عن كواليس اللقاء الأول مع العلامة الشيخ الخنيزي

كان لهذه الحلقة قصة جميلة ومختلفة عن باقي الحلقات منذ بداية التنسيق لها وحتى الانتهاء من تسجيلها، فقد كان الوقت ضيقًا جدًا، حيث تم اختيار الحديث عن شخصية آية الله الإمام الشيخ علي أبو الحسن الخنيزي، قدس سره، في نفس اليوم الذي كان يصادف تاريخ وفاته، وهو اليوم الحادي والعشرون من شهر ذي القعدة، حيث قام الأخ سماحة الشيخ حسين الخنيزي بإرسال معلومات عن الإمام الخنيزي لي واقترح عليَّ استضافة العلامة الشيخ عبد الله الخنيزي، حفظه الله، للحديث عن والده خصوصًا كونه قد ألف كتابًا يؤرخ فيه حياة الإمام الخنيزي وهو بعنوان “ذكرى الإمام الخنيزي”.

ونصحني بالتواصل مع ابن العم قيس، وهو الابن الأوسط للشيخ عبد الله، فلم أتردد في طرق هذا الباب وفعلًا قمت بالتواصل بشكل مباشر مع ابن العم قيس وطرحت عليه فكرة استضافة والده العلامة الشيخ عبد الله للظهور على المنصة والحديث بشكل مباشر، فأعجب بالفكرة وأخبرني بأنه لن يقوم بالاتصال بالشيخ هاتفيًا وإنما سيقوم بزيارته وعرض الفكرة عليه بشكل مباشر.

كانت المفاجأة الكبرى عندما وصلتني رسالة على جوالي من ابن العم قيس فحواها: السلام عليكم ابن العم سماحة الشيخ ينتظرك غدًا في تمام الساعة الثامنة والنصف مساءً للحديث حول المحاور التي سيتم تناولها في اللقاء.

جلست أتأمل الرسالة لوقت طويل وأعيد قراءتها أكثر من مرة، لم أتمالك نفسي ولم تسعني فرحة قبول سماحة العلامة الشيخ عبد الله الظهور على المنصة، فقمت بالاتصال مباشرة بالأخ الشيخ حسين وأخبرته برد ابن العم قيس، وطلبت منه مرافقتي لزيارة سماحة العلامة الخنيزي، كان الوقت يمر بطيئًا جدًّا وكنت أنتظر هذا اللقاء مع العلامة الخنيزي للحديث عن المحاور المقترحة للطرح.

في نفس الأثناء، قمت بالتواصل مع الصديق الأستاذ رائد أبوعزيز لتجهيز التصميم على الهوية الجديدة للبرنامج “قُل كيف عاش؟”، حيث كان هو من يعد لي جميع التصاميم ويعينني على اختيار مواضيع الحلقات على المنصة والشخصيات المقترحة للاستضافة، بل يقوم في بعض الأحيان هو بالتواصل والتنسيق مع بعض الضيوف.

أخبرته بأن الاستضافة الجديدة ستكون لسماحة العلامة الشيخ عبد الله الخنيزي للحديث عن الإمام الخنيزي، حينما تلقى الخبر صَمَتَ قليلًا ثم قال: أبو علي أنا الآن مشغول ومصدع اترك عنك المزح وتكلم جد، ترى لو اللي كان متصل شخص ثاني ما كنت بارد، بس رديت عليك انت قلت أكيد تبغى شيء للحلقات، قلت له وأنا أضحك: سلامتك حبيبي بس أنا ما أمزح أتكلم جد وبكرة لقائي مع الشيخ في المساء وبيتحدد التاريخ، أنت جهز التصميم وانتظر مني فقط التاريخ، هكذا ختمت المكالمة مع الصديق رائد واستلقيت على الفراش وشعوري كان مختلطًا بين شعور السعادة وبين رهبة الحوار مع العلامة الشيخ الخنيزي أفكر كيف سيكون لقاء الغد؟

جاء الوقت الموعود وذهبت برفقة الأخ الشيخ حسين إلى منزل العلامة الخنيزي، كان في استقبالنا ابن العم ياسر، وهو الابن الأصغر لسماحة الشيخ عبد الله، جلسنا معه ما يقارب خمسة عشر دقيقة حتى حضر الشيخ المجلس، وكانت هذه الدقائق من أطول الدقائق التي مرت عليَّ في حياتي.

