بداية ليس ثمة ما يجعل الأشياء تشبهني إلا فكري وحروف مقالاتي.
في الصباح لا أمتلك إلا أن أقول لقطيف الجمال صباحك أجمل, وفي صباح معطر أقتحم عليك يا قارئ ساعتك الصباحية, مع قهوتي هنا نشوة صباح و بأخطاء إملائية في مقالي كعادتي, صباح الخير صباح الطير الهائم فوق سماء القطيف وبحرها, صباح القهوة المرة صباح القطيف العفيف والنظيف من كل زيف, انتظرت الشمس تشرق حيث العتمة تملأ المكان, أكتب هنا دون أن اطرق أبواب اللغة أو أن أقلب القاموس بحثا عن مفردات لغوية, وعندما اكتب ينمو إحساسي وقد يخونني تعبيري,لست بحاجة إلى مناسبة كي أكتب أنا بحاجة فقط إلى مساحة بيضاء لأعيش حكاية وفكرة وجرأة قلم.
سألتني إحدى الأخوات لماذا تكتبين؟ أكون صادقة إنني ما فكرت به يوما لأني أكتب دون تفكير وكي أفجر بركان الصمت داخلي وكي تصرخ في أعماقي المرأة التي أريدها أن تدرك معنى الحرية والحياة وكيف تعيش تحت عادات وتقاليد مجتمع يليق بها,وأكتب هنا كي أقول لمن أحبه إن الدنيا بدونه ليل دون نهار.
أعترف لا شيء يطاردني هنا بمصر حيث الهدوء المطلق, وهكذا أمارس طقوسي وخلوتي لا أفعل شيئا غير جلوسي المحفوف بجلال الصمت وبنظرة عميقة في ورقتي البيضاء, وبين لحظة وأخرى تداعب أصابعي القلم في هدوء تام, حيث يتولد بداخلي الفرح والأمل ما دمت لا أزال أمارس الكتابة الحرة.
مرت نصف ساعة وشطبت خلالها عدة أسطر ولم ينج من سن قلمي سوى سطر واحد, كيف تتخيل أكتب سطرا بنصف ساعة لا يمكن هذا سأضغط من جديد على قلمي, وأجلس لأفتش عن نفسي وأحافظ على توازني الفكري حيث تسمرت ولا أدري لماذا؟! هل لأنني بعيدة عن القطيف فمدينة الرحاب أحبها وطالما أرتادها بين حين وآخر فلا اشعر بالغربة أبدا.
فكرة المقال أول ما يشد بصر القارئ وقد يكون آخر شيء بقى في ذاكرة القارئ, وحين ننسى المقال يبقى العنوان الذي يصر على البقاء في ذاكرة القارئ نفسه,
فأنا عادة لا أبدأ بكتابة مقالا إلا بعد أن تعشش الفكرة بداخلي, وتختمر ويكتمل العمل بوجداني ويصل إلى درجة يقلقني في نومي, حينها أبدأ بصب ما بداخلي على الورق, حيث أعي إن الكاتب لا يعمر طويلا دون دفء قارئ يحتويه يتواصل معه و يعبر إليه في فضاء المقال.
لم يكن لي مبررات الإقدام على هكذا كتابة حرة, حيث أجد نفسي ضمن هذه المحاولة أعلن استمرار دهشتي احتفاء بفكري الذاتي وانتهاكا لبعض أشكال الكتابة المحظورة,وعندما أكتب أسبح ضد التيار غير آبهة بالمفاجئات من ردود فعل البعض غير متوقعة, موقنة تماما بان الكتابة ليس رهانا خاسرا وإنما هي الخطوة الأولى, أن أشعر بذاتي وأن أروض فكري لأجوب في سطوري دون خجل من المكاشفة لذلك ها أنذا هنا!
أفر من عزلتي وخلوتي لأحلق في سماء الدهشة والجرأة والصدق, معززة باحترام ذهن القارئ وذات الوقت أنسى مواجعي أمام لحظة صدق مع قلمي الذي لا يعرف أن يكتب لا, أراني أخرج عن عادتي وأقف والدهشة تحتويني عندما هاتفتني إحدى القارئات تسألني: دون أن أدرك نيتها لمن كل هذا الحب؟ سؤالها طرح في الكفتين حجم المحب والمحبوب, وأرد عليها مباشرة ولكن بنية حسنة مني قائلة: لولا هذا الحب ما تولدت هذه الأحرف الصادقة والتي تحاكي الروعة في اللغة, وأسألها ألا يستحق زوجي كل هذا الحب, واعتذر منها هامسة الحب لنا جميعا وماذا نساوي بدون الحب, وهل خُلق القلب لكي يتربع فيه شخص واحد فقط؟! إذن أرجوك يا عزيزتي أن تبدئي بحب نفسك أولا, وحينها ستدركين صحة الشخص الذي يحب بلا حدود, آسفة بسؤالي لك من أي كوكب أنت وليكن كوكبك لا أتخيل هناك حياة بلا حب.
