أسِف الرادود مرتضى مقداد آل قُريش، ممّا يفعلهُ البعض من مُمتهِني الإنشاد وخاصة الإنشاد الوجداني بأداء الإنشاد بما يشبهُ الغناء، بل وأطلقوا عليه الغناء الحلال، ناصحًا من يفعل ذلك بالرجوع إلى سلسلة الشيخ الأكرف “فقه الإنشاد” إضافةً لاتباع عُرف المجتمع ورأي الفقهاء الأفاضل فيه، وذلك خلال استضافتهِ في حوار “الإنشاد موهبة أم فنّ؟” مع المدرِّب محمد الخنيزي عبر أثير إنستغرامه الخاص.
الكلمة الفضفاضة
وأوضحَ أنَّ الإنشاد ليس علمًا، ولكنّهُ يحتاج من صانعهِ أن يتعلم أساسياتهِ مثل؛ طبقات الصوت كالقرار والجواب وجواب الجواب، والمهارات الصوتية وطريقة تأديتها كالاهتزازات والانعطافات والعُرب، وتعلُّم المقامات الصوتية.
ووصفَ كلمة الإنشاد بالكلمة الفضفاضة، وهي كما يعرُّفها اللغويون رفع الصوت بلحن، وفيهِ يدخلُ الغناء والإنشاد الديني الإسلامي، ومن خلال البحث والتقصي في النوع الثاني من الإنشاد وهو الإنشاد الديني فقد عرّف الرادود الشيخ حسين الأكرف الإنشاد في سلسلة أسماها “فقه الإنشاد” بأنه إلقاء المضامين الحقة شعرًا أو نثرًا بألحانٍ خاصة عبر صوت حسنٍ وأداءٍ مؤثر؛ بغرض إحياء الإسلام وقيمهِ والحث على التمسك به، ويدخلُ في ذلك القرآن الكريم والدعاء والنصوص الشريفة.
رثائياتٌ وأُخر
وبيّن قريش أنّ هناك أنواعًا للإنشاد الديني منها؛ الرثائيات والمدائح والإنشاد الإلهي والإنشاد الوجداني الذي يحملُ القيم الجميلة، والإنشاد الثوري المعروف في لبنان، والإنشاد الوطني، موضحًا أنه يرى نفسه في عالم الدعاء والرثاء أكثر من غيرهما، وخاصة النواعي واللطميات.
وفرّق بين الأنواع والأطوار، فالأنواع مقتبسة من الحاجة، فالمدائح مثلاً انبثقت من الموالد الكريمة، والرثائيات أنجبتها المجالس الحسينية واللطميات، بينما الأطوار تصب في مقامات محددة، وهناك علمٌ خاص يُسمى بعلم المقامات.
انطلاقة
وذكرَ أنّ له بدايات، وبدايات فعلية، فبداياتهُ كانت في عمر التاسعة في قراءة القرآن الكريم، حيثُ تلا القرآن بصورة غير الصورة النمطية المعتادة في المدارس، فشجّعهُ معلمهُ محمد رضي على الثبات في التلاوة بنفس الصورة، ثُمّ جاءت لهُ الفرصة في تلاوة القرآن الكريم في مجلس جارهم بإحدى الحسينيات في شهر رمضان، ونال في ختامهِ بركة التلاوة بقيمة 200 ريال من قارئ القرآن الأساسي في المجلس.
ودرس التجويد بعدها حتى تأهل وهو في الصف السادس الابتدائي لتعليم زملائهِ في المدرسة قواعد التجويد، ثمّ دخل في عالم الدعاء والزيارة والنعي الحسيني في الصف الأول متوسط، حيثُ كان سماحة الشيخ زهير الدرورة يدفعهُ لقراءة التعقيبات والأذان بين الفرضين وأدعية رمضان وإحياء ليلة القدر، وكان يجلسهُ في الصف الأول لقراءة التعقيبات.
وقد ذهب للحج بعمر الثالثة عشرة وذلك عام 1424ھـ، في أول رحلة حج له مع حملة إماراتية بمصاحبة الشيخ زهير الدرورة، وفي محرم عام 1426ھـ، بدأ بقراءة بعض المجالس كصانع في حسينية السيد الخوئي مع السيد منير الخباز، وفي ذات العام التحق بالمدرسة الخدمية التطوعية للرواديد والشعراء “سفينة الحسين”.
