نزلت لشراء بعض الحاجيات من أحد محلات بيع الأغذية، وبسرعة خاطفة – خوفاً من المخالطة – وضعتُ في سلة التسوق علبة مكسرات محمصة، ومن عادتي أن أنظر أولاً لتاريخ الصلاحية ومن ثم قراءة بقية البيانات، لكن هذه المرة لم يكن لدي متسع من الوقت لقراءة البيانات كاملة، ولفت نظري إلى أن هذه العلبة سوف تنتهي مدة صلاحيتها بعد شهر ونصف، ودخلت في حيرة ماذا أفعل هل آخذ علبة المكسرات أم لا؟ وما معنى مدة صلاحيتها بعد شهر ونصف؟!
للناس أن تستمع وتستنتج ما تريد، ولكن هناك قواعد عامة للتثبت وتأكيد ما نسمع أو تثبيت استنتاجاتنا، فالتحدث عن أمور تمس سلامة المستهلك وصحته تحتاج إلى تقييم من متخصصين يستندون إلى أسس علمية سليمة في إطار القوانين والضوابط الصحية، مدعومة بتقنيات حديثة، وحينما ينشر رأياً مخالفاً للضوابط الصحية، يصبح هناك جدل وصورة غير واضحة قد تسبب في أذهان الكثيرين بما يعرف “اختلط حابله بنابله”.
لعل من المناسب أن أبدأ بهذا التساؤل الذي جاء على لسان صاحب مقطع فيديو متداول: هل ممكن أن نأكل الروب المنتهي الصلاحية؟ أجاب بثقة نعم لكن بثلاث شروط: أن يكون محفوظاً في الثلاجة – وغير مفتوح – وغير مضاف له قطع فواكه أو خضار، وأضاف أن لا ضرر من تناول الروب المنتهي صلاحيته حتى بعد شهر من انتهاء فترة صلاحيته!!
لم يدر بخلدي أن أكتب شيئاً عن صلاحية الغذاء، فقد سبق أن تناولت مثل هذه العناوين في أكثر من مقال، وكنت أظنّي أوفيت الموضوع ولكنّي تلقيت كلاماً حول هذا الأمر، هو ما دفعني دون تردد للرد على ما ورد في المقطع من أجل أمرين مهمين: الأول الوقوف أمام ظاهرة مغلوطة أثارت بلبلبة في أذهان الناس وتحتاج إلى تصحيح، والثاني هو تبصير أبناء المجتمع بالأضرار الناجمة من جراء تناول أطعمة منتهية الصلاحية، وأيضاً التعريف بأبعاد المشكلة.
ولرسم صورة واضحة نحن هنا في موقع المسؤولية والمعالجة الصادقة؛ تجاه مجتمعنا الطيب، وبلدنا المعطاء، الهدف من ذلك هو محاولة تغيير المفاهيم والحقائق المغلوطة.
وقبل الخوض في الإجابة عن ذلك التساؤل، يحسن بنا تقديم بعض المفاهيم:
• فترة صلاحية: فترة زمنية يحتفظ فيها المنتج بصفاته الأساسية ويظل حتى نهايتها مستساغاً ومقبولاً وصالحاً للاستهلاك الآدمي، وذلك تحت الظروف المحددة للتعبئة والنقل والتخزين.
• تاريخ انتهاء الصلاحية: التاريخ الذي يحدد نهاية فترة الصلاحية للمادة الغذائية تحت الظروف المحددة للتعبئة والنقل والتخزين.
• يفضل استخدامه قبل: عبارة تدل على تاريخ نهاية الفترة تحت ظروف التخزين المحددة، والتي يكون الغذاء خلالها قابلاً للتسويق الكامل ويحتفظ بأى من صفات الجودة المحددة التي من أجلها تم تصنيعه، ولا يسمح بتسويق المنتج بعد هذا التاريخ.
• عمر التخزين “Shelf life”: هي الفترة الزمنية التي يبقى خلالها المنتج الغذائي بعد تجاوز فترة الصلاحية الخاصة به آمنًا؛ بأن يحتفظ بخصائصه الحسية والكيميائية والفيزيائية والميكروبيولوجية والوظيفية المرغوبة، عند تخزينه في ظل الظروف الموصى بها، أما جودته فلم تعد مضمونة.
قبل البداية لا بد من القول بأن لفترة صلاحية المنتج الغذائي دوراً فعالاً وهاماً في سلامة ومأمونية الغذاء.
الشركات المصنعة للمنتجات الغذائية تحدد فترة الصلاحية الفعلية استنادا لسلسلة من الاختبارات الكيميائية والحسية الدقيقة تجرى على المنتج الغذائي للوصول إلى صيغة تصنيعية ثابتة، ونعني بذلك ثباتية المنتج من الناحية الطبيعية والوظيفية والميكروبيولوجية، خلال فترة الصلاحية المقترحة، تضع في الاعتبار نقاطاً هامة، ومن هذه النقاط ما يلي:
• منع التلف الميكروبي وخصوصاً التلوث بالميكروبات المرضية والسموم الناتجة عنها.