حضر الشيخ ورحب بنا وجلس في مكانه المعتاد وتبادلنا السلام وتجاذبنا أطراف الحديث عن الشؤون العامة، فجأة التفت إليَّ الشيخ وكنت جالسًا إلى جانبه وطلب مني إعطاءه ورقة المحاور التي كنت قد نسيتها في المنزل، احمر حينها وجهي وارتعدت فرائصي وأخبرته بأني نسيت الورقة وأن المحاور والأسئلة موجودة لدي في جهاز الجوال، أخرجت الجهاز من جيبي وكان معي دفتر ملاحظات كنت قد أحضرته لأسجل عليه ملاحظات الشيخ، فقمت بكتابة المحاور والأسئلة في الدفتر وقطعت الورقة وسلمتها له.

جلس سماحة الشيخ يتأمل فيها وأنا أترقب وأراقب تقاسيم وجهه ونظراته بدقة، ما هي إلا لحظات وإذا به قد رفع رأسه عن الورقة ونظر إليَّ وقال: هي كافية إن شاء الله، طلبت منه إضافة ما يراه مناسبًا فقال: أنت المعدُّ وأنا أراها جيدة ولو أحببت أن تضيف لها شيئًا فلا بأس في ذلك.

بينما نحن كذلك وإذا بجرس المنزل قد طرق، فذهب ياسر ابن الشيخ وعاد وأخبر الشيخ بأن الطارق هو محمد رسول الزاير، ابن أخت الشيخ الشقيقة، فطلب الشيخ منه إدخاله للحديث معه حول شأن خاص، وكانت فرصةً جميلةً الالتقاء به، حيث يعد من المهتمين بالتراجم والحافظين للتواريخ ومن العالمين بالأنساب وصاحب ذاكرة قوية في هذا المجال، كما كان أيضًا مهتمًا كثيرًا بسيرة جده الإمام الخنيزي، وهو المسؤول عن مراجعة “موسوعة الإمام الخنيزي” التي سترى النور قريبًا إن شاء الله تعالى، فطلبت منه أيضًا وضع بعض الأسئلة الإضافية، وفعلًا قام بذلك مشكورًا وزودني بها في اليوم التالي.

خرجنا من منزل سماحة العلامة الشيخ أنا والأخ الشيخ حسين بعد أن تم تحديد موعد اللقاء واعتماده وأنا بين المصدق والمكذب للأمر، كنت أحس بأن ذلك حلم وكنت خائفًا من الاستفاقة منه، حينها قمت مباشرة بالاتصال بصديقي الأستاذ رائد رفع الجوال فقلت: أبو عبد الله خلاص اعتمد يوم الجمعة الساعة تسعة الليل وارسل لي التصميم بسرعة عشان أرسله للسيد ماجد.

لم أنتظر وصول التصميم وقمت مباشرة بالاتصال بالسيد ماجد الشبركة لتغطية الخبر الإعلامي عن انطلاق فكرة سلسلة الحلقات الجديدة والشخصية المستضافة، فلم تتملكه الفرحة والسعادة بظهور سماحة الشيخ على المنصة، وقدم شكره على تخصيصي «القطيف اليوم» لنشر هذا الخبر، فأجبته بأن ما تقدمه الصحيفة من عمل كبير ومجهود جبار يستحق منا تمييزها بالخبر، وأشعرته بأني لن أقوم بوضع أي تصميم للخبر حتى في قنواتي الخاصة قبل الانتهاء من التقرير ونزوله في الصحيفة.

