المتدين والمثقف

“تنويه؛ المعني هنا البعض فقط وليس الكل من الرجال والنساء كل فيما يخصه مع استخدام ضمير المذكر للاختصار”.

نحن مجتمع يتكون من المتدين وفينا المثقف، ولنتعرف على العلاقة بينهما علينا فهم معناهما: أولًا: التدين “الحقيقي” هو الإيمان بالمعتقدات الحقة النابعة من علم ومعرفة وبأخلاق وسلوك وتعامل ديني حقيقي مع صفات وأفعال خيرة والعمل بها في الحياة والواقع الاجتماعي ومن أبرزها مثالاً لا حصراً الوفاء بالحقوق لأصحابها وحفظ الأمانه وإرجاعها وحسن التعامل مع الأهل والأرحام والجيران والمجتمع على مختلف مستوياته بعيداً عن الطائفية والمذهبية والفئوية بحسن الخلق امتثالاً لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله: “إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق” أما التدين “الشكلي” فهو ما يتقمصه البعض من شخصية المسلم الزاهد التقي العابد ويتوشح بها ويجيد تمثيلها كما لو كان شيطاناً يؤم مسلمين لصلاة إلى أن يصدق عليه أنها حقيقية خصوصاً ملازمته الصلاة في المسجد والحج والعمرة والصيام والإكثار من الأعمال العبادية المستحبة وأعمال رجاء المطلوبية التكبير والتهليل في مشيه وإطالة اللحية والسبحة لا تفارق أنامله وثفنات في جبهته كلها صبغة شرعية ولكن إن تتبعته أو تعاملت معه تجد أعماله وتعاملاته أو أكثرها خلافاً لما عليه ظاهره؛ هنا تنكشف لك حقيقته وأنه ما لبس الدين إلا لتحقيق غايات دنيوية بأدوات أخروية.

ثانيًا: يعرف المثقف “الحقيقي” بأنه صاحب العقل المتبصر المتدبر المطلع على ثقافات الآخرين الخبير بما يصلح منها لمجتمعه وتوافق معتقده ملتفت لعواقب الأمور المتجنب للأفكار المنحرفة والخرافية لا يدخل مسلكاً إلا وكان مدروساً يتبناه العقلاء ويسلكه أصحاب الفكر الناضج له أهداف سامية مرتكزة على أسس علمية ودينية، لا يعمل ما ينافي الأخلاق أو ما يقلل من قيمته، أفعاله مطابقة لأقواله متحرر الفكر بعيد عن التبعية العمياء والطائفية أو المذهبية أما المثقف “الوهمي” فهو غير المفكر أو الفاعل في مجتمعه، خاليًا من المواقف الإيجابية الملموسة ناسياً كل واجباته تتحكم فيه المنفعة الفردية والأهواء يتبع الوجهاء للوجاهة ويتمسكن لأصحاب المكانة لتحقيق مكاسب شخصية ينقل لمجتمعه ما يضره لقلة اطلاعه يحاول إبعاد الدين من الساحة وينال منه ومن حملته يرى نفسه الأوحد عقلاً وفكراً وثقافة بين الناس. بعد هذا التعريف نتساءل ما هي العلاقة بين المتدين والمثقف ما نسمعه كثيراً هو تبادل الاتهامات بينهما وكأنهما ضرتين مِن المتدينين مَن يُخرج المثقفين مِن الدين واصفاً إياهم بالعلمانيين والليبراليين الإباحيين الخارجين عن وعلى العقيدة وبعض المثقفين يصف المتدينين بالمتخلفين الرجعيين غير المتفهمين لمستجدات العصر والحضارات الحديثة، معرفتهم لا تتعدى العبادة وأحكام الحيض وغسل مَن مات.

ربما لكل منهم حجته وبرهانه حيناً أو الجهل بالطرف الآخر أحياناً بعضها تعدٍ وبعضها حقيقة حال أثبت أحد الأطراف صحة ما يقوله عندما يسمع المثقف مثلاً أو يطلع على أن المتدين فلان يفعل صغائر الذنوب ولا يتورع عن كبائرها وهو القدوة والمثل الأعلى كما يُظن به أيضاً إن استأجر من يعمل له أو يوصل أولاده أو يدرسهم خصوصاً لا يفيه حقه وإن خُولف توجهه حلت بمخالفه نقمته ينم ويغتاب مخالفيه يدخل من يشاء الجنة وآخر يغله إلى النار وعنده من لا يغفر الله له إلى يوم الدين، إن ترحمتَ على ميتٍ لا يعجبه لعنه وقال هو في قعر جهنم وإن كان المعني مرجعاً دينياً أو دخل بيتك ضيفاً زائراً ورأى صورة من يكره علقت أزالها وحطمها أو أمرك بذلك وكأنه نبي أو وصي نبي أين حقيقة إيمانك أترضى بلعن من تحب أو إهانة من أنت به مقتدٍ أو إتلاف أموالك أو تُغتاب؟ لو كنت صادقاً ما فعلت وأهنت مؤمناً تدخلت في شؤونه دون حجة لك عليه لكنه التدين الشكلي المزيف الخالي من الإيمان إن بقصد أو بجهل لا حاجة لمجتمعك بتدينك وصلاتك وصومك بقدر حاجتهم لإيمانك وأخلاقك وتعاملك بعد هذا تأمل تقديراً واحتراماً وأنت أخطر على المجتمع من تارك الصلاة مع عظم ذنبه؟ في المقابل بعض المثقفين الوهميين لا يحفظ من كتاب الله آيتين لا يفقه شكاً ولا سهواً يعالج به ما خالف في صلاته ويتهم المتدين الحقيقي بالرجعية والتخلف وعدم الفهم والحال بالإضافة إلى أن جهله له ضرره أكثر من نفعه بل لا خير ولا نفع فيه يقلد ما يواجهه سلوكاً وأخلاقاً منحرفة دون علم أودراية لا يثبت على عقيدة اليوم في ذمة الإسلام وغداً معلقاً للصليب وبعدها إلحاد من أنت حتى تتعرض لحملة المبدأ وحماة الدين الحقيقيين الذين مِنهم مَن عمشت عيونهم وعميت ليقدموا لك ما أعجزك البحث أن تجده أو تفهمه؟

لو أكملت نقصك بالدين وحسن التعامل والأخلاق لاحتُرمت وعرفتَ قدر من ذكرت بسوء وأين تكمن الرجعية ويقيم التخلف؟ نقول ما أحلى المتدين أن يكون مثقفاً والمثقف متديناً إذا كانا حقيقيين يكمل كل منهما الآخر بما علم.


error: المحتوي محمي