استهلّ المدرّب والمحاور محمد الخنيزي أمسيتهُ الثانية من سلسلة “قل كيف عاش” بمقدمة مختارة من كلمات الوجيه الحاج عبد الله بن الحاج رضي الشماسي، التي يدعو فيها لتخليد رموز النهضة وعظماء الأمة، معتمدًا إيّاها كمقدمة خاصة لحلقات هذه السلسلة التقديرية لشخصيات القطيف ورجالها العظماء، وذلك خلال استضافته لعصام الشماسي، الرئيس السابق لجمعية القطيف؛ للحديث عن رحلة حياة والده الثرية في بثٍ مباشر عبر قناة “إنستجرام” الخنيزي.
حجة الشيخ
وذكر “الشماسي” أنّ والدهُ الوجيه ولد في عام 1356ھ، ووافقت ولادتهُ مولد اليوم النبوي، وقد سمّاه والدهُ الحاج رضي بدايةً “عبد الرسول” بعد رجوعهِ من الحج في الحجة التاريخية المشهورة المعروفة بـ”حجة الشيخ”، التي رافق فيها الحاج رضي العلامة الحجة الشيخ علي أبو عبدالكريم الخنيزي في حجتهِ تلك.
وعاشَ في كنف والده الحاج رضي الذي امتاز بالصلاح والأمانة، وكان مستودعًا لأمانات الناس من أموالهم وذهبهم، ليس فقط لأهالي القطيف فحسب، بل حتى خوالد عنك كان يفعلون ذات الشيء عندهُ، وكانت تلك المرحلة التي ولد فيها هي مرحلة شهدت الكثير من التحولات الكبيرة على المحيط العربي عامة، وتغييرات اقتصادية وتحولات إقليمية واسعة.
العمل التطوعي
وبيّن أنّ والده كان ابن مجتمعهِ، وقدَ انطلق مبكرًا لخدمة بلدتهِ القطيف، مكوّنًا علاقات اجتماعية واسعة وممتدة، وكان لديهِ الطموح والرؤية الخاصة لمجتمعهِ وللعمل التطوعي، وإليهِ ترجع الأسبقية في تأسيس الجمعية التعاونية، ولجنة التنمية الاجتماعية، وهو مؤسس أول روضة بالقطيف، ومؤسس المكتبة الأهلية، وشاركَ في تأسيس الجمعية الخيرية.
وأوضحَ التحرّك الواقعي لوالدهِ، واستثمارهِ للطاقات المحيطة بهِ، واستقطابهِ للكفاءات، وقد تجلّت شخصيته الحقيقية في آخر ثلاثة عقود من حياته، وتحديدًا من عام 1400ھ، إلى عام 1428ھ، حيثُ نضجت تجربته الاجتماعية من خلال المكتبة الأهلية، ومجلس الحي وغيرها من الأنشطة الاجتماعية، التي كانت ر
وافد لمرحلة أكبر للعمل الاجتماعي.
وأضاف أنّهُ استطاع خلال هذهِ العقود تحقيق طموحاتهِ وتطلعاته وإنجازاتهِ في هذا المجال الذي قضى بقية حياتهِ لأجلهِ وخادمًا له بكل ما يستطيع.
القبول
وأفصح “الشماسي” عما تمتع بهِ والده الوجيه من صدقٍ ومسؤولية واعية وواقعية، وتبنٍ لقضايا مجتمعه، ولم تكُن لديهِ حسابات مع أحد مطلقًا، ممّا أكسبهُ محبة شرائح المجتمع المختلفة لشخصيتهِ بغنيهم وفقيرهم وكبيرهم وصغيرهم، كما كانت لديهِ الخطوات العملية لتحقيق أهداف العمل الاجتماعي بعيدًا عن التنظير كما يفعل البعض.
راثوهُ
وتلا أبياتًا من مرثية السيد عدنان العوامي للوجيه الشماسي التي عددّ فيها سجاياهُ وصفاته الصالحة، ذاكرًا أيضًا قصيدة الشاعر محمد سعيد الخنيزي التي صوّر فيها قوتهُ النفسية وابتسامته وروحيتهُ العالية في معاناته في فترة مرضهِ التي فارق بعدها الحياة.
ونوّه بمشاركة عبد الواحد المسلم في إصدار “رجل موقف وفقيد وطن” بمقالهِ الذي تكلّم فيه عن علاقة الوجيه بالقراءة والاطلاع، منوهًا بثقافة أبيه وحصيلتهِ الأدبية التي كانت رافدًا لتكوين شخصيته الاجتماعية، فمنذُ نعومة أظفاره التقى بالنخبة المتعلمة والكوكبة المتنورة أمثال؛ الشيخ عبد الحميد الخطي، ومحمد سعيد الجشي، ومحمد سعيد المسلم رحمة الله عليهم، وعبد الواحد الخنيزي وغيرهم الذين تتلمذ بعضهم على يد الشيخ عبد الله الخنيزي.
