عاشقة الورد أنا، وعند إحدى تلك الوريقات الخضراء المشربة باللون الوردي الطائفي، برهة أبحرتُ في سفينة الذكريات، يا لها أشرعتي، الأشواق، دموعها، تبلل مشاعر ممتلئة بالخوف، لحظاتها وحيدة، تمزق شغاف القلب.
بعمق رائحتها الزكية، أتنفسها، أحسست بنشوة، تغمر المسافات، فرحًا، كالندى على الوريقات، ينساب على وجنتي، الآن، لمحتها في بستان الورود في القرية، التي أقطف منها الورد في كل عام، قاصدة ملاذ مشاعري، ملاك روحي، سيد البشرية جمعاء، إنه رفيق الروح وكعبة الحب المقدس، خاتم النبيين، حبيب رب العالمين.
تلك الوريدات، هي ثوب الطهر وعطره، الذي أطرق بها بابه كل عام، أستأذنه الدخول منحنية الرأس، ويدي على صدري، عيناي، تغرق بالدموع، ونبضات قلبي أشواقها، هل يأذن لي بالدخول؟
ورد الطائف، كان محطتي الوردية المشرقة، التي يتقلدها قلبي علامة بداية القرب، رائحة الورد، تلك التي تمثل محياه.
سيدي في خيالي، وقربي من ذلك البيت، الذي عاشت فيه أطهر بشرية على كوكب الأرض، عجيب أن يكون نقاء الورد، يتنفس من روحك، هناك وينبض في روحي هنا.
خطت قدماي بيته، وعيناي تعانق أركانه، تستنشق عمق أنفاس، كانت تجول في هذا المكان، تقدمت الحشود، لدخول الروضة المقدسة، حاولت أن أتقدم الصفوف، لكن الازدحام، كان يسرق أنفاسي عن الوصول للأمام، توقفت لحظة، أستلهم أنفاسي، لأجمع قواي في مواصلة التقدم، ولكن لم أستطع أن أخطو أكثر، تعبت خطواتي، وقفت، أجهشت بالبكاء، وقلبي ينادي بصوت عال، أين أنا بين كل هؤلاء، لا مكان.
أسترجع خطواتي للوراء في يأس، والدموع تملأ وشاحي الأسود، فإذا بيد امرأة، كبيرة في العمر، تمسكني بقوة، ويظهر من لباسها، أنها باكستانية المولد، أو هندية، تدفع الجموع أمامي، حتى تركتني في الصف الأول، وبابتسامة وديعة، وجدتها ودعتني، دموعي حكاية ، امتنان شكرتها، لأصلي ركعتين، حلقت خلالها إلى ما فوق السماء، يداي تهمس بالدعاء، شكرت الله سبحانه وتعالى كثيرًا، وكلمة، كالروح بين لحظات لساني، أناغيها في ذاتي: أحبك يا رب.
خرجت من بين الزحام، توسدت الأسطوانة، وبين يدي القرآن الكريم، احتضنته وعيناي ترفرفان بين المكان، إنها زقزقة العصافير، أبحرت في الخيال، إنها خفقات أجنحة، ترفرف، تسابيح الملائكة تهلل وتكبر، تطوف، خطفت قلبي تلك الأحاسيس، أغرقتني في هذا العالم، ومحبرتي اليوم، تهمس في أذني، لأسترجع تلك اللحظات، وتنثر وريقات الوردي الطائفي، تناغيني، سيتحقق اللقاء قريبًا، وستكونين في ضيافته مجددًا، وبشائر الغائب القادم، احتويني في نبضات النسيم، البحر، كلها الدعوات، تهيم في بستان أحلامي، بها إلى عالم السكون، ونشوة السعادة الحقيقية، عشتها لحظات، لأغرق من جديد في لوحة، تنفست هواها بعمق، لتهمس على استحياء، يملأه الحنان، إنها رائحة من ربيع بستانه.