
واجهَ الحياة كما واجهتهُ، وقالَ للمستحيل: مرحبًا، بعد أن انقلبَ بهِ الحالُ رأسًا على عقِب، لم يستسلم للمرض ولم تقعدهُ إصابته في ظهره في موقع عمله، لقد كانت متاعبهُ حقيقية لا وهمية كما يتخيّلها البعض، ووجدَ نفسهُ في ميدان الحياة يُقاتل صعوباتها ويثبت نفسهُ من جديد، بعد أن كان يعيش حياةً مهنيةً ناجحة في إحدى شركات البترول.
ولأنّ حسن عبدالله آل إسماعيل لم تكن لديهِ مواهبَ مدفونة يعيدُ إحياءها، فقد قررّ خوض المغامرة في حرفةٍ لم تكن تعرفهُ ولا يعرفها، فامتهنَ فنّ الأركت scroll saw art؛ لينتجَ في 6 أعوام الكثيرَ من المجسّمات والحرفيات مستلهمًا من الفانين والمبدعين في مجاله، وليصبحَ هو أيضًا طاقة من الإلهام لكل من يجعل المرض أو الفشل قيدًا حياتيًا.
عودة للزمن
عمِل آل إسماعيل المنحدر من منطقة سنابس بإحدى الشركات المتخصصة في مجال البترول لـ9 سنوات سابقة، إلى أن تعرّض لإصابة عمل أصيبَ بسببها بانزلاق في الظهر وأصبحَ مرضهُ مزمنًا، ممّا اضطرّهُ لترك الوظيفة بسبب عدم قدرتهِ على الاستمرارِ في عمله.
الأركت
فارقَ عملهُ، ووجدَ نفسهُ بلا مصدر رزقٍ لهُ ولعائلتهِ، ولم تكُن بين يديهِ أيّةَ هواياتٍ تُذكر، حتى نهاية 2015م، حيثُ بدأَ في فنّ الأركت وهو فنّ حفر النقوش والرسومات على الخشب، فصنعَ أولَ عمل من أعمالهِ وكان عبارة عن ميدالية من حجر الدومينو، وفي وقتِها كانت نفسهُ هي الداعم الأول والأخير لهوايتهِ التي بدأ اكتشافها، في وقت كان أصدقاؤهُ وأهلهُ في زاوية الرفض ينظرون إليه بعينٍ غير راضية عن هذه الأعمال التي شرعَ بتنفيذها، واعتبارِها مضيعةً للوقت.
تفريغ طاقات
وحول الأسباب التي دفعتهُ لهذا الفنّ دون غيره، تحدّث آل إسماعيل لـ«لقطيف اليوم» قائلاً: “فن الأركت هو فنٌ قديم من أيام الفراعنة، ومنتشرٌ في أنحاء العالم، وقد تطوّر بتطوّر الآلات الحديثة، ولايزال الناس يستخدمونه يدويًا إلى يومنا هذا”.
وأكمل: “لقد دفعتني ظروفي الصحية وعدم استطاعتي مزاولة أي وظيفة لهذا الفن حينها، فقد وجدتُ في النقش والرسم على الخشب تفريغًا لكلّ الطاقات السلبية، حيثُ أشعرُ بالراحةِ بعد الانتهاء من أيِّ عمل أقوم به، وحينَ أحوّل كلّ قطعةٍ خشبية إلى فنٍ جميلٍ نابضٍ بالحياة”.
وتابعَ: “لقد طوّرتُ مهاراتي لهذا الفن وتميّزت بتعدّد منتجاتي، وقد استلهمتُ بعض الأعمال التي تشابه أعمالي ممّن كنتُ أتابعهم من حرفيي هذا الفنّ، وأقوم بتطويرها وإظهارها بأجملِ صورة”.
أخشاب نادرة
يستخدم آل إسماعيل لهذا الفنّ الأخشاب النادرة للأشجار المحلية والمستوردة، ومنها الأخشاب الإفريقية والأوروبية؛ كخشب الزان والصنوبر والماهوجني وخشب البادوك والونقي والكثير من الأخشاب الجميلة والمميزة.
ويحتاج لحفر الخشب إلى؛ جهاز السكرول ساو الكهربائي الذي يتمّ التحكُّم بهِ يدويًا، وبعض الآلات يمكن توفيرها، وبعضها الآخر يصعبُ اقتناؤه؛ بسبب عدم توفّرهِ، أو سعره باهظ الثمن، وأحيانًا تكونُ الصعوبة مع هذا الفنّ في توفّر بعض الأدوات أو الخامات المستخدمة فيه.
ويؤكد آل إسماعيل أن هذا الفنّ لا يحتاجُ إلى شيءٍ بقدرِ ما يحتاجُ لشخصٍ صبور، كما يتطلّبُ تركيزًا ومكانًا هادئًا، والأهم أن يعملَ بمهنتهُ في راحة نفسية يهيّئها قبل البدء في عمله.