صقل
وبيّن قريش أنّ التحاقهِ بسفينة الحسين مع الرواديد والشعراء كان له دور كبير في صقلهِ كرادود حسيني، حيث ارتقى المنبر في شهر ذي الحجة عام 1426ھـ، لأول مرة لقراءة خروج الإمام الحسين.
وانطلقَ فعليًا بانطلاقتهِ الحقيقية كصانعٍ وناعٍ حسيني ورادود في شهر محرم الحرام لثلاث عشرة ليلة في حسينية المُعزّى بسنابس التي كان لها صيتها وسمعتها وذلك عام 1427ھـ.
تأثُّر
وأبانَ تأثرهُ بعددٍ من الشخصيات في مجالات إنشادهِ، ففي القرآن الكريم تأثّرَ بالطريقة العراقية دون ميلٍ منه للمقامات، وكان القارئ عامر الكاظمي من أحب الأصوات لقلبه ومحاكاتهِ، وفي الدعاء مالَ لأسلوب ميثم كاظم المشهور في قراءة وصايا وخطب أمير المؤمنين، وكذلك طريقة ميثم التمار في دعاء أبي حمزة الثمالي، وفي النعي الحسيني أحبّ تقليد السيد جاسم الطويرجاوي والشيخ حسن الخويلدي.
وكان التقليد والمحاكاة لديهِ وقتها لتسجيل الأبيات والقراءة بنفس طريقتهم، فالمحاكاة يصفها بالأسلوب التعلّمي، أما كرادود فإنّ الرادود باسم الكربلائي اسم مؤثر على ذائقتهِ الفنية.
لا رهبة
وذكرَ أنّ بداية الرادود في عمرٍ صغير من شأنها أن تكسر حاجز الرهبة والخوف من الجمهور، وقد كان لوالده الدور الأكبر باصطحابه للمجالس الحسينية وهو لا يزال ابن الثالثة من عمره، منوهًا بأنّ قراءة القرآن والأدعية الشريفة لا تتطلّب تلك الجرأة التي يتطلبها عمل الصانع والخطيب والناعي والراود الحسيني الذي تقع عليه أعين الناس جميعًا، موضحًا أنه استطاع تخطي هذا الحاجز بنسبة كبيرة بتطبيقه العملي للطم والعزاء مع إخوته في المنزل.
تكليفٌ شرعي
ونوّه بأن العمل في هذا المجال يُعتبر تكليفًا شرعيًا منَّ الله بهِ على من يخدمون في مجالس الذكر والعبادة، مشيرًا بما يتطلّبهُ عمل الرادود وطلبه الدائم للمجالس والمحافل واحتياجه للتنقل وخاصة في المواسم الدينية المعروفة من اجتهادٍ وصبرٍ، ليس من الرادود فحسب بل من المحيطين به من أهله وزوجه.
وأشارَ لاستطاعة المنشدَ المتمكن من تأدية جميع الأنواع والأطوار، فالفنّ الصوتي يجمعُ بين الموهبة والملكة الربانية وجمال الصوت، ويحتاجُ إلى الفنّ والتعلم، فالإنشادُ ملكة كالملكات الأخرى تتطلّبُ الدراسة والتدريب والممارسة.
أساسيات
وشدّدَ قريش على ضرورة تعلّم الأساسيات للإنشاد، فالصوت وحدهِ ليس كافيًا، مما جعل الكثير من الرواديد لا ينجحون في مجالهم، وذلك لعدم إلمامهم بها، والكثير منهم يعتمدُ على جمال صوتهِ دون تمكّنٍ من القراءة، وقد يقعون بأخطائهم في القراءة في إشكالاتٍ عقائدية أحيانًا.
وختم حديثهُ بالأمور التي تحقق للرادود ولقارئ الدعاء التوجه الروحي فيما يؤديه والتي نصت عليها أحاديث أهل البيت من طهارة ووضوء واتجاه للقبلة ورقة القلب والبكاء أو التباكي بحال العجز، وأن يُقرأ الدعاء للنفس ومخاطبتها لا للناس.