في «قل كيف عاش».. الخنيزي: والدي توّج بالاجتهاد في الـ27.. وأول من دعا للوحدة الإسلامية

خالفَ الشيخ العلامة عبد الله الخنيزي ما يراهُ بعضُ الناس في وقتنا الحالي من ضرورة حديث الإنسان عن جذورهِ حديثًا شخصيًا، موضحًا أنّهُ على خلافهم تمامًا في ذلك، وذلك في افتتاحيتهِ للحديث عن والدهِ الزعيم الديني القطيفي آية الله الشيخ علي أبو الحسن الخنيزي قُدّسَ سرّهَ الشريف، في أولى سلسلة حلقات “قل كيف عاش”، مع المدرّب محمد الخنيزي في مقطع “يوتيوب” مسجّل بثُّ على قناته “إضاءات معرفية”، تزامنًا مع ذكرى وفاة الإمام الخنيزي علي أبو الحسن رحمهُ الله التي توافق 21 ذو القعدة 1363ھ.

ولادةٌ مباركة
ذكرَ العلامة الخنيزي أنّ والدهُ قدّسَ الله روحهُ وُلدَ عام 1291ھ، وكان في ضيافة أبيه الحاج حسن الخنيزي في ذلك الوقت شاعرٌ عراقي اسمه محمد سعيد التميمي البغدادي، الذي سجّلَ ولادتهُ بأربعة أبيات شعرية عجيبة، وكأنهُ من خلالها استكشف الغيب بطيب هذا المولود وما توسّمهُ في ولادتهِ المباركة.

وبيّن العلاّمة أنّ جذور عائلة الخنيزي الطيبة ترجعُ إلى عبد القيس، أما والدة أبيه فهي ابنة العالم الجليل المجتهد في وقته والمرجع في البلاد حينها الشيخ علي آل عبد الجبار، وأخوه الحاج علي حسن، وهو من شخصيات القطيف وأصحاب العمل الخيري، وهو والد الحجة علي بن حسن علي بن حسن، فهو ابن أخ الشيخ العلامة، وأصبح صهر الشيخ عبد الله الخنيزي فيما بعد.

الدراسة الفقهية
وذكر أنّ والدهُ كانَ يميلُ للدراسة العلمية الفقهية منذُ نعومة أظفاره، ولكن لظروف غير معلومة لم يستطع تحقيق مبتغاه، وقد رغب والدهُ بإلحاقهِ بالتجارة فضاقت عليه الأرض بما رحُبت لحلمهِ بأن يصبحَ عالمًا، ممّا دفع والدهِ أن يرضخ لرغبته مبشرًا إياه بالدراسة في العراق، بعد أن تلقّى العلوم على يد علماء القطيف ومنهم؛ الشيخ محمد علي النهاش، والشيخ محمد علي آل عبد الجبار الذي ينتسب لأسرة أغلبهم علماء ولهم ثلاثة مؤلفات للرد على كتاب نصراني يتهجم فيه على الإسلام.

وأضاف: “ومنهم أيضًا الشيخ عبد الله بن الشيخ، وناصر بن نصر الله وابنه الشيخ علي، والشيخ منصور الجشي، والسيد حسين السيد هاشم العوامي الملقب بالعالم والذي درس عندهُ الأجرومية”.

وأردف: “كان تقديره لأساتذتهِ يفوق التصور، فالسيد حسين العوامي لم يكن على علمية كبيرة كما وصل إليها والده، لكنه كان يتنازل له عن مجلسه بدخولهِ عليه في أي مجلس تقديرًا وإجلالاً لأستاذهِ”، منوّهًا إلى أنه كان يعطي دروسًا صامتة للاحتذاء بهِ عند طلبة العلم في تعاملهم مع أساتذتهم.

دراسته
وقال إن العلامة أبو الحسن أكمل دراستهُ بعد ذلك في نجف العراق، حيثُ رافقه والدهُ في رحلته الأولى، ويسّرَ لهُ أموره بشرائه منزلًا ملكًا له، ثم رجع للقطيف، مشيرًا إلى صعوبة الحياة خلال دراستهِ، فلم يكن هناك كهرباء، وكانت الناس تعيش على الفوانيس أو على اللالات التي تتميّز بنور أقوى من الفوانيس، فكان يقضي ليلهُ في الدرس والمراجعة معتمدًا عليها، ويُؤتى له بالعشاء فلا يلتفت إليه، وإذا أخذتهُ الغفوة لاإراديًا، وسقط رأسه على الكتاب استيقظ وعاد للدرس ثانية.

