خلال 10 سنوات في العوامية.. «غوّاص» استبدلت رداء التمريض بالطب.. ومارست التنظيم السياحي

بين الأرض والسماء تعملُ بحُبّ، تجمعُ بين نقيضين من العمل، فبينَ أروقة المستشفى وبردائها الأبيض تزاولُ عملها كطبيبةِ عامة بهدوء وصمت، وفي السماء تخرجُ شخصيتها المنطلقة كمرشدةٍ سياحية تبثُ بروحها المنطلقة الحماس والبهجة، والرغبة في تركِ كلّ المثقلات، وخوض مغامرةٍ جديدة في العمر لا يمكن نسيانها.

فقد دفعَ شغفُ السفر الدكتورة آسيا حسين غواص، المنحدرة من منطقة العوامية؛ للوثوق بلمبة فكرتها التي أوقدها كثرة سفراتها مع الأصدقاء؛ لتستغلّ هذا الشغف استغلالاً رابحًا، وتحزمُ أمتعتها للعديد من الدول، لكنّها هذهِ المرة ترافقُ الراغبين في قضاء أوقاتٍ ممتعةٍ في دولٍ جديدة عليهم.

تمريضٌ وجراحة
التحقت غوّاص بوزارة الصحة عام 1430ھـ، حيثُ عملت كممرضة لتسع سنوات تقريبًا، فكّرت خلالها بالالتحاق بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل “الدمام سابقًا”؛ لإكمال دراستها في الطب “تخصُّص طب وجراحة عامة”، مع مزاولة عملها بالتمريض في نفس الوقت، حتّى تخرجت قبل عام واحد، وتزاولُ عملها الآن كطبيبة في إحدى المستشفيات التابعة لوزارة الصحة بالرياض.

دخلٌ محدود
شغفت بالسفر مع الأصدقاء، فتولّدت لديها فكرةٌ للانطلاق في مشروعها الصغير مستغلةً كثرة سفراتها والمناطق التي زارتها في ذلك، وقد استهدفت في مشروعها من يرغب في السفر من ذوي الدخل المحدود، حيثُ لا توجد عروض مناسبة لهم، أو عروض سيئة للغاية من حيث السكن وغيره، فانطلقت بمشروعها السياحي قبل عامين، وهي لاتزال على مقاعد الدراسة، لتكون موظفة وطالبة ومديرةً لمشروعها الصغير في آنٍ واحد.

ترتيب
اقتصرت غوّاص في عملها بدايةً على ترتيب الرحلات الداخلية في المملكة دون الذهاب مع المسافرين، وذلك بحكم انشغالها بالدراسة والعمل، فلم تكُن تتمكّن من السفر إلا بالعطل الرسمية، ومن زيارات البلدان العربية التي نظّمتها مصر ولبنان، أمّا دوليًا فقد كانت سريلانكا والفلبين وفرنسا وتركيا وجهاتها المقصودة.

سيرلانكا
سافرت لأول مرة مع قروبها السياحي من صديقاتها إلى سريلانكا، حيثُ نظّمت الرحلة كاملة، وقد كانت زيارتها لها مسبقًا سببًا لاختيارها، حيثُ رغبت في إعادة كرة الزيارة من جديد؛ للتنقُّل في المناطق التي لم تتمكّن من زيارتها في المرة الأولى.

وبعد انطلاق المشروع كانت أنطاليا وجهتها المختارة؛ لأجوائها الجميلة حينها، حيثُ كان عدد الأفرادالمسجّلين في رحلاتِها التي تنظّمها أغلبيتهم متوجهين لأنطاليا فقرّرت مرافقتهم.

وتمتّعت بأطول رحلة في سيرلانكا؛ لأنّ عدد المناطق السياحية كثيرة فيها، والمسافة بينهم طويلة، ممّا يستدعي إعطاء كل منطقة حقّها بالتنزّه والاكتشاف، وبالمقابل كانت أنطاليا أقصر الرحلات وأجملها لديها، بينما احتلّت تركيا الرقم الأول بإعجاب السياح؛ بسبب التوجّه الكبير لها والتنوّع بالمناطق وتناسبِها مع العوائل وخاصة المحافظة.

اختيارات
تختارُ غوّاص المدن المختارة للسفر بناءً على عددٍ من الأسباب منها؛ الأجواء وإقبال الناس والعروض المقدمة من بعض الخطوط التي لها دورٌ بصنع الإعلان، وهي دائمًا تنصحُ الزبون وتقدّم لهُ ما يتناسب معه ماديًا، والأوقات المناسبة للسفر كموسم الصيف، وتجنُّب العطل الرسمية؛ وذلك لارتفاع أسعار الفنادق والطيران وازدحام الدول.

وتهمسُ بأذن المسافرين دومًا أنّ مجرّد السماع وحدهِ عن دولةٍ ما ليس كافيًا، ولذلك فهي تقدّم لهُم النصيحة والبديل الأفضل، والقرار النهائي يرجعُ لهم.

فكرة المشروع
وحول سؤالنا لها عن الصعوبات التي تواجهها في عملها من ناحية العمل أو السياح، قالت غواص لـ«القطيف اليوم»: “دعوني أعطيكُم فكرة لمشروعي البسيط، هناك شركات سياحية كثيرة ولكلّ شخص عروضه التي تناسبهُ، المرتفعة أو المنخفضة”.

وتتابع: “لكنّ فكرتي مختلفة عن الشركات السياحية، فلمَ أربط الزبون بسعرٍ معيّن؟ إنّني أضعُ أسئلة خاصة له، بعدد الأشخاص الذين سيرافقونه، والميزانية التي لا يرغبُ في تجاوزها، كي أستطيع تحديد الشيء المناسب له دون أن يتأثر اسمي بمتطلباته”.