• الاستجابة للتشريعات والقوانين الحكومية.
• التقليل من الفواقد في العناصر الغذائية.
• التكيف مع الانحرافات في المواد الخام والظروف التصنيعية التجارية.
• تحمل المنتج للضغوط أثناء التداول والنقل والتوزيع.
فترات الصلاحية للأغذية معدة من قبل الدول المنتجة، ومعلوم أن أجواءنا تختلف عن أجواء الدول المصنعة، فهل يؤخذ بفترات الصلاحية التي تأتي من دولها؟ أم أن هناك خصوصية لتعديل فترة الصلاحية؟
إن لكل منتج غذائي فترة زمنية يبقى خلالها صالحاً للاستهلاك الآدمي ويصبح بعدها غير مقبول للمستهلك لما يعتريه من تغير في خصائصه الحسية أو الكيميائية أو قيمته الغذائية أو خصائصه الوظيفية، أو تجعله غير صالح للاستهلاك الآدمي، وتتوقف قابلية الغذاء للتغير على عدة عوامل متداخلة منها:
• طبيعة المنتج ومحتواه من الرطوبة ومكوناته الأخرى كالبروتينات والدهون والفيتامينات.
• طريقة التعبئة ونوعية العبوات.
• ظروف التخزين والنقل والتداول.
من هذا المنطلق قامت الجهات التشريعية المحلية باعتماد مواصفة قياسية خليجية لفترات صلاحية المنتجات الغذائية بجزئين GSO 1 – 2 150 / 2013، مع الأخذ في الاعتبار واقع أساليب النقل والتخزين والتداول والظروف المناخية في منطقتنا.
الظروف القاسية في منطقتنا تجعل المنتجات الغذائية ذات حياة قصيرة سرعان ما يهاجمها الفساد.
المتحدث أو صاحب المقطع وضع قيوداً على سلامة المنتج الغذائي بعد انتهاء فترة صلاحيته، وخصوصاً أن المنتج الذي يتحدث عنه من الأغذية سريعة الفساد وصلاحيته أيام فقط.
• الزبادي والزبادي المنكه والزبادي بقطع الفواكه المبستر – عبوات مناسبة محكمة الغلق- فترة الصلاحية (14) يوم GSO 150/ 2013.
هل حفظ الروب أو منتجات الألبان في الثلاجة توقف إثر انتهاء الصلاحية؟
الشركة المنتجة عندما حددت صلاحية الروب؛ هي تعرف ظروف الحفظ وخصوصية التخزين والتداول في منطقتنا.
تعتبر منتجات الألبان الطازجة من الأغذية التي تفسد سريعاً وذات فترات صلاحية قصيرة، وهذه تتطلب ظروفاً خاصة عند نقلها وتخزينها وتداولها في مناطق مختلفة تحت درجة حرارة لا تزيد على 4° م.
وبالطبع هذه النوعية تحفظ مبردة، وإذا فتحت تزداد سرعة فسادها وتصبح فترة صلاحيتها لا قيمة لها.
ترك الأطعمة لفترة طويلة في الثلاجة مع صعوبة المحافظة على برودتها طوال الوقت قد يُسّرع فسادها، حيث تلعب درجة الحرارة الدور الرئيس لذلك، ويفضل أن تكون درجة التبريد داخل الثلاجة في حدود 3°م، ومن الأخطاء الشائعة هي تعبئة الثلاجة “على بكرة أبيها” بالأغذية، وكذلك فتح باب الثلاجة بين فترة وأخرى، وخصوصاً الأطفال، ففي كل مرة يُفتح فيها باب الثلاجة يدخل الهواء الحار من الغرفة ليختلط بهواء الثلاجة ويقلل من المحافظة على برودة الأغذية، والنتيجة الأغذية المحفوظة في الثلاجة تتعرض للفساد قبل انتهاء فترة صلاحيتها.
والشرط الثالث في حالة إضافة قطع من الفواكه أو الخضراوات ولم يحدد ما إذا كانت طازجة أو محفوظة، ومؤكد أن إضافتها ستغير محتويات المنتج؛ وبالتالي ستقل مدة صلاحيته.
وما معنى مدة صلاحية المنتج 14 يوما، يعني أن علبة الروب أو الزبادي صالحة وبحالة ممتازة حتى نهاية مدة صلاحيتها، وهذا في حالة حفظها بطريقة جيدة، والسؤال هنا هل بعد تلك الفترة يصبح المنتج فاسداً؟ وهل يعقل أن الفساد يهجم على الروب دفعة واحدة ويصبح ساماً بعد أن كان صالحاً قبل انقضاء مدة الصلاحية، أم أن الفساد بدأ يستشري الآن رويداً رويداً ونحن ما زلنا نستخدمه ولكنه فساد غير مميت وبعد الفترة المدونة على العبوة يصبح فساداً مميتاً.