ما هي إلا ساعة وتم التواصل معي من قبل المحررة الصحفية الأستاذة معصومة آل حسين لأخذ كل التفاصيل وإعداد التقرير، في اليوم التالي نشرت صحيفة «القطيف اليوم» الخبر وكانت ردود الأفعال جميلة جدًا، تواصل معي حينها الصديق والأخ أبو محمد عبد الواحد آل إسماعيل وقال لي: أبو علي لا تنسيك فرحة ورهبة هذا اللقاء أمرًا هامًا وهو التأكد من شبكة الإنترنت، فمثل هذا اللقاء يجب مراعاة جميع الظروف والاعتبارات، وأكثر ما يفسد هذه اللقاءات سوء شبكة الإنترنت.

حينها قمت بالتواصل مع ابن العم ياسر للقيام بتجربة البث المباشر، وللأسف كانت تغطية الإنترنت لمنطقة سكنهم سيئة جدًا، سألته عن شبكات الإنترنت فأخبرني بأنهم يستخدمون الاتصالات وموبايلي، فقمت بالترتيب معه وأحضرت جهازًا لشركة زين علَّه يكون أفضل، وفي المساء قمنا بإعادة التجربة ولكن للأسف كان الوضع سيئًا، تواصلت مع أكثر من شخص خبير في ذلك، حتى تواصلت مع أحد الأحبة وأخبرني بأن ابن أخي السيد حسين يمتلك جهازًا قويًّا يستطيع أن يصل للأبراج البعيدة وأنه سيحقق الهدف المنشود إن شاء الله وأنه لا داعي للقلق.

سعدت جدًّا بهذا الخبر وأسرعت له للحصول على الجهاز لتجربته، وكان ذلك في يوم اللقاء، تواصلت مع ابن العم ياسر وذهبت له وقمنا بتجربة الجهاز فكان الحال أفضل من السابق ولكن لا يبشر بخير، حيث كان وصول الشبكة غير ثابت، مما يؤدي إلى تكسر الصورة، ما اضطرنا قبل وقت قصير من الحلقة لتغيير الخطة والبحث عن بديل، وهنا تم اقتراح تصوير اللقاء ومن ثم البث، حينها قمت بالتواصل مع أكثر من شخص ولكن بسبب ضيق الوقت وعدم توفر كل الأدوات اعتذر مني البعض وأخبرني الصديق محمد الشمالي بأنه سيحاول توفير الأدوات المطلوبة فقلت له: أنت شوف ويش تقدر تدبر وأنا بأكمل اتصالاتي.

حتى اتصلت بالأستاذ وائل الجشي لسؤاله عن كاميرته وإمكانية استعارتها، فذكَّرني بفريق العمل الجميل الذي عمل معنا في ملتقى “البراحة 2″، وهما الشابان المبدعان مصطفى آل سيف وعبد الله أبوعزيز، قمت بالتواصل مع عبد الله وشرحت له ما حدث وما أحتاج لإنقاذ الموقف، فطمأنني وقال: مو مشكلة عمو بارتب كل شيء مع مصطفى، هدِّي روحك وإن شاء الله الأمور بتظبط في أسرع وقت.

حينها تنفست الصعداء، وتواصلت مع ابن العم ياسر وأخبرته بقدومي وقدوم فريق التصوير، وأعلنت عن اعتذار بث الحلقة بشكل مباشر، وتوجهت لمنزل العلامة الشيخ عبد الله الخنيزي، وهو حتى هذا الوقت لم يكن يعلم بالتطورات التي حدثت وبأن هناك تغييرًا كبيرًا جدًا في الخطة، وأن التصوير سيكون مسجلًا.

