
الموروث…
المنهج في حفظه…
الكتب الحديثية والنقل.
سنتحدث في هذه الخاطرة عن نتيجة ما استفدناه من أقوال الأعاظم عن كتبهم وكذلك من لم نذكرهم كالشيخ المفيد عليه الرحمة ومختصر عن الكتب الحديثية الثانوية.
من الأعاظم الذين جاءوا في الغيبة الكبرى لسيدنا ومولانا الحجة المنتظر صلوات الله عليه روحي له الفداء بدأً بشيخنا الكليني ثم بعده شيخنا الصدوق ثم بعده شيخنا المفيد ثم شيخنا الطوسي هؤلاء من تسالمت فقهاء الإمامية على أنهم رواد الحديث والمتسالم على وثاقتهم وعظم مقامهم ومكانتهم ولم يَخدش في مقامهم أحد.
الكليني:
تقدم ما كتبه الشيخ الكليني في مقدمة كتابه الكافي حول الروايات التي جمعها وكتبها في كتابه.
قال في المقدمة: “… وذكرت أنك تحب أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع فيه مِن جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه مَن يريد علم الدين بالآثار الصحيحة عن الصادقين…”.
ما معنى هذه الجملة بالآثار الصحيحة عن الصادقين؟!
قال بعض علمائنا: الكليني يعتبر جميع روايات كتابه روايات صحيحة.
قام الشيخ الكليني في مرحلته بجهد وتجشم عظيم في تنقيح الحديث بعد الدور العظيم الذي قام به الأئمة صلوات الله عليهم وثم السفراء في الغيبة الصغرى كما مرّ في الخواطر السابقة.
الصدوق:
أيضًا قام بدور كبير حيث أجهد نفسه في تنقية الحديث مرة أخرى استفدنا ذلك من خلال ما كتبه في مقدمة كتابه (من لا يحضره الفقيه).
قال: “لم أقصد فيه قصد المصنفين مِن إيراد جميع من رووه بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد أنه حجة فيما بيني وبين ربي….”.
مِن ذلك نعرف أن الشيخ الصدوق قام بإشراف وتنقيح جديد لكتب الحديث فاختار من ضمن تلك الكتب كتاب “مَن لا يحضره الفقيه” وخصوصًا أن الكتاب ألّفه للفتيا.
المفيد:
كانت له زعامة الطائفة وذلك بعد الشيخ الصدوق وبدأ أيضًا بالنظر في الأحاديث وتنقيحها ويتضح لنا ذلك من خلال المناقشة في بعض الروايات – في رسالته الموسومة بـ(العددية) – التي ذكرت من قبله.
الطوسي:
قام بنفس الدور الذي قام به ممن سبقه وذلك أيضا من خلال مناقشته لبعض الروايات في كتابيه التهذيب والاستبصار فيما ورد في كتابي الكافي ومن لا يحضره الفقيه.
فتنقية الأحاديث مرت بهذه المراحل ابتداء بمرحلة الأئمة وانتهاء بعصر الغَيبة الكبرى انظر كيف كان الجهد والتجشم الذي قاموا به مِن أجل الحفاظ لأن تكون الروايات سليمة من الدس والوضع فماذا نستنتج؟!
النتيجة:
١ – لم يُتركوا أهل الوضع والدّس والكذب في حالهم بل كان الأئمة والسفراء والأصحاب ينصون عليهم بأسمائهم ويحذرون الشيعة.
٢ – الروايات لم تُترَك بل كان عليها النظر وعملية التنقيح جارية ولم تكن مهملة ولو للحظة من الزمن في جميع العصور والأزمنة.
٣ – مع كل ذلك لا نجزم بعدم وجود حديث موضوع ولكن ما هو المتصور الذي يتصوره الإنسان العاقل السوي وغير السوي في نسبة الوجود مع هذا الجهد والتجشم في التنقيح؟!
أولًا: لا كلام لنا مع غير السوي لأنه لا يميز الطيب من الخبيث.
ثانيًا: أما الإنسان سوي العقل فلن يحكم ويقول بوجود الموضوع والمدسوس وأيضًا لن ينفي احتمالية وجود ذلك ولكن بنسبة ضئيلة جدًّا حيث لا تذكر مع هذه الجهود التي بذلت فما نسبة هذا الاحتمال على فرض وجوده؟!
نسبة الاحتمال ضعيفة لا ترقى للقول بالحاجة إلى التنقيح بعد ذلك لأن نسبتها يمكن أن نقول: واحد من ألف.
فيبقى هذا الاحتمال ضعيفًا جدًّا فبذلك تكون الأحاديث سليمة.