ليس بالضرورة أن يحدد تاريخ صلاحية المنتج الغذائي عدم صلاحيته للاستهلاك الآدمي، ولكن بعد هذه الفترة فإن القيمة الغذائية المتوافرة بهذا المنتج ستبدأ بالتناقص والانخفاض، وظهور مؤشرات تنافي الطبيعة المألوفة والخواص الحسية المرغوبة، هي بداية فساد المنتج وعدم صلاحيته.
يقصد بتاريخ الانتهاء: التاريخ الذي بعده يجب عدم شراء أو تناول الغذاء، ولا يعني بالضرورة أن الغذاء أصبح فاسدًا ومضرًا للإنسان، لكن غالبًا يكون الغذاء بعد هذه الفترة قد فقد بعضًا من خواصه الطبيعية أو الكيميائية مثل “اللون أو النكهة” وأصبح لا يتمتع بالمواصفات المطلوبة لهذا النوع من الغذاء.
تعد الأغذية المصنعة مواد كيميائية تتأثر بعدة تفاعلات داخل الجسم وخارجه، ولذا فإن إطالة التخزين قد تؤدي إلى تحلل مكونات الغذاء تحت تأثير درجات الحرارة وارتفاع نسبة الرطوبة.
ومن المشاكل المرتبطة ببلدان منطقتنا؛ أن تخزين الغذاء يكون غير صحيح كأن يوضع الغذاء في مكان دافئ أو معرض للشمس أو للرطوبة، وبالتالي يبدأ الغذاء في فقد خواصه الطبيعية أو الكيميائية قبل تاريخ صلاحيته، ويفضل أن تشتري الغذاء قبل فترة طويلة نسبيًا من انتهاء الصلاحية.
أما تاريخ الإنتاج فيقصد به التاريخ الذي تم تصنيع وتغليف الغذاء فيه ويهمل بعض المستهلكين قراءة هذا التاريخ، وهو مهم لمعرفة المدة التي بقي فيها المنتج في السوق وكلما كانت المدة طويلة والتخزين سيئاً أصبح الاحتمال أكبر لأن يكون هذا الغذاء تالفًا.
• لا يشترط ذكر تاريخ انتهاء الصلاحية لبعض الأغذية، ويكتفى بذكر تاريخ الإنتاج أو عام الحصاد وتاريخ التعبئة بحسب طبيعة المنتج الغذائي في حالة المنتجات التالية:
ملح الطعام غير المدعم – السكر الصلبة – العلكة ( لبان المضغ ) – عسل النحل – البقوليات الجافة مثل البازلاء – واللوبيا – والحمص – والفول – والعدس.. والخضر المجففة واليانسون والبابونج والقرنفل والزعفران والحلبة.. التوابل والبهارات الكاملة – الشاي – حبوب جافة ( الأرز، الشعير، الشوفان، الذرة.. غير معبأة ) – الخل المعبأ في عبوات زجاجية – منتجات المخابز أو الفطائر الجاهزة التي تستهلك عادة خلال 24 ساعة من تصنيعها – جلوكوز سائل ومجفف – الخضروات والفواكه الطازجة GSO 150 – 2/ 2013.
وقد نجد تاريخ الصلاحية مدوناً على بعض الأصناف السابقة، والأمر يعود للشركة الصانعة أو تشريعات الدول المنتجة.
هنا يبدأ دور المستهلك في حماية نفسه مع بداية التفكير في التسوق وفق الاحتياجات اليومية، وأن يكون جل اهتمامه في البحث عن الغذاء الجيد، كما أن عليه التأكد من سريان فترة الصلاحية وتجنب شراء الأغذية التي شارفت على انتهاء فترة صلاحيتها – استغلالاً للسعر المغري وليس للحاجة إليها – وخصوصاً في فصل الصيف – مثل هذه الأيام – حيث ترتفع درجة الحرارة، تزداد أهمية وضع الغذاء في أماكن مبردة أو مجمدة لضمان سلامته.
نشاهد الكثير من مراكز التسوق ومحلات بيع الأغذية تقوم بتسريع تسويق بعض المنتجات عندما تشارف على انتهاء مدة صلاحيتها، فتلجأ إلى العروض والأسعار المغرية، وتضع المستهلك في حيرة بين إغراء التخفيضات وسيف الصلاحية، فعذراً للتنزيلات.
وقبل الختام ولإكمال الصورة فلا بأس من الإشارة إلى ما جاء في المقدمة، ماذا عن علبة المكسرات؟ تم إتلافها لتغير في خواصها الطبيعية، تعرضت المكسرات للتزرنخ بسبب سوء الحفظ والتخزين.
وخلاصة الكلام، أن صحة الإنسان هي أغلى وأهم ما يمتلكه في حياته، صار كثير منا وهو يشتري متطلباته من مراكز التسوق يحس بشيء من الخوف ويشعر بهاجس يلازمه من أن يكون مشترياً حتفه بنفسه فهو لا يدري بحالة المنتج قبل شرائه، ولا يعرف شيئاً عن خواصه الطبيعية، فقد تظهر عليه مؤشرات الفساد وهو لا يزال على صلاحيته.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.