حديث على عجل

تحية بعطر الورد أحييك دائما بمناسبة ودونها, ودلة القهوة لحضورك بين صفحتي. و عزائي إني ألتقيك بين آن وآن أفخر بالجميع وأشم فيكم عبق القطيف العطرة, وحين تبتعد القطيف تدنو كلماتي والشمس تشرق حين تكون القطيف, فليعتبره القارئ عشقا قد يصل إلى حد التصوف .

تعتري الكاتب أحيانا خواطر متنوعة تثير فكره وتداعب خياله, فيسبح هائما كي تستقر أفكاره ويهدأ خاطره وبعدها يشعر بالسعادة, وقد لا يجد نفسه مضطرا بل مرغما على طرح النص الأساسي, ولعلني امنح الكثير هنا وإن كبٌلني الخجل وسرقتني الجرأة فلا يزال هنا كلام عندي ما أقوله لك أيها القارئ الكريم, أقسم ما أن تفاعل العنوان في فكري حتى فاحت رائحة قهوتي قلت سأضمن مقالي برائحة القهوة.

كلما التقينا وما أجمل أن نلتقي, كان السلام على عجل والحديث على عجل والابتسامة على عجل,وكل شيء من حولنا يجري ونحن نجري دون أن ندري إن كل من حولنا يلهث خلف مواعيد مؤجلة, نغيب في متاهات الظروف وتتشابك الدروب حتى نخال إننا قد ضللنا الطريق.
راهنت على مقالي هذا وبحريتي وإن أصبحت هناك إشكالية الموازنة بين حريتي وحرية القراء هي هاجسي وأنا أكتب مقالا جديدا, أعيش متعة صمت الرفقة مع من أحب لأن الصديق الحميم وحده من يفهم إن صمتي في وجوده هو تقدير لا حدود له, وأندهش من إحساس البعض بالغضب أمام صمت أحدهم في حضرته وإلا كان الكلام قد أصبح دليل محبة واحترام .

سيضحك مني بعض القراء فأحيانا أبكي وأخرى أشكي وأبدو سعيدة واضحك وإذا ما سمعت الثغاء أبكي,وهنا في مهب الريح ينتعل الخيال حروفي لأكتب أفكاري ولا شيء يعرفني لا ليل ولا نهار وربما يتعرف علي الألم والآهات فالمعذرة لقد تلعثمت اللغة على طرف لساني لعله نوع من الطقوس والمناسك,و لعلني أمنح هذا المساء مساءا ونظرا لعشقي للكلمة التي لا تخونني حتى آخر رمق من زمن الكتابة, فالكتابة قدر يطالني مثل باقي الأقدار وإذا كان قدر بعض الأشجار أن تكون معمرة وبعض الطيور أن تكون مغردة فقدر بعض البشر أن يرسموا الكلمات.

لأفتح نافذتي واستنشق ما استطعت من الهواء دون رسوم, ولأحاول اقتناص الفرصة وأجعل من موج البحر عقدا لا يعتصر رقبتي, كي أتعلم الطيران الإنساني وأفاجئ صمتي لأكتب بحريتي,ولن أعتذر لمن أحب عن حبي لقطيف الجمال فأنا لست ممنوعة من حب القطيف, وهكذا تخرج غيرتي عليها بشموخ من بوابة صمتي وبعباءتي أمنح خواطري, وأجزم بأن خلف كل نخلة في القطيف هناك جمال.

لي حبيبان لا يفارقاني حتى في أصعب الظروف وإن قررا الابتعاد عني فهذا من المحال: القطيف التي لا تُنسى و القهوة التي لا تبرد وأخشى أن يغار قلمي من قهوتي وقطيفي, وبالمناسبة لا أكتب للآخرين وإلا سأكون كالمهرج ولكني أكتب لذاتي, وأعظم همي اقتناص لحظات الجمال, وما أحتاجه هو تلك لحظة الإنخطاف مختزلة في التعبير القرآني كن فيكون, نعم تلك اللحظة قد تباغتك وقد تأتيك بعد جهد.

أسوق هذه القصة الحقيقية الواقعية ولست مغرمة بكل ثقافة الغرب, ولكن يشدني كل جميل عندهم, لماذا لا نستفيد من تجارب الشعوب الأخرى فالانتماء الوطني ليس شعار, ولكن علينا أن نعلٌم أولادنا ثقافة الانتماء الحقيقي والدفاع والغيرة على مال الوطن والمحافظة عليه, لماذا لا نعتبر ذلك السلوك جزء من هويتنا وأخلاقنا ونحن مسلمون, ألا يستحق بلدنا التقدير والمحافظة والرعاية.
حدثتني صديقتي العراقية المقيمة في بريطانيا: إن أحد الإنجليز صعد إلى القطار مسرعا متوجها لعمله,وعند نزوله من القطار تذكر إنه لم يدفع ثمن التذكرة, ففي اليوم الثاني اتجه إلى بائع التذاكر واشترى تذكرتين استخدم واحدة ومزق الثانية,ورماها في سلة القمامة”عفوا”وهي التي نسي أن يدفعها في السابق

,وحتى يرتاح ضميره وليضمن إنه لم يخالف القانون,ولكن بينما كنت مع زوجي نمارس رياضة المشي على كورنيش القطيف, لمحنا أولاد يكسروا الأنوار بطريقة عدوانية غير حضارية وما كان من زوجي, إلا أن أوقفهم بأدب وهدوء وللأسف تمادوا وردوا علينا بوقاحة وسخرية قائلين: لا عليك وكأنك رئيس البلدية وأعتقد إن المشهد والفكرة قد وصلتكم ولن أزيد, إنه سلوك ثقافي حضاري على المرء أن يتعلمه بالمدرسة والعمل والبيت, حماية المال العام لأنه ملك الشعب وهذا انتماء للبلد.