دخلت المجلس وكان العلامة الشيخ عبد الله جالسًا فسلَّمت عليه وأشعرته بما حدث، فقال لي: إذًا بما أنها ستكون مصورة وليست مباشرة لماذا لا نؤجلها ليوم أو يومين، حيث إنني أشعر بشيء من الإعياء وأيضًا قد تقومون بحل مشكلة الإنترنت التي تقول عنها فيكون اللقاء مباشرًا كما تم الاتفاق والإعلان عنه، فقلت له: أبناء القطيف الحبيبة المحبون لك متشوقون لرؤيتك في أسرع وقت، وشركة الاتصالات أعطتنا موعدًا في شهر محرم لتركيب الشبكة الجديدة ” الفايبر” ونحن لا نريد أن نتأخر لذلك الوقت، إذا كان للغد فلا بأس حتى نستعد نحن أيضًا للتغييرات التي طرأت علينا جميعًا، فأجاب بالقبول، وأجاب أيضًا الشابان مصطفى وعبد الله بأن الوقت مناسب لهما.

استمر جلوسنا مع الشيخ حتى الساعة العاشرة والنصف تقريبًا، تبادلنا خلالها أطراف الحديث عن اللقاء، وقمت بطرح مجموعة من الأسئلة عليه، وكان يجيب عنها، حتى قال ابن العم ياسر ممازحًا: لو أن الكاميرات كانت موضوعة لتم تصوير اللقاء ولما احتجتم ليوم الغد.

في ختام جلستنا، تقدمنا لسماحة العلامة الشيخ بجزيل الشكر لتفهمه ما حدث ولقبوله بالتغييرات التي حصلت.

في اليوم التالي حضرت لمنزل العلامة الشيخ قبل الموعد بنصف ساعة تقريبًا، وكان في استقبالي ابن العم ياسر، جلست ما يقارب العشر دقائق فإذا العلامة الشيخ قد أقبل علينا وجلسنا قليلًا، وما هي إلا دقائق ووصل الشابان مصطفى وعبد الله وقد أحضرا معهما أدوات إضافية على الأدوات التي تركاها ليلة البارحة في منزل العلامة الشيخ.

اقترب مني الشاب المهذب عبد الله وطلب مني الاستئذان لهما من العلامة الشيخ بأن يقوما بتجهيز الكاميرات وبأنهما بحاجة ماسة لتغيير مكان جلوس الشيخ عبد الله وأن يعاد ترتيب المكان ليكون مناسبًا للتصوير، ترددت لوهلة في طلب ذلك من العلامة الشيخ، ولكن استجمعت ثقتي وتوجهت له وقلت بصوت ضعيف: عمي العزيز هل تسمح لنا بعمل بعض التغييرات في المجلس وتغيير مكان جلوسك لضرورات التصوير، فابتسم وأومأ برأسه وقال: افعل ما يحلو لك، حينها بدأ العمل على تجهيز المكان، وطلبت من سماحة العلامة الشيخ تغيير مكانه والجلوس في الجهة المقابلة.

استغرقت عملية إعادة ترتيب المكان ما يقارب النصف ساعة، بعدها انطلقنا في تسجيل الحلقة، وهنا حدث أكثر من موقف ظريف، كانت البداية بقرع جرس المنزل مما اضطرنا لإيقاف التسجيل وإعادة جزء منه، أيضًا واجهتنا مشكلة تقنية أفقدتنا ما يقارب إحدى عشرة دقيقة من اللقاء، مما اضطرنا لإعادتها.

استغرقت عملية تصوير الحلقة ما يقارب الثلاث ساعات أُجْهِد خلالها سماحة العلامة الشيخ، ولكنه كان يضغط على نفسه كثيرًا لإنهاء التسجيل، كان صبورًا حنونًا، لم يتأفف أو يتذمر أو يتمتم بأي عبارة تشعر من حوله بأنه كان مرهقًا تعبًا، بل لم تغب ابتسامته عن محياه، ومن هنا أنوه بأن هنالك أشياءً كثيرة ذكرها العلامة الشيخ لم تحفظ ولكنني سجلتها وسوف أرفقها عندما أكتب تلخيصًا لهذه الحلقة الشائقة.


error: المحتوي محمي