عاهدت نفسي ألّا أقطع مجالس الإمام الحسين عليه السلام والخدمة فيها حتى ولو كنت في خارج وطني، وهذا ما حصل بالفعل عندما كنت في الخارج للدراسة أول ما بحثت عنه أين تقام مجالس الإمام الحسين عليه السلام؟ أي في المدينة التي أقطنها.

ويتابع الصديق العزيز القول: بعدها وأنا في الغربة لم أكن أشعر بغربة أو وحشة اجتماعية، وكنت أرى وأشعر أن كل الأمور في متناول يدي، حيث تعرفت على أصحاب طيبين لم تكن لي بهم سابق معرفة وكل واحد منهم يتنافس في خدمتي وتلبية احتياجاتي، وشعرت -يا سبحان الله- وكأنهم يعرفونني منذ فترة طويلة وأنا كذلك، وعندما اقترحت عليهم إحياء بعض المناسبات الدينية لأهل البيت عليهم السلام في شقتنا بالقدر الممكن استقبلوا اقتراحي بكل سعادة، وتعهدت إليهم أن أقوم بطبخ البركة بنفسي. فهذا ما تعلمته من المضيف الذي كنت أعمل فيه داخل الحسينية، وقد أفادني ذلك في الغربة كثيرًا حيث استغنيت عن الأكل من الخارج المليء بالشبهات الشرعية، واعتمدت على نفسي وهذا من بركات الإمام الحسين عليه السلام.

ويتابع الأخ: كنا في بعض المناسبات الدينية نذهب إلى بعض المراكز الإسلامية ونحي المناسبات الدينية معهم، والحمد الله كان التوفيق الإلهي حليفي في كل السنوات التي أمضيتها في الخارج حيث تخرجت في الجامعة التي أدرس فيها متفوقًا علميًا وبجدارة، وحتى بعد عودتي من الخارج كانت التوفيقات الإلهية تصاحبني حيث أصبحت فرص العمل تحوم من حولي، وكلها كانت فرصًا مغرية، وبعد استخارة الله عملت في إحدى تلك الشركات القوية وتقلدت فيها مناصب إدارية عديدة وحساسة حتى أصبحت أدير معظم دوائر تلك الشركة أو أهمها، ولم أنقطع عن شرف خدمة مولاي وسيدي أبي عبدالله الحسين، بل أسست مجلسًا حسينيًا في منزلي، فضلًا عن مساهماتي المتواضعة في المجالس الحسينية والمواكب والمضايف الحسينية المباركة بشكل دائم. من هنا، فأنا على يقين يا سيدي ومولاي يا حسين يا ابن أمير المؤمنين وابن سيدة نساء العالمين أيها الشهيد المظلوم أن تلك الصرخة المدوية التي صرختها يوم العاشر من محرم الحرام ألا من ناصر ينصرنا كانت هي نفسها أذان إبراهيم الخليل عليه السلام فهي صرخته في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة التي لم تنجسها الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها.


error: المحتوي محمي