ورد في نشرة ام أي تي تكنولوجي رفيو MIT Technology Review لشهر يونيو ٢٠١٠ م، التي تصدر عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، تعريف لمنجزات وأبحاث خمسة وثلاثين من الرواد الشبان تحت سن ٣٥ عاماً، سخروا علمهم وتحصيلهم الأكاديمي وتجاربهم وخبراتهم لمصلحة البشرية وخصوصاً الإنسان في بلدانهم والتخفيف عنه ورفع معاناته.
وقد بدأ اهتمامي بالاطلاع على النشرة المذكورة عندما وصلتني رسالة تحتوي الرابط الإلكتروني للنشرة من صديقي وزميل الدراسة الجامعية والمهنة والعمل المهندس مفتاح يحيى، ويلقي الرابط الضوء على تجربة المهندس الشاب محمد الضوافي، ذو الثمانية والعشرين عاماً، الذي أنشأ شركة كيور بيونكس Cure Bionics في بلده تونس لتصنيع الأطراف الصناعية عالية الأداء ومنخفضة التكلفة.
وقد رأيت من المناسب أن أسلط بعض الضوء على إنجاز هذا المهندس الشاب، فقبل أربع سنوات، وأثناء تحدٍ جامعي لاختيار مشروع تخرج ذي تأثير اجتماعي، عَلِمَ المهندس الضوافي أن ابن عم أحد أعضاء فريق البحث الذي يعمل به قد وُلِد بدون أطراف عليا وليس لديه القدرة المالية لتحمل تكاليف الأطراف الصناعية.
وقد وجد حاجة هائلة لهذا المولود وغيره من البشر ذوي الدخل المحدود لم تتم تلبيتها، إذ تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى وجود 30 مليون شخص مصاب بأطراف مبتورة في الدول الفقيرة، وأن 5٪ منهم فقط يمكنهم الحصول على الأطراف الصناعية، كما تشير الى أن تجهيز الأطفال بأطراف صناعية عالية الجودة أمر مكلف بشكل خاص لأنهم ينمون باستمرار، ومن دونها فإن مشاكل الحركة ستحرمهم من الالتحاق بالمدارس، مما يجعل الكثيرين منهم عرضة للبطالة مدى الحياة.
وقد تمكنت الشركة التي يملكها المهندس الضوافي من تصنيع منتج، يُعْتَقَد أنه سيساعد على جعل الوصول إلى الأطراف الاصطناعية المتقدمة أكثر سهولة، وهي بصدد وضع اللمسات الأخيرة على ذراع إلكترونية متعددة القبضة قابلة للضبط يتم بيعها بحوالي 2000 دولار فقط، وهو جزء صغير من تكلفة الأجهزة المماثلة، كما يخطط فريقه لخفض التكاليف عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد للمكونات الرئيسية وهندسة معظم الدوائر الإلكترونية الداخلية.
لكن هذا لا يعني إهمالهم للجودة، إذ إن النموذج الأولي لهذه الذراع الإلكترونية مجهز بأجهزة استشعار تسمح للمستخدمين بتشغيل اليد عن طريق ثني أو إرخاء العضلات في المتبقي من الطرف.
وتعمل الشركة أيضًا على تطوير خوارزميات لمساعدة الذراع على التعرف على الإشارات الكهربائية للجسم بشكل أكثر دقة، مما يقلل من الاعتماد على أخصائي العظام لإجراء التعديلات.
وتخطط الشركة في مرحلة لاحقة لتقديم سماعة رأس الواقع الافتراضي التي ستلعب دوراً كبيراً في عملية العلاج الطبيعي للأطفال، ويقول المهندس الضوافي: “بدلاً من أن يطلب منك الطبيب تخيل التقاط تفاحة، ستستخدم يدك للقفز بين مبانٍ كما يفعل الرجل العنكبوتي”.
ويقترب الضوافي وزملاؤه من إطلاق منتجهم الأولي، فقد اختبروا ذراعهم بالفعل على خمسة شبان وسيبدأون قريبًا تجارب في ثلاث مستشفيات، ويأمل في نهاية المطاف تقديم مجموعة من الأطراف الصناعية عالية الجودة وبأسعار معقولة للمحتاجين في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط والعالم.
ومن نافلة القول التأكيد أن لدينا كثيرًا من الرواد الذين سخروا علمهم وتجربتهم لخدمة البشرية وإنسان هذا الوطن على الخصوص، وتأتي في مقدمتهم الأيقونة العالمية الدكتورة حياة سندي، التي سخرت علمها وأبحاثها الأكاديمية في تكنولوجيا النانو للتقليل من تكاليف الفحوص المختبرية لاكتشاف الأمراض وسرعة الحصول على النتائج في المناطق الريفية النائية.
ونحتاج إلى إبراز تجارب هؤلاء الرواد ومنجزاتهم لتحفيز شبابنا وشاباتنا لمواصلة التحصيل العلمي وللارتقاء بمستواهم، كما نحتاج إلى دعمهم وتحويل أبحاثهم العلمية لمنتجات خدمة لوطننا المعطاء.