٤ – الكتب الحديثية وصلتنا منذ عصر الأئمة كابرًا عن كابر من أعاظم الطائفة ورواد حديثها إلى يومنا هذا.
الكتب الحديثية الثانوية:
ذكرنا أنه إلى جانب الكتب الحديثية المعتمدة الأولية هناك كتب حديثية ثانوية وهناك جوامع حديثية أخرى وهي أيضًا ذات أهمية سنذكر بعض أسماء هذه الكتب بنحو مختصر في هذا البحث.
وأما بعد المحمدين الثلاثة وهم:
١ – الشيخ محمد بن يعقوب الكليني.
٢ – الشيخ محمد بن الحسن الطوسي.
٣ – الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي.
جاء المحمدون الأواخر أيضًا ثلاثة وهم:
١ – محمد بن الحسن الحر العاملي – رحمه الله.
٢ – محمد باقر بن محمد تقي المجلسي المعروف بالعلامة المجلسي – رحمه الله.
٣ – محمد بن الحسن فيض الكاشاني وهو المشهور بالفيض الكاشاني -رحمه الله.
ألفوا ثلاثة كتب وهذه الكتب جامعة.
١ – وسائل الشيعة:
تأليف الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي -رحمه الله- وعنون كتابه باسم وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة وقد أخذ وكتب أحاديثه من مصادر عدة وقد ذكرها في كتابه مثل الكتب الأربعة المعتمدة وتقدم الحديث عنها وغيرها من الكتب التي يعتمد عليها.
٢ – بحار الأنوار:
تأليف شيخنا العلامة محمد باقر المجلسي رحمه الله فقد ألف سفره المبارك الموسوم ببحار الأنوار ويعد هذا الكتاب موسوعة ضخمة لا مثيل لها لأنه يشتمل على كثير من العلوم المختلفة.
عدد أجزاء موسوعة البحار طبقًا للطبعة الحجرية ٢٥ مجلدًا وبحسب الطبعة الحديثة ١١٠ مجلدات.
ما قِيل في حق هذا الكتاب نقتصر على ثلاثة أقوال من أعلامنا:
– العلم المتبحر الشيخ آقا بزرك الطهراني عليه الرحمة في كتابه الذريعة الجزء ٣ الصفحة ١٦ قال: “هو الجامع الذي لم يكتب قبله ولا بعده جامع مثله لاشتماله مع جمع الأخبار على تحقيقات دقيقة وبيانات وشروح لها غالبًا لا توجد في غيره”.
– الفقيه العارف السيد الخميني عليه الرحمة في كتابه كشف الأسرار الصفحة ٣١٩ قال: “بحار الأنوار تأليف العالم والمحدث الكبير محمد باقر المجلسي والذي يشتمل على أربعمائة كتاب ورسالة ويُعد وحده بمثابة مكتبة كاملة صنفه مؤلفه عندما رأى الكثير من الكتب الحديثية في معرض الضياع لصغر حجمها ومرور الزمن”.
– العلامة الطباطبائي في كتابه مهر تابان ص ٣٦ قال: “يُعدُّ بحار الأنوار من ناحية جمع للأخبار والروايات دائرة معارف شيعية وأن ذوق المؤلف في تبويب الكتاب وتصنيفه يثير الإعجاب ومتابعته للآيات المتعلقة بالأبواب والموضوعات تحير العقول ولقد أحيا العلامة بعمله هذا الدين وآثار أهل البيت عليهم السلام”.
٣ – الوافي:
للعلامة الملا محسن فيض الكاشاني عليه الرحمة وقد ألف كتابه وجمع فيه كل ما تضمنته الأصول الأربعة ولم يزد فيها شيئاً سوى الترتيب والتبويب فقد ألّفها على الطريقة المعروفة اليوم في ترتيب الكتب الفقهية.
هذا مختصر ما أحببت أن أورده في هذه الخواطر ومما ذكرنا إذا ضممنا علم الرجال إليه الذي سنتعرض له في خاطرة خاصة لنستخلص نتيجة أوسع من ذلك أيضًا فنترك التقييم أيضًا للقارئ حتى يعي ما يجري من أهل النشاز في المطالبة بتنقيح هذا الموروث المبارك ليتسنى لهم أن ينقلوا حقيقة الأمر وأن ينظروا إلى مَن يقف خلف هؤلاء.
لنعرف حقيقتهم سنذكر باختصار مطلبًا مهمًا هو:
الأمانة العلمية في النقل:
سنأخذ فقط للاختصار النقل بالنص:
هذا ما عليه الأكثر ولابد أن يكون النقل معتمدًا من قبل المنقول عنه بحيث يكون من كتاب هو اعتمده تارة أو تقرير من قرّر له من تلامذته بعد اعتماده.
