نهاية طالب مشاغب

في الصباح الباكر والطقس جميل، إنه الخريف، طلاب المرحلة المتوسطة متجهون للمدرسة حاملين الكتب، ويتطلعون للمستقبل.

تبدأ الدراسة مع إذاعة طابور الصباح والتمارين الرياضية الخفيفة لتنشيط الطلاب قبل البدء بالدراسة. البعض يتذمر من هذا العمل اليومي. وينتظر متى تمطر السماء لكي يلغى هذا الطابور.

وكيل المدرسة يقف قرب بوابة المدرسة. يستقبل الطلاب المتأخرين عن الطابور. ويحاسبهم حسابًا شديدًا. يجعلهم يقفون تحت أشعة الشمس وأمام أنظار الطلاب (نوع من أنواع العقاب في ذلك الزمن)، كان من ضمن هؤلاء الطلاب المتأخرين (سعود) الذي اعتاد على هذا التأخير.

(سعود) في الصف الثالث وقضى في هذه المدرسة خمس سنوات في كل عام يعيد سنة في نفس الصف. لا يبالي ولا يهتم بالدراسة. حلمه أن يخرج من المدرسة ولا يكمل الدراسة بأي طريقة كانت ولكن إصرار والديه عليه جعله يستمر في الدراسة بهذا الشكل.
استقبله وكيل المدرسة: ما الذي أخرك عن الطابور يا (سعود)؟ لماذا هذا الاستهتار كل يوم؟
(سعود) ينظر إلى الأرض ويتأفف. يتمتم بكلمات ويقول: متى ينتهي هذا الهزال؟
الوكيل: لم تجب؟
(سعود) يرفع رأسه ويناظر الوكيل وعلامات النعس باديه عليه ويحك بيده شعره المجعد ويقول: لم أستيقظ مبكرًا.
يطلب الوكيل من (سعود) الانتظار حتى نهاية الطابور.
انتهى الطابور وانصرف الطلاب لفصولهم الدراسية. سمح الوكيل بانصراف الطلاب المتأخرين لفصولهم بعد أخذ التعهد بعدم تكرار ذلك.

مضت ثلاث حصص دراسية. حان وقت الفسحة لتناول الوجبة الخفيفة. وأخذ قسط من الراحة.
يجتمع (سعود) مع أصدقائه ويحدثون بعض المشاكل مع الطلاب. يتحاشاهم الطلاب لكي لا تحصل المشاكل.
انتهت الفسحة وعاد الطلاب لفصولهم.
أثناء الانتظار وبعد تأخر خمس دقائق عن الحصة. يدخل معلم مادة العلوم (أحمد): السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يرد عليه الطلاب بصوت ضعيف من المقاعد الأمامية: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أما المقاعد الخلفية فكانت للطلاب المشاغبين لا أحد يرد. ويترأسهم (سعود).
المعلم كبير خدم ما يقارب 30 سنة وهو في سن التقاعد وهذه آخر سنة له. إنه طيب لأبعد حد. ومن شدة طيبته كان الطلاب لا يهابونه ولا يخشونه كبقية المعلمين. (عدا الطلاب المؤدبين والمحترمين والمجتهدين).
إلا أنه كان مخلصًا في إعطاء المادة العلمية في الفصل وفي المعمل بالرغم من عدم انضباط بعض الطلاب المشاكسين في الفصل (وهؤلاء موجودون في كل المراحل) الذين يحولون الحصة الدراسية إلى مسرحية.
حيث يعيقون المعلم أثناء أدائه للتعليم. ولكن لم يتوقف في أداء واجبه المهني.

