اترك الخط مفتوحاً

كثير من الفتيات والفِتية يتعرضون للابتزاز والتحرش المستمر والمتواصل نتيجة لأن خط الاتصال بينهم وبين أهاليهم مقطوع!

إن آخر من تفكر أن تلجأ له الفتاة عند تعرضها إلى مشكلة صغيرةً كانت أو كبيرة هي والدها ثم أمها ثم أخوتها، وعادة ما تلجأ هي أو حتى الأولاد، إلى أصدقائهم المقربين إن وجدوا، وبعض هؤلاء لا يملكون أو بالأحرى لا يثقون حتى بأصدقائهم المقربين.

إما خوفاً من الفضيحة ونظرة هؤلاء لهم في المستقبل القريب والبعيد أو لعدم ثقتهم في رجاحة حكم وعدالة هؤلاء.

فالأبناء عادة يخشون بطش أهاليهم بهم ذلك أن علامات البطش والعنف أسرع ظهوراً في سلوك وتعامل أهاليهم معهم، وهذه للأسف من المشاكل التي يقع فيها بعض التعساء من الأبناء نتيجة لولادتهم في كنف أسرة دارجة على الغضب أو العنف الأسري ولا مغيث لهم سوى الله! إذ أن أحدًا في هذا المجتمع لا يؤمن باللجوء إلى القضاء لحمايته من أرباب أسرته حين يبور حكم أرباب هذه الأسرة ويكون ظالماً قاهراً لا رحمة فيه فضلاً عن عدالة!

المشكلة الأخرى الأكثر شيوعاً هي أنه لا يؤسس كثير من الأهالي في مجتمعنا أو حتى المجتمعات الأخرى في شتى بقاع الأرض، علاقة صداقة وتواصلاً وأخذاً وعطاء صريحاً وشفافاً بينهم وبين أبنائهم، على العكس تماماً فإن العلاقة بين الوالدين والأبناء هي علاقة رسمية في معظم ملامحها ولا تعدو علاقة رئيس شركة (الأب)، ونائبة الرئيس (الأم)، والمرؤوسين (الأبناء)، كلن يؤدي مهامه المنوطة به بكل رسمية مع مراعاة فرمان أداب الأخلاق والأعراف العامة من عبارات المخاطبة

وعليه نجد فجوة كبيرة تفصل بين كل من الوالدين والأبناء تكون نتائجها وخيمة على الطرفين، وفي حالات كثيرة تؤدي إلى ما نراه من جرائم لا تمحى تبعاتها حتى مع مرور عشرات السنين.

وقفت شخصياً على أحداث جرائم اغتصاب سرد لي ضحاياها ما يشيب له الرأس ويحز نحر الفؤاد ألماً لا يفوقه وجع وألم إلا معرفتك أن لهذه الفتاة وهذا الفتى والدًا وعائلة وعزوة معروفون بالحُسنة والحمية، كيف يبطش ضبعٌ أجربٌ حقير بفردٍ منهم ولا يفزعون بأنفتهم لحمايته والأخذ بحقه من ظالميه أو في أفضل السيناريوهات، من الاقتراب منه أو أن يحظى بفرصة المحاولة حتى!

أحاول أن أقيكم وعثاء ألم قراءة تفاصيل هذه الأحداث التي بلغتني من ضحاياها شخصياً وهي بالعشرات وأنا شخصٌ واحد فما بالكم بأرشيف محاضر أقسام الشرطة!
فتى يتعرض للاغتصاب على يدي أوباش حارته ويتحمل مرارة الاضطهاد خوفاً من رأي والديه…
فتاة ذات ستة عشر ربيعاً تسلم جسدها مراراً لضبعٍ أجرب يبتزها بمحادثة مسنجر…
وأخرى أخبرتني للتو أنها متورطة بأحد الأولاد الذي يرفض التوقف عن الاتصال والتحرش بها! وهي تخشى أن تشكوه إلى والديها فيسيئان الحكم عليها!

حين تسأل هذا الفتى أو هذه الفتاة عن أهلها؟
يجيبونك بأن أهاليهم لا يسمعون لهم أو يتعاطفون معهم أو يرحمونهم!
إن ردة الفعل التي يتوقعونها من أهاليهم هي في معظم التصورات القتل، في أفضلها النفي والنفور والبغض الأبدي.

طبعاً هذه تصورات لا تعدو تصوراً واستنتاجاً في أغلب حالاته، قد يصيب ويكون مبنياً على مبررات وأدلةً مرئية ومسموعة وتجارب سابقة، وقد لا يكون مبرراً مبالغاً فيه، لكنها عين الابن بل عين الفجوة الفاصلة بين الأبناء وأهاليهم.

المسألة ليست اغتصاباً فقط، فهناك الحمل على المشاركة في جرائم أخرى جنائية وأخلاقية وسياسية ودينية وإنسانية، والقائمة تطول.

الحياء المبالغ أو الرسمية المبالغة بين الآباء و الآبناء تفعل هذا، والتسرع في البطش والعنف الأسري يفعل هذا، والهلع الشديد وتضخيم الأحداث يفعل هذا، وضعف الوالدين ونزوحهما إلى تمكين الآخرين منهم يفعل هذا، وعدم مصاحبة الأبناء يفعل هذا!

صادقوا أولادكم أو على الأقل اتركوا خط الاتصال بينكم مفتوحاً، أخبروهم بأنهم مهما كبر الأمر أو صغر سيكون لهم مكانٌ آمن، وصدرٌ حنون، وقلبٌ محب، ومتفهم، وأنهم مهما حدث، يستطيعون اللجوء إلى مرافئكم وحصونكم التي لن تخيبهم أبداً.


error: المحتوي محمي