البعض من الاستفسارات تصلني تسأل أين غالية المحروس على طبيعتها؟! أكيد أنا هناك على أرض القطيف أكون بين أهلي وأحبائي وأكتب بعفويتي وصدقي, ليس هناك حصانة أدبية ضد الكتابة وأيا كانت الكتابة فالقارئ الرابح دائما, وأن تقرأني أيها القارئ فهذا يعني إني أمسك الكون كله بيدي, فأنا إنسانة اعشق التواصل الإنساني, وعاشقة كبيرة للانطلاق والحب والإنسان,فا التواصل يعلمنا أن نرى وجوهنا في الاختلاف لا في التشابه.
للتو قرأت تعليقا سريعا على مقالي الأخير تحت إسم سلمى ليتها كتبت أسمها الصحيح, تقول بالحرف الواحد حلو الحب بس هل يحتاج كل هالزفة؟! أشكر وأحي صاحبة التعليق والذي أردت أن يُشطب ذلك التعليق فلا مكان له هنا, وأقول لها حتما التمس لك العذر لأن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقال وأنا لست معهم ولكن ألا تسعدك مثل هذه الفئة التي ترحب بهكذا أشخاص محبين ويعيشوا بشكل صحي؟! إلى متى تزعجنا سعادة ونجاح الغير وتقهرنا المواقف الطبيعية ونستاء من كل ما هو رائع؟! إذا ما طبلنا وأقمنا زفة بهكذا قلوب نقية يا ترى من يستحق تلك الزفة ؟ لو وضعت اسمك الصحيح لأقمت لك زفة بأسمك,فمن لا تشبعه الروح قريبا كيف تشبعه بعيدا فليسامحك الله.
عندما يأتيني ردا بهيا بهذا الوهج على مقال بسيط يشبهني فذلك دفء ابتغيه دوما, رغم إني أرتكب حماقات الكتابة حتى تتشقق ساعات الصباح الأولى أعيش مع القارئ في ذلك النور الذي يأتي في أول النهار, أحاول أن أفتش عن لغة دون جروح يتعثر المشي بين أمواجها, أختار الكلمة بعناية فائقة لأوثق المقالة وقد استغرق وقتا طويلا في اقتناص هذه اللحظات الجميلة, وأهيم شاردة وراء فكرة وإن كانت صغيرة, حيث تتمتع لغتنا بخصوصية مفرداتها وقدرتها على التشكل المجازي, و أحرص على تنسيقها وإظهارها بأبهى حلة لتستهوي القارئ.
ذا أنا أعترف بأنني امرأة استهوتها مغامرة الكتابة التي تتطلب جرأة استثنائية للبوح بما انتابني من ثقة,تحاول ذاكرتي أن تستجلي المواقف,حيث الكتابة بالنسبة لي فسحة حب يأخذ ما يستطيعه من ألم وأمل من إغفاءة الحواس ويقظتها وجنونها, فسحة أحتال بها على عواصف وغدر الزمن لتساعدني على الكتابة كيف لا والحروف تسكنني, اعترف إنني قد سرت على دروب من سبقني وأحاول أن أوصل فكرتي للغير ومازال الدرب طويلا جدا, فجعبتي ما زالت تعد بالكثير من مشاريع الكتابة ولأن المسؤولية كانت تكليفا ذاتيا وليس تشريفا.
ليس هناك أجمل من امرأة تعرف أين تضع أقدامها في ردهات زمن, مليء بالصعوبات والعقبات وحتى التفاهات أو نسيتم أنا قطيفية حد القطيف, هكذا تعلمت من القطيف كل ما كنت أعرفه إني لم أكن مخطئة أو جبانة فيما أطرح من أفكاري, فقد مارست حريتي في المحافظة على أخلاقي وإنسانيتي, ومارست حريتي في أن لا أسيء لأحد بأي شكل كان, هكذا نحن أهل القطيف وهكذا أخلاقنا حتى مع الحروف رغم الظروف.
ولأنني الآن بجمهورية مصر العربية لي دور بسيط في الحديث عنها, حيث إن لمصر قدرة عظيمة على بعث روح الحياة في نفوس من يزورها وفعلا مصر ليست مجرد كلمة بل فعلا حضارة وثقافة وتراث.