مراجعٌ عظام
وعدّد المراجع العظام الذين تلقى والدهُ آية الله العلم على يديهم، ومنهم السيد أبو تراب الخراساني، كما درس على يد الإمام الشيخ محمد الآخوند الخراساني الذي توطّدت العلاقة والصلة معهُ بصورةٍ تامة، لدرجة أنه كان يزوره في بيته، وقد عرض عليهِ أولَ كتابٍ كتبهُ في الرضاع وهو من أصعب المسائل الفقهية، فأبدى الشيخ الآخوند تعجبَّهُ من الكتاب وقال: “بارك الله لكم، وكثّر الله من المسلمين أمثالكم”، مشيرًا إلى أنّ هذا الكتاب سيُعرض في مجموعة الإمام الخنيزي.

وأضاف: “ومن العلماء أيضًا الشيخ محمد تقي آل أسد الله، والشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة الأصفهاني، وكلّ هؤلاء المراجع أجازوهُ بالاجتهاد، فقد بلغ درجة الاجتهاد دون سعيٍ منه لذلك، وقد أخبرهُ الحجة حسن علي البدر بأنه يُحرم عليه التقليد لوصوله لمرحلة الاجتهاد،  وقد كان حينها في عمر السابعة والعشرين”.

ورافق العلامة في طلب العلم تحت منبر الشيخ الآخوند عدد من العلماء، منهم؛ السيد عبد الحسين شرف الدين والسيد محسن الأمين والشيخ محمد حسين كاشف الغطا والسيد أبو الحسن الأصفهاني، وكانت حركة الشيخ الآخونذ العلمية في ذلك الوقت عظيمة، ويعرفُ بدروسهِ وبحوثهِ حتى السقاؤون.

وأكمل: “بعد رجوعهِ من العراق كان يقول: أنا آسف على شيئين، أولهما فراق مرقد أمير المؤمنين، والثاني فراق أستاذي الآخوند، وبعد أن اختار الله الحجة الآخوند، قال: ذهب أحد الشوقين وبقي الآخر”.

أقوالهم عنه
قال عنه السيد الخوئي قدّس الله نفسهُ عندما قدّمَ له العلامة الشيخ عبد الله كتاب والده “المنسك” فعلق عليه قائلًا: “هذا جامعٌ مانع”، للدلالة على عظمتهِ، وفي تحقيق كتابه الاستدلالي الذي طبع بعدة طبعات، كانت بهِ بعض العبارات المغلقة التي يعرضها على السيد الخوئي، فكان فيقول: “يعلمُ الله أنّ بهِ علمًا كثيرًا لكنّهُ مغلق العبارة، ويقصدُ بهِ الموجز المضغوط الذي يحتاج فكًا وتعليقًا”.

وقد حصل على الثناء الكبير في مقدمة بعض كتب ومناظرات الشيخ محمد جواد مغنية، وخاتمة الخطباء الشيخ الوائلي قدّس سرهما.

وقال عنه الشيخ حسن البدر مقولتهُ الشهيرة: “لا يجوز تقليد غير الشيخ أبو الحسن في القطيف، فلا يجوز تقليد العالم بوجود الأعلم”.

عودتهِ للقطيف
وكشفَ العلامة أنه في عام 1329ھ عاد آية الله للقطيف وقد كان مجتهدًا حين عودتهِ ومقلدًا لنفسهِ بعد أن أخبره الشيخ البدر بحرمة تقليدهِ لغيرهِ، ومارسَ بعدها مهماتهِ الاجتهادية والقضائية، وأدار لولب الحركة العلمية، وكان كالمدرسة السيّارة فأينما حلّ في مجلسٍ أثار موضوعًا علميًا مع طلاب العلم، أو مسائل شرعية مع العوام.

