المطر للأرض، تزفه السماء، تهدينا الغيوم نداها، تنتعش أرواحنا المثقلة، كما يهدينا الله أرواحًا تشابهنا في الصفات، التقينا بها في عالم ما قبل المادة، لنّصهر روحًا واحدة، بعض أحرفنا لا نستطيع أن نجسدها في كلمات، تقف عاجزة عما نشعر به.
لهذا المساء غروب حزين حيث رقدت صديقتي سعاد عبد الله المشيقري تحت الثرى، خلص عمرها في زهوة شبابها، وعنفوانها، خلت نبض قلبي توقف، رحلت قبل أن تودعني، خطفها الموت فجأة بينما نحن ننتظر خروجها بعد أن توفيت والدتها قبل شهر بذات المرض، رحلت في عناق نسمات عيد الأضحى المبارك، عانقت روحها خيوط السماء، غيماته الزرقاء، لترحل بسلام مخلفة طفلتها الوحيدة ذات الأربع سنوات، لأحضان اليتم والحرمان.
يا صديقتي الغالية الرباط المقدس المعقود بين روحينا، يستحلفك العودة، لنكمل الحياة معًا بحلوها ومرها، لأناغي حروف اسمك عشقًا، حفرت دموعي أخاديد، رحلتِ لأبقى أنا وحزني نبثك الشكوى، ألم الفقد.
يا له من نهار مفجع إذ حمل خبر رحيلك يا سعاد، نزل الخبر على قلبي كالصاعقة، حلقت روحك الطاهرة في السماء في يوم عظيم، تتضاعف أعمالنا فيه ونفوز بالدرجات العليا، لا زلت أعيش الصدمة، هل رحلتِ فعلًا؟ رائحة الذكرى تبعث في قلبي الألم، تحمل عبق الماضي الجميل، المحمل بأريج الأقحوان، حيث بداية تعارفنا في المدينة المنورة قبل سنوات طوال، لم تكن العلاقة بيني وبينك فقط بل امتدت لكل أفراد العائلة، وأكثر عمقًا بين والدتي ووالدتك -رحمهما الله-، عقد وميثاق أبرمناه معًا، حيث جددنا العهد لتحلق أرواحنا بنفحات قدسية، ملؤها الرجاء، في مكة المكرمة فكنت خير أخت، ومعين.
وقبل رحيلك بأيام اتصلت بي لتبثيني أشواقك وتخبريني أنك ملتزمة بالحجر الصحي في المنزل، وعند خروجك لحاجة ماسة شعرتِ بالحكة تسري في جسدك لخوفك من هذا الوباء، الجائحة التي عصفت بك، تستشف الذكرى قلبي المتخم بالألم يحيلها نشيجًا، قبل أكثر من شهر صحوت على رسالتك عبر الواتساب والتي تخبريني فيها بمرضك وإصابتك وطلبك الدعاء سارعت للاتصال بك، جاء صوت زوجك متسارعًا، معتذرًا، لحالتك الحرجة، وفي الليل تحدثنا عبر الواتساب ودعوت الله أن تتحسني في اليوم التالي لأستطيع محادثتك عبر الجوال، فكانت المحادثة الأخيرة بيننا.
عرفتك إنسانة نقية، بارة بوالدتك، لم تنفصلي عنها يومًا حتى بعد زواجك، تعهدتِ بخدمتها ورعايتها، ناشطة في العمل الاجتماعي، عاشقة لأهل البيت -عليهم السلام-، محبة للجميع.
سأبقى على عهدنا أذكرك في طهر دعائي، ستبقى ذكراك العبقة عالقة بذاكرتي، صورتك بقلبي إلى أن نلتقي تحت رحمة الله.