يضع المعلم أدواته على الطاولة ويطلب من الطلاب الجلوس في مقاعدهم والتزام الهدوء.
يلبس نظارته ويبدأ بتسجيل حضور الطلاب. ينادي بالأسماء. تعم الفوضى من المقاعد الخلفية (من الشلة الفاسدة) والمعلم يحاول بسرعة الانتهاء والدخول في الدرس.
المعلم: أرجو الهدوء يا أولادي حتى ندخل في الدرس الجديد.
أحد الطلاب في الخلف يقف ويطلب من المعلم: أريد أن أذهب لدورة المياه.
(المعلم) ينزعج ويصرخ ويقول الآن أتيت من الفسحة لماذا لم تذهب؟ اجلس مكانك. (المعلم متأكد من أنه يريد الخروج من الفصل ويتجول ما بين الفصول).
الطالب يصر على الخروج ويعمل فوضى. المعلم يخضع للأمر. ويسمح له بالخروج ليتخلص من إزعاجه لفترة من الزمن.(ويتمنى أن يجده مدير المدرسة ليأخذ عقابه منه).

يكمل المعلم تسجيل حضور الطلاب. وإذا بصوت من الخلف (يا معلم) لو سمحت أريد الخروج لشرب الماء. نظر المعلم فإذا هو الطالب (سعود) يتأفف المعلم ويرفض طلبه لأنه يعلم أنه صديق الطالب الذي خرج لدورة المياه وهي لعبة اعتادوها.

يكمل المعلم بقية الوقت في أخذ الحضور، الطلاب المجتهدون في المقاعد الأمامية بهدوء يتجاوبون مع المعلم.
وبعض الطلاب في المقاعد الخلفية لا يستمعون له.
وهو ينادي: (سعود) (سعود). لا أحد يجيب. يكرر الاسم. ولا كأنه ينادي على أحد.
المعلم يطيل النظر إلى (سعود) من أعلى النظارة. ينتظر منه الإجابة ولكن دون جدوى.
يقترب منه ويقول له لماذا لا تجيب؟ أليس هذا هو اسمك؟ يصمت الطالب ولا يبالي. ولا ينظر له. المعلم: أنا أتكلم معك ألا تسمع؟ أم أصبت بالصمم؟ الطالب يتعمد تجاهل معلمه. يشتد غضب المعلم يرفع يده عاليًا ويصفع الطالب على وجهه.
الصوت كان قويًا ومدويًا. حتى عم الهدوء في الصف. وكأن على رؤوس الطلاب الطير. وعلامات التعجب بادية عليهم جميعاً فهذه أول مرة يضرب طالبًا في الصف.

أثناء هذه اللحظة والمعلم لايزال واقفًا أمام الطالب (سعود) المضروب وهو يضع يده على خده وينظر للمعلم بنظرة مليئة بالشر.
المعلم يحول نظره لبقية الطلاب ويتراجع ويقف أمام السبورة ويراقب تصرفات (سعود).
بدأ الطالب (سعود) يصدر أصوات وكأنه يئن من شدة الألم (آه.. آه.. آه).
ويضع كلتا يديه حول عنقه بقوة حتى احمر وجهه. فجأة يسقط على الطاولة مصدرًا صوتًا قويًا من شدة ضرب رأسه بالطاولة. وكأنه أغشي عليه.
الخوف خيم على المعلم والطلاب من هذا المنظر.
وبسرعة أقبل المعلم نحو الطالب وهو يناديه بالاسم ويحاول تحريكه بيديه: (يا سعود.. يا سعود) ماذا جرى لك؟ استيقظ. أتريد أن تذهب لشرب الماء؟ اذهب هيا اذهب. ولكن الطالب لا يتحرك واضعًا رأسه بين ذراعيه.
من شدة خوف المعلم جلس متربعًا على الطاولة التي بجانب طاولة (سعود). واضعًا يده على خده ويردد قائلاً: ماذا صنعت؟ ما الذي فعلته الآن؟ ما هذه المصيبة؟
يرفع الطالب رأسه قليلاً ويناظر الطلاب ويغمز لهم بعينيه. كأنه يقول لهم هذا مقلب!
عرف أصدقاؤه في الفصل هذه الحيلة. يقف أحدهم وهو يصرخ قائلاً: (سعود) مات. (سعود) مات. يا معلم ألا تعلم أن أباه شرطي؟ سوف تسجن على فعلتك هذه. يترجل المعلم بسرعة ويتمتم بكلمات لا يفهمها الطلاب. ويتجه نحو الباب ويغلقه بإحكام. فرائصه ترتعدان وتتغير نبرة صوته وكأن الخوف سيطر عليه. ويتجه نحو الطالب. يحركه مرة ويناديه مرة أخرى. من شدة انفعاله يدفع (سعود) بشدة. ويقع من الكرسي على الأرض. ومن شدة ارتطامه بالأرض يقف صديقًا آخر صارخًا: ماذا فعلت يا معلم؟ أحاط أصدقاؤه به. يحاول المعلم أن يصل إليه. فلا يستطيع ذلك. يبدأ بالصراخ على الطلاب: كل طالب يلزم مقعده.
لا أحد يعيره أي اهتمام مهما ارتفع صوته.

