من البحاري.. الزيداني نذرت نفسها لخدمة المجتمع.. ووقفت خجلًا أمام عطاء زوجها

كسرت القاعدة، فلم تكُن امرأةً تقفُ وراء نجاحِ رجلٍ عظيم، بل كانت هي العظيمةُ التي لا يقفُ وراء نجاحها أحد، حتى أضحت السيدة القدوة للنساء في مجتمعها، سخّرت وقتها مكافحةً من أجلِ مجتمعها، واغتنمت الفرص ما استطاعت؛ لتترك السيدة علوية السيد إبراهيم الزيداني بصمتها في صفحاتٍ تُكتب بماء الذهب في جميع الأنشطة الاجتماعية والثقافية والعلمية وخدمة المجتمع.

تأثير الوالدين
نشأت الزيداني المنحدرة من منطقة البحاري بالقطيف، ابنةً كبرى في بيئة غنيةٍ بالعمل التطوعي والاجتماعي، حيثُ أخذت وتعلّمت الكثير من جوانبِ حياة والديها، وكانَ أكبر تأثُّرها بوالدها المرحوم السيد إبراهيم، لكونهِ رائداً في الأعمالِ الاجتماعية والتطوعية، وقد اهتمّ والدها بتربيتها، لدرجة أنّهُ كان يأخدها معهُ في الاجتماعات الخاصة بمكتب الجمعية الخيرية بالبحاري قبل تأسيسِ لجنة التنمية.

كما كانت ترافقهُ لصلاةِ الجماعة وزيارة الأهل، بالرغمِ من أنّ ذلك الوقت كان يعيبُ على البنتِ الخروج من المنزل والاختلاط.

لقد عايشت أجواء الأنشطة الاجتماعية والتطوعية التي يمارسها والدها عن قرب، فكان يجلسها بقربهِ في مكتبِ الجمعيةِ الموجود في ذلك الوقت ليلاً؛ ليشجّع الناس على القدومِ والاشتراك في العملِ التطوعي، حيثُ حرص على استغلال الوقت في ممارسةِ النشاط الاجتماعي، لتكبر العلوية وبداخلها امتدادٌ لأثرٍ طيبٍ على نفسها، إضافةً لما غرستهُ والدتها فيها من جديةٍ واجتهاد في دراستها وحياتها بصورةٍ عامة، فكلُّ شيءٍ لديها كان لهُ أصولهُ وقواعدهُ التي تربّت عليهم.

مراحل الدراسة
درست في المدرسة الإبتدائية بحي الوسادة بالقطيف، وعند انتقالها إلى المرحلة المتوسطة انتقلت إلى المدرسة المتوسطة الثالثة بحي الجزيرة، بعدها طرقَ النصيبُ باب الدار، فتزوجت في سنٍّ صغيرة حيثُ كانت في الخامسة عشر ربيعاً، ومعَ الإنجاب انقطعت عن الدراسةِ لصعوبة التوفيق بين البيتِ وتربيةِ الأطفال.

كانت الرغبة شديدةً حينها موجودة لمواصلةِ الدارسة، وبعد إنجابها لأربعةٍ من الأطفال عزمت وبإصرار على الاستمرارِ في الدراسة، حيثُ أصبح التوفيق ملازمًا لها، ورغم التعب والعناء واصلت دراستها الثانوية، لتلتحق بعد تخرّجها بجامعةِ الملك عبدالعزيز بجدّة وتحصل على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع.

مصدر طاقة
وجدت الزيداني في زوجها السيد حسن الشريف أبو علوي، سندًا حياتيًا لها في الحياة، فقد أعطاها إحساسًا بالأمان والحماية والقوة، ومصدرَ طاقة وتحرُّك لخدمةِ المجتمع، فقد كان كالجُندي الخفي الذي يعمل من خلفِ الكواليس، ممّا يجعلها في الكثير من الأحيان تخجلُ أمام عطائهِ اللامحدود في سبيلِ استمرار ونجاح خدمة بلدتهم الغالية.

ذكريات
تحفل ذاكرتها بالكثير من الذكريات الجميلة واللحظات الرائعة التي لا تعوض، ولعل أكثر ذكرياتها المؤثرة تأثيرًا عميقًا وجميلاٍ هي مرحلة الطفولة، فصدى القرآنِ الكريم في منزل والدها  لفتيات قرية البحاري مازال يرنّ في أسماعها، وقد أثمرت تلك المجالس الروحانية التعليمية علاقةً وطيدةً، ورسمت أُخوةً صادقة بينها وبين فتيات قريتها، واستمرت إلى وقتنا الحالي بذكرياتها الممتعة.

الدافع
أوضحت الناشطة الاجتماعية الزيداني عن الدافع لتوجهها إلى مجالِ الأعمالِ الاجتماعية والخيرية لـ«القطيف اليوم» قائلةً: “الطموح هو المحركُ الأساسي الذي يجعلنا نحلُم و نعمل في كلِّ الاتجاهات، وقد كان لديَّ طموحٌ عالٍ لإثبات ذاتي، حيثُ دخلتُ في المجالِ العملي منذ عام 1421هـ كمديرةٍ لروضةِ الإبداع بالبحاري، وكان ذلك بطلبٍ من الناشطِ الاجتماعي الأستاذ مبارك الميلاد رئيس لجنة التنمية السابق.

وتابعت: “وفي الوقت ذاته مسكتُ رئاسة اللجنة النسائية في العام 1433ھ، وترسّمتُ في وزارةِ العمل والتنمية الاجتماعية كـأخصائية ضمان اجتماعي، وواصلتُ فيها لـ7 سنوات، وفي شهر جمادى الأول من سنة 1440ھ تم ترشيحي لفرع الوزارة بالمنطقة الشرقية، للانضمام لإدارةِ تنمية المجتمع بمسمّى”رئيسةُ العمل التطوعي والشركات المجتمعية بالمنطقة الشرقية”.