من الصفر
ويبدأُ أعمالهُ الخشبية كالمجسّمات والأسماء بالعملِ عليها من الصفر، وذلك بتوفير قطع الخشب وتنظيفها وقصّها؛ للحصولِ على السُمك المطلوب للعمل.
ويتمّ تجهيز المخطوطة بعد ذلك لدى الخطاطين والمصممين، حيثُ تستغرقُ منهم الكثير من الوقت، بعدها يقوم بتفريغها بالخشب بماكينة السكرول ساو، إلى أن ينتهي منها، ليقوم بعدها بالصنفرة ووضع الزيوت الخشبية عليها، وهذهِ العملية تأخذُ منهُ قرابة الأسبوع وأحيانًا أكثر من ذلك.
أول مجسّم
أنتجَ أولَ مجسمٍ، وكانَ نقشًا لاسمٍ هديةً لأحد الأصدقاء، ومنها اكتشفَ أنّهُ متمكّن أكثر في هذا المجال، ثمّ صنعَ الكثير من المجسّمات والمخطوطات، وأغلبها كانت لأصدقائهِ، ولم يحصِ بعضها ولم يتم توثيقه.
وكانت أحبّ الأعمال إلى قلبهِ مخطوطةً عمِل عليها، وهي بخطّ الطغراء بخشب البادوك الإفريقي وخشب الزان الإيطالي.
أعمال وأسعار
ينتجُ آل إسماعيل الكثير من الأعمال؛ فمن أعمالهِ المخطوطات، وتجسيم الخط العربي، وتفريغ صور البورتريه، والتعليقات والميداليات والمجسّمات والدروع الخشبية.
ويعملُ كذلك في فنّ الطباعة على الخشب بطريقة الترانسفير، والحرق بالليزر وعمل المباخر الخشبية وأعمال الريزن، والكثير من الأعمال الفنية والتشكيلية.
ويتحدّد سعر المجسّم أو المنتج بحجمهِ وكمية تفاصيلهِ والوقت المتوقع لإنجازه، ويتميّز كلّ عملٍ عن غيرهِ بالتشكيل وتطعيم المخطوطة أو المجسّم بعدة أنواع من الخشب، والاهتمام بكلّ تفاصيلهِ ليصبحَ جميلاً ومتناسقًا ومتميزًا عن باقي الأعمال.
مزايا وعيوب
ويوضّح عيوب ومزايا هذا الفنّ فيقول: “يمتازُ هذا الفن بمزايا عديدة، منها القدرة على العمل في أيّ مكانٍ في المنزل، وسرعة تعلّمه وإتقانه، كما لا يحتاج لأخذ كورسات ودورات تدريبية، إنّما يحتاجُ إلى صبٍر وسعةِ بال، وأن تكون للعامل عليهِ نظرةً فنية؛ لإخراج العمل بأجمل شكل”.
ويكملُ: “أمّا عيوب هذا الفنّ إن صحّت تسميتها عيوبًا، فهي عدم توفّر بعض مواد الخام والأجهزة المستخدمة فيه”.
ويتابع: “وبالنسبة للصعوبات فكانَ من ضمنها التعامل مع برامج التصميم، فكلّما تطّورت الأعمال كان لابدّ أن نتعلّم أكثر عن برامج التصميم، ومن الصعوبات الأخرى كذلك تصميم المخطوطات والاستعانة بالمصممين والخطاطين”.
فاب لاب
شاركَ آل إسماعيل بمشروعهِ “فوتو ستايل القطيف” في مهرجان واحد، وهو فاب لاب القطيف لمدةِ يومٍ واحد، لكنّهُ لاقى الكثير من تفاعل الناس وإعجابهم بالمشروع، الذي قامِ في بدايتهِ كهواية، والهواية رياضة الروح على حدّ رأيه.
ويلقى مشروعهُ دعم وتشجيع بعض الفنانين المتألقين في هذا الفن، الذين لاحظوا أنّهُ استطاعَ اللحاقَ بهم، والوصول لمستوى أعمالهم في وقت قصير جدًا، فكُلّ ما أنتجهُ من أعمال كانت بإتقان.
شعارات
ويُبدي استعدادهُ لتنفيذ أي شعارٍ خاص بالمحلات والمقاهي بالخشب الطبيعي أو بالخامات الأخرى كالأكريليك والبلاستيك وغيرها من الخامات المختلفة، ويلقى عملهُ تجاوبًا رائعًا من الناس مع هذا الفن، فكسبَ ثقة الناس والزبائن، بإرضائهم في كل عمل كانوا يطلبونهُ منه حتى ولو كان عملاً بسيطًا بسعرٍ قليل.
تركز جلّ اهتمام آل إسماعيل في أن يخرج كل أعمالهِ بأجمل شكل ممكن، ليثبت بكلّ قطعةٍ فنية أنتجها أنّ الاستفادة من التجارب وتذليل الإعاقات والمشقّات هي قصة نجاح على اليأس الذي ينخر في الروح ويدمرها.