لا يكاد يمر يوم أو حتى بالكاد ساعة إلا ويصلني، وأظن أنه يصلك أيضًا، مقطع مصور أو مسجل أو مادةً مكتوبة من صديق رآها وأساءت له ولم يحتمل السّم فقرر أن يبعثها لغيره أيضًا!
هي نتيجةٌ حتمية تقتضيها الطبيعةُ البشرية أن يشركَ الإنسان غيره فيما يُفرح ويحزن ويكدر صفو الحياة وأن يعززَ قناعاته ويشد عضده بغيره، لكن في مثل هذه الحالات من الأفضل أن ندفن هذه المواد السامة والخبيثة تحتَ الأرض حالما تصلنا ونشم رائحتها الكريهة ولا نشاركها غيرنا. فهل يخطر في بالك أنك إذا تذوقت وجبةً فاسدة فعليك أن تطعمها أهلكَ وأصدقاءك أيضًا؟
في الدنيا آراء وأفكار يمكن مقارعتها بالفكر والأخذ والرد، وفيها ما لا يستحق النظر فيه ولا الرد عليه فهو لا يعدو ما قال عنه الشاعر قديما:
قد جلّ قدرُ الكلبِ إن كانَ كلما
عوى وأطالَ النبحَ ألقمتُه الحجرا
ولعل أفضل خدمة يقدمها أحدنا لمغفلٍ أو جاهل أن يجعل مادته السامة وبضاعته البائرة والكاسدة تلقى رواجًا من الأحرى والأولى به أن يرميها في القمامة. ثم إنه جزمًا إن مثل هذه المواد لا تسمم الفكرَ فقط، بل تسمم البدن وتراكم فيه العلل دون أن ندرك. فهل قيمتها تساوي هذا العناء؟ صاحب الفكر التافه يستخدم هذه المواد للتنفيس عما بداخله، لكنه يبعث في الغالب موجات لا تنتهي من التوتر والضغوط لمن يتابع هذه المواد.
إذا، من الأفضل ألا نضيع أوقاتنا الثمينة وأعمارنا النفيسة في تضخيم التفاهات والتافهين فالعمر أقصر وأثمن بكثير من أن نبادله بأرخص الفكر، وهذه المواد لا تحصى ولا تنقطع في زماننا إلا إذا لم تجد من يشتريها ويرغب فيها.