بناء بيئة تتحدى العنصرية والجهل الثقافي

المشاهد الفاقعة تحرك البصيرة نحو التبصر بعمق، وتأخذ بالتفكر حيث المنطق والقبول، في مشهد عائلي تفاعلي تربوي، ناولت الأم طفلها -الذي لم يبلغ السابعة- كوبا من العصير، لكنه وضع الكوب على طاولة الطعام رافضا شربه قائلا: هذا الكوب لونه وردي، وأنا لا أشرب في أكواب الفتيات.

قبل أن تتحدث الأم وترد على طفلها، بادر أخوه البالغ من العمر 10 سنوات بأخذ ذات الكوب الوردي وشرب العصير قائلا: أنا صبي وأشرب العصير في الكأس الوردي، لأن جميع الألوان يمكننا استخدامها ولا يوجد لون محتكر لجنس دون غيره.

هذا المشهد يُرسِّخ صورة من صور المساواة بين الجنسين، ونموذج واقعي تتكون من خلاله هوية الطفل الممتدة عبر مراحل النمو والنشأة، وكما تشير الدراسات التخصصية في مجال الطفولة المبكرة أنَّ هوية الفرد تتكون من بنيتين معقدتين: الأولى هي الهوية الشخصية، أمَّا الأخرى هي الهوية الاجتماعية، أمَّا الهوية الشخصية هي ما يمكن أن يفعله الطفل وكيف يشعر حول كيفية القيام بذلك، الكفاءة والفعالية الذاتية تشمل الهوية الاجتماعية العرق والجنس والعرق واللغة، ومن هنا نستشف بوعي ما هو مهم، وهو أنه يجب علينا معالجة كل من هذه البنى، لأن كليهما حاسم ومنفصل.

أمَّا فيما يتعلق بالعنصرية، هي مشكلة خلقها وكرَّسها الكبار، وليس الأطفال، إذ لا يتعلم وينهل الأطفال بنفس الطريقة التي يتعلم بها الكبار، فليس تعليمهم عن المساواة والإنصاف، بذات الطريقة التي نعلم بها الكبار.

فإدراكنا أنَّ آراء الأطفال حول العالم من حولهم بسيطة وغير دقيقة إلى حد كبير، يجعلنا نحمل مسؤولية البدء بخطوات أولى لفهم واستيعاب عمليات التفكير التي يشتغل بها الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث تتكون رؤاه ومواقفه حيال العناصر من حوله.

ووفقا لدراسات وبحوث عالم النفس السويسري Jean Piaget ذائع الصِّيت في مجال البحث والدراسة المتعمقة في عمليات التفكير عند الأطفال، إذ يبني الأطفال واقعهم الخاص، بناء على التفاعلات الملموسة مع بيئتهم ومحيطهم العائلي والدراسي والمجتمعي، ثم يستخدم الطفل هذه التجارب لإنشاء مخططات أولية، نموذج أساسي حول كيفية عمل العالم من حوله.

ومع تجارب إضافية، أصبحت هذه النماذج أكثر تعقيدا، حتى تصل بعد تلك المرحلة إلى الدقة وتحديد قوالبها، وكلما كان المفهوم أكثر تعقيدا، استغرق تطويره بالكامل وقتا أطول.

وفي مرحلة تالية، نصل لمرحلة كيف يطور الأطفال التفكير الأخلاقي لهم، من المؤكد، لا يفهم الأطفال الصغار مفاهيم معقدة مثل العدالة والعنصرية والمساواة والكلمات المستخدمة لتمثيلهم، بيد إنهم يفهمون العدل والعنف والغضب والاستبعاد والتسلط، وهم يفهمون بعمق ويلاحظون الاختلافات الجسدية مثل لون البشرة وشكل العين واللهجات واللغات وما إلى ذلك.

ووفقا لدراسات العالم الأمريكي Lawrence Kohlberg، يجب أن يتقدم الطفل من خلال عدة مراحل، بدءا من القياس الذاتي «ما هو جيد بالنسبة لي هو جيد للجميع» وانتهاءً بفكرة ناضجة عن التفكير الأخلاقي وصراع الانصياع للقواعد الاجتماعية وقواعد السلطة، فينمو الاستدلال الأخلاقي، من خلال محاولة تحديد الفرق بين ما هو صحيح وما هو خطأ وغير مقبول باستخدام المنطق، فهو عملية مهمة ويومية غالبا يستخدمها الناس في محاولة للقيام بما هو مقبول من عدمه.

وعلى سبيل المثال، مواجهة إشكالية الاختيار بين الكذب من عدمه في موقف ما، ويتخذ الطفل قراره بالاستدلال على قيمة فضيلة السلوك وموازنته مع عواقبه.


المصدر: آراء سعودية



error: المحتوي محمي