وتضيف: “لا يمكنني مثلاً أن أحجز لشخصٍ فندق 3 نجوم في بعض الدول لعلمي برداءتها؛ فأمتنع عن ذلك إلا إذا كان الشخص مصرًا على فندق معين فيتحمّل نتيجة اختياره”.

وتابعت: “في بعض الأوقات يعطيني الزبون اسم الفندق الذي يرغب النزول فيه، ويصرُّ على ذلك؛ لكثرة مادحيهِ في مواقع الفنادق، فأحترم قرارهُ بعد تقديم النصح، وعندما يذهب ينصدم ويتواصل معي بأنه يريد تغيير الفندق، والأغلب يختار حجوزات غير قابلة للتعديل، كما يتأخر البعضُ على الطيران، ولا يستطيع الالتحاق، فيبدأ بصبّ جام غضبه عليّ وكأنني المذنبة”.

نفسيات
تواجهُ غوّاص الكثيرَ من نفسيات السيّاح، والعديد من المواقف التي لا يمكن نسيانها، وهي تسعى في عملها إلى تقبُّل نفسيات السيّاح المختلفة، وامتصاص الزعل والغضب منها، ومساعدتهم لإيجاد الحلول في حال تعرض أحدٌ منهم إلى مشكلةٍ ما.

وذكرت أنها صادفتها المواقف الجميلة والسيئة على حدّ سواء، فأجملُ المواقف كان مفاجأة السيّاح لها بالتنسيق مع إدارة الفندق في إحدى سفراتها؛ للاحتفال بعيد ميلادها، أمّا الموقف السيئ فهو قيام أحد الأشخاص بسبّها وتهديدها برفع شكوى عليها، بعد أن ألغي حجزهُ للطيران، وكان حجزهُ رخيصًا في أحد الفنادق غير المسترجعة، لكنّ الفندق لم يتجاوب معها، وانتهى الموضوع بخلوّ مسؤوليتها من ذلك.

بصمةٌ واختلاف
وجدت غوّاص في كل دولةٍ من الدول التي زارتها ما يميزها عن غيرها، فكل دولة لها طابع مختلف باختلاف الأجواء والفصول، فتقول بحسب تجربتها: “إن أردتَ لذة الطعام فتركيا بلا شك ستتصدّر القائمة وبيروت وبلغاريا، كما ستجد في بلغاريا عادات جميلة وغريبة متداخلة بين الشرق والغرب، حتى في لغتهم أيضًا، أمّا الفعاليات فالشهرةُ فيها للمدن لا للدولة، فشرمُ الشيخ مختلفة تمامًا عن القاهرة في مصر، وفعالياتُها متجدّدة من بحرية وبرية، وأيضًا منطقة نيس البحرية في فرنسا بها الكثير من الفعاليات، أمّا بالي في إندونيسيا فهي منطقةٌ تناسب العوائل وحديثي الزواج وفعالياتها كثيرة، وأغلى المدن هي مدينة كان في فرنسا، فأسعارها لا تتناسب مع ذوي الدخل المحدود أو المتوسط حتى”.

الأخلاق ثمّ الأخلاق

تروّض غوّاص نفسها على أخلاقيات الإرشاد السياحي، وما يتطلّبهُ من صاحبهِ ليكسب السمعة الحسنة والانتشار، فالأخلاق ثم الأخلاق من وجهة نظرها، ومحاولة إرضاء الزبون، وتوفير السبل للتواصل دائمًا هي مبادئٌ تشدّد على ذاتها بالتزامها، ولذلك تحرصُ كلّ الحرص على الاطمئنان عليهم يوميًا، والأخذ بملاحظاتهم في السكن والأكل وإشراكهم في الخطة السياحية؛ والأخذ باقتراحاتهم الجميلة بعين الاعتبار.

طبيية ومرشدة
استطاعت بجهدها وتعبها التوفيق بين عملها كطبيبة وبين الإرشاد السياحي الذي يتطلب التفرّغ نوعًا ما، وعن ذلك تقول: “أقوم عادةً بالتنسيق فقط للرحلات الفردية أثناء عملي، حيثُ يتم إعطائي المعلومات وأقوم بالرد خلال فترة معينة، أما الرحلات الجماعية فموسمها العطل والإجازات، ويتم التنسيق لها بمدة كافية لنشر الإعلانات.

وتابعت: لقد كانت البدايات صعبة جدًا لي، لأنها تحتاج مجهودًا كبيرًا، واكتساب خبرة علمية وعملية لإثبات قوتي في هذا المجال، وبالذات إذا كانت مقرونة بشيء آخر مثلما حدث معي، حيثُ كنت موظفة وأنا بمقاعد الدراسة، فكان لابُدّ من التنسيق والتعب وبذل المجهود لتحقيق حلمٍ زرع في داخلي منذ الطفولة، لكنّ نتيجة مجهودي أراها تتمثّل لي بكل الرحلات التي نظمتها”.

توثيق
وفي الختام، نوهت غواص بأنها تحرصُ على توثيق رحلاتها السياحية بالتصوير، وهي تتمتع بذاكرة جيّدة لكل صورها متى التقطت، ومن كان معها، مبينة أن أكبر أحلامها الآن هو افتتاح مكتب مختلف عن المتواجد بالسوق بفكرةٍ جديدة تحتفظُ بها لحين ظهورها.



error: المحتوي محمي