الصعاب
بدأت حياتها كأيةِ سيدةٍ تهتمُ ببيتها وعائلتها، لتوسّع دائرتها فيما بعد إلى سيدةٍ مؤثرة في مجتمعها؛ لتنتقل من مركز مسؤول إلى مركزٍ مسؤول آخر، حتى استطاعت أن تكون نموذجاً مشرفًا لبناتِ مجتمعها، وكافحت فحصدت نجاحًا يؤهلها لتكون امرأةً قياديةً.

لكنّ طريقَ النجاح لم يكن سهلاً و معبّدًا، بل كان مليئًا بالمغامرات والمصاعب والتحديات، لكنّ نظرات الفخر والإعجاب بعيون زوجها وأبنائها جعلتها تصمدُ في وجهِ المشقات لتحقيق حلمها في خدمة مجتمعها، بل أقدمت بكلّ إصرار؛ لتؤكد للجميع أنّ المرأة ليست حبيسة جدران أربعة، وحياةً مرفهة، وتفكيرًا محصورًا في تطوراتِ الموضة والجديد في عالم المرأة.

وطمست تلك الرؤية المغلوطة لتثبت أنّ المرأة تفوقُ قدرة الرجال في العطاء والسخاء وفي المساعدات الإنسانية والمشاركات التنموية جنبًا إلى جنب أخيها الرجل.

نصيحة
ونصحت الزيداني نساءَ مجتمعها، أن تَقدمَ المرأة لإنجازاتها بكلِّ ثقة، وتتأكدّ بأنّ ما صبرت لأجلهِ سوف يتحقق وتجني ثماره، فالرضا نعمة عظيمة والطموح للأفضل نعمة أخرى، والموازنة بينهما مطلوبة، كما وعليها الاهتمام بما تريدهُ هي، لا بما يريدهُ الناس، فرضا الناس غايةٌ لا تُدرك.

ولم تنسَ إسداء نصحِها لفتيات اليوم اللواتي هنّ جيلُ الابتكار، وصاحباتُ المواهب، وعليهنّ اغتنام وقتكن بصنعةٍ تخلدهنّ بالعطاء؛ لإنارة دروبهنّ ودروب الآخرين من حولهنّ، فالمرأة الناجحة تشعُّ بروحها التي لايمكن تجاهلها إن تحلّت بالعزيمةِ والإصرار والمثابرة على حد قولها.

مسك
وختتمت حديثها عن أهمية دراستها الجامعية في علم الاجتماع التي سخرتها في خدمة وطنها وأبناء مجتمعها بكل ثقة وجدارة، مع إخلاص النية والعمل لله، فما كان للهِ ينمو ويبقى، وهذهِ حكمتها في الحياة.

وقدّمت شكرَها للشموع المضيئة من بنات قريتها اللواتي لم تُبعدهُنّ الوظيفة ولا بُعد المسافة في سبيلِ خدمة البلدة، ووضعن بصمةً جميلة لها أثرُها وبريقُها اللامع في أعيُن الآخرين.


قالوا عنها
أشاد الأستاذ مبارك الميلاد رئيس لجنة التنمية المحلية السابق بدور المرأة في المجتمع، ودور الزيداني الرائد بالخصوص،  إذ قال: “لا يمكن لأيِّ مجتمعٍ تقديم تنميةً حقيقة إن لم يكن الدور التنموي للمرأة على رأسِ أولوياته”

وتابعَ: ابنة البحاري السيدة علوية الزيداني قامةٌ اجتماعيةٌ فريدة من نوعها وكبيرة بعطائِها المثمر والنجاح و العطاء اللامحدود على كافةِ الأصعدة، والتي من خلالها رسمت البسمة على شفاهِ أبناء المجتمع، فعلاً إنها سيدةٌ وقدوةٌ حسنة لجميع فتيات مجتمعها، وهي عميدة العمل التطوعي بالبحاري.

رأيٌ آخر
وأظهر الأستاذ عثمان حسن سويد رئيس لجنة التنمية المحلية جوانبًا من حياتها في المجال الاجتماعي والتطوعي، قائلاً: “السيدة علوية هي أول مسؤولة عن القسم النسائي في لجنة التنمية الاجتماعية، ولها الدور الكبير مع أخواتها أعضاء اللجنة في إنجازِ العديد من البرامجِ والأنشطةِ والفعاليات والتي من أبرزها الوقفة الصادقة والمشرِّفة مع إدارةِ اللجنة في إنشاءِ مبنى خاص للقرية الثقافية بمقرِ اللجنة، والذي يُعد فيه المتنفس الأهم والعنصر الكبير لإقامةِ أنشطة اللجنة بشكلٍ عام وبالخصوص الأنشطة النسائية المميزة”.

وأضاف: “كما وأُشير بأنّها من المربياتِ القديرات بروضة الإبداع، وتدرّجت فيها حتى أصبحت مديرةً لها، ووضعت أفكارها النيّرة حتى وصلت الروضة إلى ما هي عليه الآن من رقيٍّ وتطورٍ ملحوظ”.

وأكملَ: “وبفضلِ الله ثم فضلِ إدارتها الحكيمة تبلورت العديدِ من الأنشطةِ النسائية المختلفة، والبرامج الخدمية بالبحاري، كما حملت على عاتِقها تحفيزَ بنات البلدة على الالتحاق بالأسرِ الفقيرة والأكثر احتياجاً،  وكان لشريكِ حياتها وسندها في العملِ التطوعي زوجها السيد حسن هاشم الشريف الدور ُالكبير في البذلِ والعطاء”.



error: المحتوي محمي