أبناء القطيف
وأشاد كذلك بالكثير من مشاركات أبناء القطيف ومكوناتهم المختلفة في “نبض الوفاء” في رثاء الوجيه، من أمثال: أحمد نصر الفرج، وميثم الجشي، ومحمد علي، وغيرهم الكثير، ممن احتضنهم كشباب، ولمسوا فيه الأبوة الحقيقية، ورأوا فيه الأب والأخ والصديق، مشيرًا لعزمه على توثيق تلك الكلمات والمرثيات لوالدهِ في الإصدار المعتزم في سيرة الوجيه.
شريكٌ خفيّ
وأبانَ الشريك الخفي الذي كان يقف خلف تلك الأعمال الخيرية لوالدهِ الراحل، والتي تمثّلت في شخصية والدتهِ، فقد كانت خير معينٍ لوالدهِ في حياته، مساندةً له في التجهيز لاستقبال الوفود الوطنية أو غير الوطنية، وإصلاح ذات البين وغيره، وكانت دائمًا ما تغبطهُ على أعمالهِ الخيّرة وتشجّعهُ وتبارك له فيها.
ملامح وإنجازات
واستند “الشماسي” في تعدادهِ للملامح والمميزات التي خلقت نشاط والده الاجتماعي البارز في إدارة نشاط الجمعية خلال فترة رئاستهُ لها، لمقولة أحمد ربيع، حيثُ وصفهُ بأنّهُ مثال للقيادي المتميز الذي لم يتلقَ تعليمًا جامعيًا إداريًا، لكنّهُ مارس وطبّق بجدارة الكثير من أفكار ونظريات رجال التنظيم العلمي، بموهبة فطرية وسمات إدارية قائمة على الرؤية المستقبلية الثابتة، ومبدأ التخصص والتفويض والتخطيط وتقويم الأعمال، والحجم والشجاعة في اتخاذ القرارات.
وبيّن حرصهِ على الاستفادة من المتخصصين من كفاءات ونُخب الشباب وإعطائهم الثقة، بل إنّ الكثير من هؤلاء النخبة التحقوا بالجمعية بدعوةٍ منه، وتحميسه لهم للعمل التطوعي الاجتماعي، وإبراز علمهم على أرض الواقع.
احتضان
وذكرَ أنّ والده حينما عيّنَ رئيسًا فخريًا للجمعية عام 1419ھ، لم يترك حضور الاجتماعات، بالرغم من التفويض، وكانت لديه روح المبادرة، وعينهُ لا تفارق الجمعية مطلقًا، وكانَ يحرصُ على التوصية دائمًا بأن يكون هناك عمل دؤوب وحقيقي قبل الاهتمام بالإعلام، والبروز الإعلامي.
كفالة الأيتام
واستشهدَ “الشماسي” على احتضان والدهِ لجميع الأعمال الخيرية وتشجيع الشباب، وتقديم الدعم اللازم لبناتِ أفكارهم، حينما عرض عليه مجموعة من الرياضيين إقامة دورة رياضية تحمل التضامن مع الأيتام، ونقل ثقافة العمل الخيري والتطوعي للساحة الرياضية، فرحّب ترحيبًا كبيرًا وشجعهم على هذا العمل الخيري، وأثمرت هذهِ البادرة التي بدأت بكفالة الأيتام عن تواليها لأكثر من موسم والتي كانت بدايتها وانطلاقتها عام1413ھ بتشجيعٍ منه.
السيد منير الخباز
واستشهد بفراسة أبيهِ في معرفة الشخصيات، بالكلمة التي كتبها العلامة السيد منير الخباز في سيرة الحاج الراحل، واصفًا إياه بالشخصية القيادية والحيادية والانفتاحية والناصحة بصدق، ضاربًا مثلًا بالكلمة التي خاطبهُ بها في تأبين الشاعر عبد الواحد الخنيزي، وكان لأول مرة يقوم خطيبًا فيها، فقال له بعد أن سلّم عليه بحرارة وأبوية: “نملكُ الكثير من الخطباء في مجتمعنا، ونحتاجُ أكثر للعلماء والمجتهدين، فتوجه لتلك الفئة”.
وختم “الشماسي” حديثهُ بضرورة الالتفاف حول رموزنا وفضائلهم ومناقبهم، والإشادة بمواقفهم الكريمة، فهم من صنعوا هذا الزمن بكل مآثرهم التي خلفوها لنا باقياتٍ صالحات في المجتمع.