للأسف نرى هناك من انحرف ولم يلتزم في نقل النص ولم يراع المعاني وينقل النص مقطوعًا لأسباب نترك معرفتها وتقييمها للقارئ.
وعند عدم مراعاة هذا الناقل للأمانة العلمية ماذا سيرتب السامع عند نقل الناقل للنص المقطوع وقصده إفهام السامع أن الذي نقله كما ورد سيرتب السامع بعدم سلامة منهج المنقول عنه.
وما هذا للأسف الشديد إلا تغرير بالسامع لإضلاله عن الطريق السوي عن من كان يعتمد عليه فقد جمعوا الخيانة والتغرير والكذب أيضًا وهذا ما هو حاصل للأسف الشديد من أصوات ما هي إلا نشاز تريد أن تحرف الأمة عن مسارها الذي خطته أيدي الوحي الإلهي بعناوين منها تنقيح التراث.
مثالًا لهذه النماذج:
مما أُورد وأُشكل على هذا التراث الشريف من حيث الاعتراض على والروايات الواردة حول المرأة بالخصوص من كتاب الكافي الشريف الذي يعد المعتمد الأول بعد القرآن الكريم للطائفة الحقة وإن كان خاضعًا لموازين القبول والرفض من حيث الحجية في مقام الفتوى مثلًا بحسب اجتهادات الفقهاء ومبانيها.
المستشكل قال: روي في الكافي عن رسول الله صلى الله عليه وآله نص الرواية: “مَن أطاع امرأته أكبّه الله على وجهه في النار”.
قال هذا نص الرواية.
ثم علّق على الرواية وقال بأنَّ هذه الرواية وغيرها من الروايات ملفقة أي موضوعة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنّه لا يعتقد بأنَّ الرسول صلى الله عليه وآله هو هذا موقفه من المرأة فكيف يصح لنا أن نأخذ بمثل هذه الأخبار وأن القرآن الكريم الذي يقول في المرأة هن لباس لكم وأنتم لباس لهن؟!
الجواب:
أولًا سنتعرض للرواية التي ذكرها طالب تنقية هذا التراث:
المستشكل وذلك إنْ صح أنْ نقول عنه كذلك وإلا هو دلَّاس كذاب أشر لأنه خان الأمانة العلمية في النقل لأنه نقل صدر الرواية وقطع ذيلها وقال هكذا وردت.
سنذكر الرواية كاملة من كتاب الكافي الشريف وللقارئ الحكم.
عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: “قَالَ رَسُولُ الله صلى الله علیه وآله: مَنْ أَطَاعَ امْرَأَتَهُ أَکَبَّهُ الله عَلى وَجْهِهِ فِی النَّارِ قِیل: وَمَا تِلْكَ الطَّاعَةُ؟ قَالَ: تَطْلُبُ مِنْهُ الذَّهَابَ إِلَى الْحَمَّامَاتِ وَالْعُرُسَاتِ وَالْعِیدَاتِ وَالنِّیَاحَاتِ وَالثِّیَابَ الرِّقَاق”.
بعد الرجوع إلى الكتاب عرفنا أن المستشكل قطع الرواية لماذا؟! يُطرح السؤال عليه.
ونذكر مرة أخرى باختصار ملاحظة مهمة لا بد من ذكرها وهي أن الفقهاء لهم الموازين والضوابط في التعامل مع الروايات بكونهم أهل الاختصاص وهنا ليس مقام البحث في هذه الضوابط والموازين في قبول الرواية من جهة الحجية وعدم قبولها لا إنكار صدورها.
نختم خاطرتنا بروايتين شريفتين:
أنه رُوِي عن إمامنا وسيدنا أبي جعفرٍ الباقر صلوات الله عليه من قوله:
صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: قال سمعته يقول: “أما والله إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم بحديثنا وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث يُنسب إلينا ويروى عنّا فلم يعقله ولم يقبله قلبه اشمأز منه وجحده وكفّر بمن دان به وهو لا يدرى لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا سند فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا”.
(بصائر الدرجات).
وصحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام أو عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: “لا تكذِّبوا بحديث أتاكم أحد فإنكم لا تدرون لعله من الحق فتكذِّبوا الله فوق عرشه”. (بصائر الدرجات).
لسلامتك وسلامة عائلتك ومجتمعك ووطنك ابق متبعًا نصائح الجهات المسؤولة.