تلامذته
ودرسَ على يديه عدد من العلماء منهم الحجة الشيخ علي الجشي الذي درس المقدمات والبحث الخارج، والعلامة منصور آل سيف الذي كان وكيلهُ في تاروت، وقد تعدّت العلاقة بينهما علاقة التلميذ بأستاذه الذي ارتبط بعلاقة وثيقة مع العلامة الخنيزي، حتى أصبحت علاقة بيتية يدخلُ فيها البيت مستئذنًا وإن لم يكن موجودًا، حيثُ كان وكيلهُ في تاروت، والعلامة فرج العمران، والشيخ منصور البيات، والشيخ محمد علي الخنيزي، والشيخ محمد صالح المبارك، ونجلاه الشيخ حسين والشيخ محمد سعيد.

مؤلفاته
وأشار العلامة لمؤلفات والده، ومنها؛ دلائل الأحكام في شرح شرائع الإسلام، الذي انتهج فيهِ منهجًا مختلفًا عن المعروف في عرض المسائل، حيثُ بدأهُ من المسائل العليا مبتدئًا بمسألة الرضاع وهي مسألة معقدة جدًا، وقد أعطى الشيخ عبد الله الخنيزي الشيخ مرتضى آل ياسين بعض الأجزاء المطبوعة منه لكتابة مقدمة، وقد ذكر الشيخ فرج العمران بشأنهِ قوله: “أنّهُ هويةٌ للفقه والأصول والمتكلم، وعلى وجازتهِ وصغر حجمه لو كمُلَ لكان خاتمة الكتب الفقهية”.

وتابع: “ومن مؤلفاتهِ كذلك المناظرات الكمالية، وقد علّق عليها الكثير من العلماء أيضًا، ومنهم الحجة الشيخ محمد أمين الذي وضع لها مقدمة، والحجة محمد طاهر آل شبير الخاقاني، وعميد المنبر الشيخ الوائلي ذكرهُ في إحدى محاضراته، كما كان لهُ مؤلفات أخرى منها؛ روضة المسائل، والمقدمة في أصول الدين، وعدة الحامل المتوفَّى عنها زوجها”.

وأردف: “ومن أشهر مؤلفاته كتاب “الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنة والإمامية”، الذي كان ردًا على كتاب السعودي الملحد عبد الله القصيمي” الصراع بين الإسلام والوثنية” والذي كان يتهجّم فيه على طائفة أتباع أهل البيت عليهم السلام، وقد كان العلامة أبو الحسن أول من دعا للوحدة الإسلامية، وذلك قبل ما يزيد على 80 عامًا، بأسلوب حوارٍ اتسم بآداب الحوار، وبسعة صدره ضدّ خصمهِ”.

خصائص
وأشار الشيخ لاختلاف خصائص مؤلفاته بحسب الموضوعات، فالكتابات العلمية الخاصة الاستدلالية، تختلف عن الرسالة العمليةً وتختلف عن ردودهِ وحواراته، فلكلّ موضوع أسلوبه الخاص.

ذاكرته
وأفصحَ عن الذاكرة القوية التي تمتّعَ بها والدهُ آية الله قُدّسَ سرّه، فكان يقرأ في شهر رمضان دعاء الافتتاح ودعاء الجوشن على منامه كامليْن دون الرجوع للكتاب، وهو في ذلك يشابه كثيرًا ذاكرة الإمام السيد الخوئي قدّس سرّه.

مرجعية الإمام
أسِفَ العلامة عبد الله الخنيزي عمّا حصلَ ويحصلُ في القطيف من كونها لا تحتضن أبناءها، وتئدُ العبقريات والفكر والمفكرين، فالطلبة في حياتهِ كانوا يرجعون بالتقليد لمراجع النجف، ثم استدركوا خطأهم بعد وفاته، فالعلامة أبو الحسن شهد له كبار العلماء بعبقريته وعبقرية فكره وكتاباتهِ المضغوطة ودقتها التي أخذها من أستاذهِ الآخوند.

الصراط المستقيم
وختمَ حوارهُ بقولهِ: “علينا أن نأخذ بسيرة علمائنا، المنهج المستقيم، وأن نقوم بالواجب ونلتزم بالواجبات الشرعية بل والمستحبات أيضًا، ونترك كل المحرمات والمكروهات، حتى يحفظ الله حياتنا ويحفظ لنا عقيدتنا، فما ينزل من بلاء وأوبئة إنما هي نتيجة عدم الانصياع والسير المستقيم على المنهج الشرعي الذي جاء به الحبيب من الفيض الأعلى دون له أدنى واسطة، غير واسطة المبلغ جبرائيل الأمين سلام الله عليه”.


فيديو




error: المحتوي محمي