أعزائي الطلبة والطالبات أنتم على أبواب الامتحانات وانتم طلبة علم, وجب عليكم الابتعاد عن ظاهرة الغش بأي أشكاله, هذه الظاهرة السلبية الخطيرة التي تهدد قيم المجتمع وتجعل الطالب خائن لفكره وعديم الشعور بالمسؤولية, وكأنه يصعد على أكتاف غيره بل يسرق النجاح بدلا من أن يبحث عنه.
الغش يعتبر بمثابة السرطان الذي استفحل وأصبح من الصعاب جدا علاجه بعد انتشاره في مفاصل التعليم, وهنا تحضرني هذه القصة النادرة التي ليست من نسيج خيالي ومن الصعب وجودها في هذا الزمن , هناك طالب ذو خلق ودين وكان ضعيفا في مادة اللغة الإنجليزية وأخفق في تلك المادة مرتين, وذلك بعد رفضه للغش ورفضه للمساعدة من قبل المراقبين حتى يخرج من هذه الحفرة كما يسمونها, ولم يقبل فكان الفشل أفضل له من النجاح المغشوش, وبعد ذلك اجتاز المادة بجهده دون غش,

أتذكر وأنا في سنة ثالثة متوسط لا أجيد حينها اللغة الإنجليزية, وكانت الأسئلة كما بدت لي صعبة يوم الامتحان, وللأسف وأقولها بخجل وندم وبأمانة القلب و القلم, إنني تبادلت ورقتي بورقة إحدى الطالبات المتميزات بإلحاح مني لتكتب لي الإجابة , وحتما نجحتُ في تلك المادة دون جهد مني, أبوح بذلك وأنا خجلة من نفسي وصراحتي هذه وعلى الملأ, قد أكفٌر عن خطأي تماما فالغش حرام وسلوك غير سوي, وكما قال سيد الأمة رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه “من غشنا فليس منا”.

وأعتقد جازمة هذه الأفواج الهائلة التي تتخرج من مدرستي الإنسانية باللغة الإنجليزية, قد تساهم نوعا ما في التخفيف عن خطيئتي التي قمت بها دون إدراك لسوء العمل والتصرف آنذاك, فلتسامحني نفسي وليسامحني ربي, واعتذر لكل من يتخيلني بهكذا تصرف وعذري الآن البعض قام بمثل ما قمت به لكن لن يجرؤ بالاعتراف, وهذا شأنه الخاص لنتفق أن نكون على قدر من المسؤولية وأن ننال نجاحا يشهد عليه جهدنا ومثابرتنا دون غش, دعوني أنوه هنا بشيء يقال: عندما يخجل البعير يشيح بوجهه إلى الخلف وأنا عندما أخجل أكتب ما في خاطري.

في حياتنا نبتسم كثيرا ولكن هناك لحظات تشهد ابتسامات أكثر صدقا من سواها نابعة من أعماق الفرح,ندرك إن للابتسامة سحرا يضفي جمالا على المرء حتى إنها تستطيع أن تخفي الألم, وأعترف إنها تداهمني أحيانا وأنا في اشد الوجع والتعب من غير أن أحسب لها حسابا’ليست مصادفة أن اكتب عن الابتسامة, حيث إنها تضيء النفس للسلام والاطمئنان, فهي تعبير حقيقي عن النبض الإنساني, فلماذا لا نزرع في القلب ابتسامة مثلما نزرع في الأرض وردة, أقر إن ابتسامتي هي كل ثروتي.

إن المبتسمون هم أكثر الناس حزنا, إذن إن لم نشبع بطوننا فلنملأ قلوبنا ابتسامات, حيث لها الأثر العظيم, فبعدها يأتي السلام والسلام في الأصل السلامة فلا تقلق لو ابتسمت لأنها لا تكلفك مالا ولا جهدا, فألف تحية حب واحترام لكل من يبتسم بوجه الحياة الصعبة, ابتسم وابتسم وابتسم حتى تبتسم لك الحياة.