وفي هذا الصباح أجلس بالشرفة الهادئة أكتب عن تحليق روحي أحتسي القهوة, ويرافقني طيفي هامسا في إذني : ما أجمل مصر وما أجمل عبق الليل , كان يوم الاثنين حين ودعت القطيف ظهرا امتطي مركب الريح متمثلا بابتسامة طاقم الطائرة المصرية في المدخل همست لنفسي : يالله كم من الزمن مر دون صحبة زوجي, فآخر رحلة جوية معه كانت منذ ستة أسابيع إلى لندن ومصر. لعله من الطريف أن يكون المقعد الذي بجواري فاضي بلا مسافر وكأنني أتأمل وجود زوجي بجواري, فهل كان القدر يرسم لي جوا جميلا من خلال هذه الرحلة, سؤال دار في ذهني حين اقتربت الطائرة من أجواء القاهرة, فشعرت بقلبي يقفز من مكانه فأغلقت كتابي عفوا كتيبي بنت القطيف لأقرأ فيه أثناء الرحلة, وهمست لنفسي عذرا ياغالية روحي تحلق مع القاهرة, حين هبطت الطائرة وودعت طاقمها الجميل على السلم بابتسامة وكلمة شكرا, واتجهت للحافلة التي ستقودني إلى بوابة المطار, ولولا الخجل كنت سأحضن الموظفة في مدخل المطار الجديد, وهي تقول أهلا وسهلا تفضلوا نورتوا مصر فاكتفيت بالقول لها مساء الخير, وخلال دقائق كنت أنهي الدخول لمغادرة القاعة متوجهة لمدينتي الهادئة الحالمة الرحاب, التي تبعد عن المطار حوالي ثلث ساعة, مدينة بعيدة عن الإزعاج والازدحام كل شيء فيها رائع وخيالي.
وتبدأ رحلتي, من المفارقات مع أول خطوة تحط قدمك في وسط القاهرة, ويظهر الوجه الحقيقي لها ويظهر العناء بشكل يومي, هناك نرفزة التي هي سلوك يومي وعادة وشعور وألفة أبدية لا تحلو القاهرة بدونها, وما أن تمد رجلك من عتبة المطار إلا ويبدأ الجدال والتذمر أمام السائح وبعد مساومة وشجار وتراضي لأخذ تاكسي, من أحد زوايا الموقف لمحت سائقا كبيرا تظهر عليه معالم الشيخوخة معتزا بنفسه, وقد أرعبني بتلك النظرات الثاقبة لأني كنت أتفحص وأفتش عن سائق لا أهابه, وفي غفلة من الثواني أسمع صوت جهوري لشخص معه ليموزين المطار عاوزة عربية يا ستي؟ فمضيت حيث مدينتي التي تقبع شقتي هناك منذ سنوات, وأنا أتوق لهكذا جو يسوده الهدوء في يوم جديد بعيد عن الرسميات.
سهرت لوحدي في شقتي حتى بشائر الفجر فكل المدن المصرية لا تنام, رغم كل السهر صحوت مبكرة كالعادة, فتحت النافذة وخرجت للشرفة عانقت الرحاب في هذا الصباح الجميل, هنا في بناية هادئة أطلت من الشرفة على الشارع الهادئ فجهزت القهوة وشربتها, وأنا أتأمل الشارع تذكرت إننا في صيف مصر السياحي مما يساهم بالهدوء والجمال, وبقيت متأملة الشارع وأنا أحتسي قهوتي مع طيف القطيف الذي لا يفارقني تحت أي ظرف, أجريت بعض الاتصالات الهاتفية وأولهم زوجي وأولادي.
تذكرت زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه, والصلاة فيه متأملة جماله وردهاته الواسعة, وعبق الإيمان المنتشر بضريح الإمام الحسين, وتشوقت للذهاب إلى خان الخليلي في أزقته الجميلة ودروبه التي تتسم بعبق التاريخ, وبنفس الوقت أتشوق للجلوس على ضفاف النيل الذي طالما ارتاده مع زوجي بين زيارة وأخرى, وأكيد لا يمكن لأي سائح يكون في مصر دون أن يستشف عبق النيل, في الجلسة الجميلة ونسائمه المنعشة, أما متاحفها في غاية الروعة, فلا مجال لذكر أهراماتها العظيمة تلك التي تتحدث عنها التاريخ والحضارة والتراث ومن لا يقوم بجولة إليها فلا يكون قد زار مصر, وتعطلت لغة الكلام قائلة صباحكم أجمل.
وكأنني أختتم بهذا آذان فجر طال التحاق الصبح به, أما الآن هربت إلى غرفتي أتوسد وسادتي حيث شعرت بالنعاس وببعض الذكريات لبعض في خاطري, مع نهاية مقالي حيث كانت ليلتي بلا ضوء والصمت يغزل ألف حكاية وحكاية, وأنا أسرف في مداعبة أفكاري والغريب دون فنجان قهوتي .