أندية المسنّين حاجة وليست ترفا

يتنامى مفهوم المسنّ في المجتمعات الحديثة، ولا سيما مع تزايد متوسطات الأعمار البشرية، كمحصّلة لمجموعة من العوامل المؤثرة، والتي يأتي من بينها عامل الاهتمام بالصحة العامة للمجتمعات، فسيولوجيا ونفسيا ومجتمعيا.

أغلب المراجع العلمية والصحية تقسّم «التّشيّخ» أي الدخول إلى عمر الشيخوخة، إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تسمّى مرحلة المُسِنّ الشاب «Young-Old» 65 – 74  عاما، والمرحلة الثانية تدعى مرحلة المُسِنّ الكهل «Old-Old» 75-84  عاما، بينما تمثّل المرحلة الثالثة مرحلة المسنّ الكبير أو الهرم «Oldest-Old» 85 عاما فما فوق، آخر مراحل المسنّين.

الحديث في عنواننا يتعلّق بالاهتمام بالبعد الاجتماعي والنفسي لدى المسنين، مع أنّ العنوان قد يشمل فئات أخرى أقل عمرا من التقسيم المذكور للمسنين، حيث يتجه كثير من طالبي برامج التقاعد المبكر إلى مثل هذه الأندية التي يفترض أن توفر خدمات متنوعة، اجتماعيا وترفيهيا ورياضيا وثقافيا.

كم من هؤلاء من يأمل أن تتوفر بنى تحتية جاذبة تحت مظلة جهة أو أكثر من المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية بل وحتى الأهلية، إنّ أحد المشاهد التي أثارت فضول الكثيرين حول أهمية توفر ملتقيات اجتماعية لكبار السنّ، تمثّل خلال مقهى شعبي ضارب في القدم في محافظة القطيف «مقهى أو قهوة غراب» إذ الراصد لبعض الصور فيه واللقطات المرئية الآسرة لزواياه، يجد أنّ سعة المكان المعنوية لا حدود لها، رغم المساحة المكانية المحدودة فيه، لكنه كما يقال: المكانُ باِلمَكِين.

أما في كثير من بلدان أوروبا وأغلب البلدان الإسكندنافية، فالملاحظ شغف الاهتمام بتوفير الحدائق والمكتبات العامة، والبرامج الرياضية والملتقيات الاجتماعية، والأنشطة التطوعية، التي تحققها أندية كبار السنّ هناك.

ليس هذا فحسب، وإنما بعض الأطبّاء المتقاعدين أو ممن تتوفر لديهم فرص وقت كاف، يقومون بافتتاح عيادات مجانية في مثل هذه الأندية، حيث يقدمون الاستشارات الصحية ويعقدون الندوات والبرامج الإرشادية، كاستراتيجية ذات بعد ثقافي واجتماعي متين، وليس على سبيل الفزعات أو حينما يقع الفأس في الرأس، كما تعبّر أمثالنا الشعبية.

إنّ بلدية كل مدينة لديها مثل هذا التوجه في البلدان المتقدمة، فيما تحرص برامج أخرى تشبه مصلحة المتقاعدين أو مؤسسة التأمينات العامة كما لدينا، في إنشاء وإدارة الكثير من هذه الأندية.

ولوجود نظام رعاية مرن، تحتشد جهود كثير من المؤسسات الرسمية أو لدى الشركات الكبيرة المشابهة لشركة أرامكو السعودية وشركات الاتصالات والبنوك، في الإسهام الحقيقي، في إرساء هذا التوجه.

وفيما تتوجه المؤسسات الرياضية الرسمية المشابهة لوزارة الرياضية لدينا، أو برامج المسؤولية الاجتماعية، في كبرى الجامعات والمؤسسات التعليمية مثل وزارة التعليم، في الإسهام في رفد المفهوم التكاملي لتحقيق هذه الحركة التنموية الكبيرة.

إنّ الكثيرين يتساءلون عن دور مجلس الشورى في بلادنا، لدفع هذا التوجه بجدية وفاعلية، ويضعون آمالا كبيرة في صياغة نظام شامل لتوفير مثل هذه الأندية التي يتوقع لها أن تحقق أهدافا كبيرة وسريعة.

إنّ الأجيال المعاصرة لديها متطلبات ثقافية كبيرة من أجل واقع ثقافي واجتماعي رصين، والمرأة والرجل يحتاجان مثل هذه الأندية التي تعزز من مفهوم الصحة النفسية والمجتمعية، وجميعنا مستفيدون إذا تحقق ذلك، لأن هذه الأندية تُعَدّ الآن حاجة وضرورة وليست ترفا.


المصدر: آراء سعودية



error: المحتوي محمي