فجأة يقف الطالب المضروب وينفض ثوبه من الغبار وهو يضحك مع أصدقائه ضحكات الاستهزاء موجهًا نظراته نحو المعلم.
المعلم من شدة الصدمة يقف بلا حراك وعيناه مفتوحتان بشدة وهو ينظر لتصرف الطلاب. يخرج من جيبه منديل من القماش ويمسح جبينه الذي يتصبب عرقًا.
بدء الطلاب يجلسون على مقاعدهم الواحد تلوا الآخر. وكأنه لم يحصل شيء. ويتبادلون الضحكات فيما بينهم.
المعلم يثور غضبًا ويتجه نحو (سعود) ويعلو صوته: لماذا هذا التصرف؟ هل أسأت لك أو لغيرك؟ حتى تعاملني بهذه الطريقة. أنت طالب لا تمتلك ذرة من الاحترام. ولا تستحق أن تكون بين هؤلاء الطلاب (ويشير بيده نحو المقاعد الأمامية) الذين يجتهدون لطلب العلم وتحقيق أحلامهم في المستقبل.
هل تعلم أين مكانك المناسب؟
يضرب المعلم بكلتا يديه بقوة على طاولة (سعود) حتى أصدر صوتًا مدويًا جعل (سعود) يقفز فزعًا.
يطأطئ (سعود) رأسه للأرض ولا يتحرك ولا يتكلم.
المعلم يكرر كلامه: أجبني أتعلم أين مكانك المناسب؟ أنا متأكد من أنك تعلم ذلك. ولكني حزين جدًا. ليس لأجلك أنت. بل لأجل عائلتك. من أجل أبيك الذي تعب لأجلك. وينتظر بفارغ الصبر أن تحمل الشهادة لترفع رأسه عاليًا كبقية الآباء الفخورين بأبنائهم. ولكن بجهلك أنت تنكس رأسه. أيرضيك ذلك؟

يحول المعلم نظراته نحو (أصدقاء سعود) ويقول: الكلام موجه لكم أيضًا.
يسير المعلم بخطوات بطيئة ليصل إلى السبورة. ويسكت قليلاً. ثم يرتب أدوات التدريس الخاصة به. وينظر لهم من جديد ويقول: لن تمر هذه الحادثة بسلام. وأنتظرك أنت وزملاءك في غرفة المدير بعد الحصة. أتفهم؟
الهدوء سيد الموقف. لحظات قليلة وصوت جرس انتهاء الحصة يعلو في المكان.
نعم. الحصة انتهت بانتهاء هذه المسرحية من الطلاب المشاغبين ولم يتمكن المعلم من إعطاء الدرس للطلاب.

في النهاية اتخذ مدير المدرسة موقفًا صارمًا تجاه هذا الطالب بالفصل من المدرسة، وبقية الطلاب الذين شاركوه بالتعهد بعدم تكرار ذلك مع حضور أولياء أمورهم.

مثل هذا الطالب وغيره من الذين لا يهتمون ولا يرغبون بالدراسة. ما هو مستقبلهم؟
أدع الإجابة للقارئ الكريم لأنه لابد أن يكون قد مر عليه نموذج مثل هذا الطالب.


error: المحتوي محمي