أنا كلما صادفت ملهما أو ملهمة بقراءة الحظ سواء الكف أو فنجان القهوة, وأظهرت بعض الأمور على إنني إنسانة محظوظة, لا أقول شيئا لعدم إيماني بذلك, فأنا لا أنكر نجاحي رغم إن البعض يصر على التقليل من قيمة نجاحات الآخرين, حينما ينسبوها للحظ مستهينا بحجم الجهد الذي يبذلونه للوصول إلى ضفة الإبداع والتألق والنجاح, وأمام إصراره هذا نشفق عليه إذ لا يجد حجة يتكئ عليها أو حائطا يعلق عليه إخفاقاته, سوى التقليل من قيمة نجاح الغير دون أن يتحكم الحظ في ذلك, وهؤلاء الفاشلون يرتطمون دائما بجدران مانعة والغشاوة التي تشغلهم بالانتقاص من قيمة الناجحين وهم لا يدركون إن نقاء القلب وسمو التصرف وراء الحظ السعيد, أرجوا ألا أكون قد ضايقت البعض من هذا التصريح.

ذات يوم, توقفت عند إحساس البعض وهم يلمحون خطوط الزمن والذكريات في مرايا صورهم,ونقلت ذلك الإحساس بإحساسي فرأيت إن الصورة حينما تتحول بمرور الزمن إلى تاريخ شخصي لمن لا تاريخ له,فإن جمال الصورة يكمن في إنها تمسك بمرحلة تاريخ مضت من العمر, وإن الصورة تعيد الروح إلى تلك المرحلة وتجعلنا نشعر كأننا نعيشها الآن وإن ُطمست جزء من ذكرياتنا.

قرأتُ لأنديرا غاندي يوما قائلة: ” إني أتمتع بقدر من روح المرح الكافي لمواجهة أسوء المواقف وبقدر من حب الطبيعة يمكنني من أن أجد الجمال والسعادة في أماكن لا تخطر على بال إنسان أن يجدها فيه” وأنا هنا في يوم واحد وخلال ساعات قليلة وجدت وسط مفارقة عجيبة لمناسبتين متناقضتين, حدثت الأولى صباحا في مكان ما حيث إن لكل صباح ذاكرة, جاء صوتها مباغتا لزعلي الذي تسرب إلى أعماقي مجتاحا في طريقه كل المساحات اللامتناهية من القهر ليضاعف الألم في أعماقي, فإذا بي أتفاجئ بذلك الكم الهائل من الدوائر والهالات على ظهر تلك الورقة, الذي كان يفترض بي أن أكتب بها مقالا لصباح الغد.

لملمت حاجياتي المبعثرة وأوراقي فدعتني صديقتي صاحبة الصوت المباغت لأشرب معها قهوة الصباح, والتي تستحضر طبق المواضيع العالقة لتشبع الفضول حتى لو كان محتوى الطبق يؤلمني طعمه, في عمق أعماقي أكثر فلا مفر من مذاقه وابتلاعه, أما المناسبة الثانية مساءا وسط جمع أنيق في الذائقة الاجتماعية, كان الفارق بين الزيارتين بأن الثانية على معرفة بأن اللهفة حبلى بهدية لي مرسلة من ا لسماء لتبوح أجمل بوح, في ذلك المساء القارص حيث توهجت الأضواء لجمال لحظاته,جاء ذلك المساء بغير الألوان الذي سيطل من فوق السماء حين يحين الفجر, وشعرت حينها بأن السماء والأرض بداخلي اعترف إن لغات العالم قاصرة عن ترجمة صدق إحساسي هذا.

جعلني ذلك المساء أن أتخلص من صور الصباح المؤلمة, وما اهتممت لطول المسافة ولا للمساومة العنيدة التي لجأت إليها كي أحقق حلمي المنتظر وكنت أفكر: مثيرون للعجب والدهشة نحن البشر, كم نتمكن أن نتحمل كي نعيش لحظة جميلة وكم من البؤس يمكننا أن نبتلع حين نعرف إن القادم أجمل, لا علينا ولكن بهدوء ووقار منسجمة مع الجو العام, مشت الساعات بوقع سريع خاطف وكانت لهفة اللقاء قد وصلت الذروة, فأنا أعنيها تماما كانت طاولات ومقاعد شاهدة على اللحظات الجميلة,ودون شك لا شيء يغرق في المساء سوى النهار.

وهكذا سيظل حديثي وإن كان على عجل ضربا من الترحال والخيال, أحاول أن اكتب شيئا ما
في لحظة ما وعلى عجل دون وجل, ولكن هناك حرز يعصمني مما أكتبه هنا, أكتب كثيرا وأشطب كثيرا وأمسح كثيرا, ثم أحترز بالنص أكثر منتظرة نصوص أخرى أكتبها لكم بلا عجل.

أشكرك يا عزيزي القارئ لصبرك على تحملي وأنت دخلت أسوار قلبي, وكما هي عادة أهل القطيف الفاضلة التي لم تتحقق في مدن أخرى تلك القطيف, التي تضمنا في قلبها بلا خطوط فاصلة, أحب القطيف مكانا وزمانا وناسا وذكريات وطيبة وسخاء, بعثرتُ أفكاري هنا فأنا لم أشرب قهوتي بعد فأعذروني.

أشكركم لحسن متابعتكم وأعتذر ممن كنت ضيفة ثقيلة عليه, ولكن قد تعذروني عندما تعرفون إن قلبي ضعيف أمام محبتكم أنتم يا أهل القطيف.


error: المحتوي محمي