كلام مجالس

تعود البعض منا إنْ جلس مجلساً أو تحدث مع صحبة في طريق أو سفر يستعرض خدمات المجتمع القائمة أو يفتح عنواناً اجتماعياً جديداً ليوهم الآخرين أنه يحمل همومهم ومَن يحل قضاياهم يسترسل بسرد وشرح قوانين من غير معرفة بها أو بصحتها أو قليل خبرة عنها  يخوض في الطب وفتاوى التشريع وقوانين التنظيم وفي السياسة وكانه جامعة متكاملة  والحال هو ليس في شيء منها أو أغلبها والأكثر بلاء ما يقوله أو يقترحه ولا يطبقه في الحياة العملية ولا بعضه ومِن أبرز أهدافه سعيه الحثيث نحو تهميش مَن يعملون جاهدين لمصلحة مجتمعهم تطوعاً وتفضلاً وإخلاصاً هو مِن خلفهم يرفع علماً ويردد شعارات؛ فلان يعمل للوجاهة، وآخر رياءً وسمعة ومصلحة  الذيب لا يهرول عبثاً وفيه من السلب ما يكفيه وزيادة  هذا منطق الجبناء الفاشلين المفلسين اترك مَن عنيتَ وكن وجيهاً أو كيفما شئتَ واعمل بعيداً عن هذه العناوين إن كنت صادقاً فيما تحدثتَ به احبس لسانك عن النيل من الآخرين ودع أفعالك تتكلم ولك ألف شكر وتحية وتقدير مصلحاً في مجتمعك أخير من صالح فيه “وإن كان الأخير مطلوباً” ولكن ماذاك إلا لمرض في قلبه وحسد منه أو لنقصان فيه وإن صح بعض ما يقول عليه التصحيح لا التوبيخ في المجلس خصوصاً بين البسطاء ولحلاوة منطقه ينصت الحاضرون له إذا تكلم ظناً أن ما يقوله صحيحاً لثقتهم به يرى في نفسه كبر مكانته بينهم وأن قول المتنبي:

أنا الذي نظر الأعمي إلى أدبي

أسمعت كلماتي من به صمم

يعنيه وما علم من جهله أن قوله يجانبه الصواب في كله أو أغلبه أو لا يمكن تطبيقه هنا وإن طُبق في غير مكان واستحسنوه لعدم معرفته وتخصصه فيما تكلم به ولغيابه الحقيقي عن مجتمعه وما يعانيه يقول ما لا يفعل ويريد من غيره فعل كل ما يقول يُطالِب مَن يخدم حاجاته الخاصة تطوعاً وهو في جحر متخفي وكأن له عليهم حقوقاً  في مواقف الأزمات أو عند احتياجات المجتمع لخدمات  مستجدة أو الدولة لم تعتمد مشاريعها لرؤية عدم حاجة إليها في الحاضر أو تكون غير ملتفة أحياناً كما هو الحال في بيوتنا كم من نقص لو لم نُنبَه إليه ويُطلب منا لم نعلم به هنا نسمع ثرثرة البعض يستعرضون شرائح المجتمع العاملة بأنهم لم يفعلوا لبلدهم أو يطالبوا بما ينقصهم وأنهم فرضوا أنفسهم على المجتمع دون أدنى فائدة  ويتساءل مَن فوضهم؟ وأنت مَن فوضك تكيل الشتائم للخيرين؟  وعلى الدولة أن تفعل هذا وما فعلت ذاك ما المانع أن تكون عين الدولة الناظرة لشعبها بإخلاص وتطالب لمجتمعك أو تنضم للمطالبين بالطرق السلمية المشروعة.

لكنه ديدن الفئة المنطوية على نفسها المتقوقعة تحت سواد ظلها إلا من أحاديث الحمقاء في المجالس وتعطيل أيدي من يعمل بدلًا من الوقوف معها وإن طُلبت منه خدمة اجتماعية هو قادر عليها يرد بأسوأ الكلمات والمبررات الواهية من هنا:

أولًا: يجب ألا نتكلم فيما لا يعنينا أو ما هو خارج عن تخصصنا وما لا يمكن فعله أو استحالته ودون دراسة جدوى فوائده ولا نترك الأهم ونقدم المهم عليه.

ثانيًا: نحن اليوم في عصر الخصخصة العلمية وكل تخصص  فيه تخصصات سابقًا الطبيب يعالج كل الأمراض “أنا من أدرك ذلك” اليوم طب العيون مثلاً تخصص وفي أجزائها تخصصات وهكذا في الفقه واللغة والقانون والأنظمة والشبكات العنكبوتية والصناعة وعلوم السياسة والمالية والأمنية والحروب والقائمة تطول فلا تقحم نفسك في كلها وتكلم الناس بما لا معرفة لك فيه.

ثالثًا: أن ندعم أقوالنا بأفعالنا بدلًا من أن نلوم من يتطوع أو ننسب له التقصير بعد بدله وقته وجهده وماله وتُصَوب سهامُ الحاقدين إليه خصوصاً للقائمين بأعمال الجمعيات واللجان الخيرية التطوعية علينا أن نسعى إليهم ونشكرهم على جهودهم ونستقرئ معهم أوضاع واحتياجات البلد ونواقصه فقد يغفلون عن بعضها وننبههم أننا محتاجون أن نساعدهم بوضع أيدينا بأيديهم ندعم مواقفهم ولو معنوياً وما يخص المطالبات الرسمية بدلاً من كلام غير مفيد في المجالس أن الدولة يجب أن تفعل وما فعلت نتوجه عبر القنوات الرسمية للمطالبة بها، مكاتب المسؤولين مشرعة إذا لم نستفد من القريب نرفع أمرنا لمن يرأسه ومن يرأس من يرأسه نحن في دولة قانون ومؤسسات مفتحة الأبواب وما ضاع حق وراءه مطالب، فإذا كان ما تطلبه حقًا فلابد من يوم تحصل عليه ولو بالتكرار والإلحاح وإن لم يكن الكل فالبعض ولو بعد حين، أما جلوسك في أزقة البلد الضيقة ومجالسها المغلقة وكلامك المدمر لغيرك وملامتك ولأفعال منك تذكر. تنتظر من يخدمك أو تنزل عليك مائدة من السماء تأكل منها ما لذا وطاب  هذا لا يستحسن إطلاقاً الحاجة كما هو الحال عند طلب الرزق لا تحصل عليه وتجده إلا بالسعي والمتاعب وقد لا تجده أحياناً أما ما تفعله هذا فكلام عليه من الدنيا سلام.



error: المحتوي محمي