الحل في 40 يوم فقط

في كل مرة أود الكتابة فيها عن موضوع الأربعين يوماً أجد قلمي رغم ما تحوي أحشاؤه من الكثير عن هذا الرقم، إلا أنه بالنهاية يرفع رايته البيضاء بالعجز والاستسلام بعدم المقدرة عن كتابة حرف واحد.

لكن اليوم وتوقيته والذي جسد بدء أيقونة العد التنازلي لمحرم الحرام على بعد 40 خطوة ويوماًء كان المثير المستفز الذي لا بد من الاستجابة له وتحريك فيض القلم ليخط خطة العلاج الذي لا أعتقد أنه سيُخطئ أبداً.

فالكل بهذه الأزمة يعرض وصفة علاجه، وأعترف لست طبيبة ولا مختصة ولا أفقه بالطب الكثير، ولكن أعلم أنه إذا عجز الطب عن وجود الحل فهناك من يملكون مفاتيح كل باب مغلق ضاع مفتاحه عن بني البشر.

ووصفة الأربعين يوماً ليست من اختراعي أبداً، وهذا الرقم العجيب يعشقه العارفون ولا أظن أن هناك من لا يعرف ما هو تأثير الأربعين يوماً في التغيير والقصص التي تندرج بين ثناياه والتي قربت البعيد وعملت المستحيل، فكل ما نحتاجه نية صادقة وعمل فقط وصبر بانتظار النتيجة بدون أي مخالجة للشك.

أربعون يوماً هي مرحلة التغير التي كنا نمر فيها ونحن بعالم الأجنة في بطون أمهاتنا وحتى بعد الولادة، وهي الفترة التي تستطيع فيها اكتساب أي عادة جديدة أو تركها، أفلا تكون فترة يكون فيها تعافينا وشفاؤنا من هذا البلاء إذا أردنا حقاً الشفاء؟

قد نرى ببعض الرسائل بين فينة وأخرى دعوات لحملات دعاء أو قراءة بعض الأوراد والسور، وقد تنحصر بأيام الجمع ولياليها وربما تكون اجتهادات شخصية لا تلبث أن تتوقف ولا يحتويها الآخرون بنشرها، فليست لديها مقدرة للانتشار مثل ما تفعل غريمتها الشائعة التي تنتشر بسرعة كانتشار النار في الهشيم.

وأنا لا أستنقص أبداً هذه المجهودات لأنها بالطبع تُحدث التحرك نحو العلاج بالدعاء والقرآن، ولكن كما يقال يد واحدة لا تصفق وقد لا تصل للهدف إذا كانت بصورة عشوائية، فعلاجنا يكون جماعياً لا فردي، والتغير المطلوب يشمل الجميع وربما يكون عدم تغير فرد واحد سبباً لعدم تغير حال الجميع ولا نعلم هل يكون العكس صحيحاً أم لا؟

في بداية هذا الشهر شهر ذو القعدة كانت هناك حملة أربعينية تشمل بعض الأعمال البسيطة من زيارة وبعض الأذكار التي يستمر بها الشخص بنية دفع البلاء لتنتهي بيوم عيد الأضحى، توقيتها المغري كان يزرع بي الأمل أننا سنعيّد بالعيد ببهجة مختلفة بزوال هذه الأزمة بإذن الله، ولكن ما أحبطني أن الحملة لم تتبناها الجهات المشهورة لتكون ذات صدى أقوى مثل الإعلانات المدفوعة، فخفتّ نور البهجة المأمول ولكن لا يزال الأمل بالله وقاداً ينتظر نظرة اللطف والعناية التي تشمل الفئة القليلة.

نحن اليوم مع الخيار والفرصة الأخيرة بآخر أربعين بالسنة الهجرية، والتي كانت تمثل بالأعوام السابقة ذروة التجهيز لمحرم الحرام الذي تاقت القلوب للقياه وذابت حزنًا على توقع حرمان حضوره كالعادة.

قد لا نجهز هذا العام لمسارح عاشوراء وبرامج للأطفال، قد لا نحتاج لكتابة قائمة بالأفكار الجديدة لموسم عاشوراء، قد لا نحتاج لطلب كوادر جديدة تساعدنا في الخدمة وتنظيمها، لكن أشعر أننا نحتاج لخلق مراسيم استقبال غير اعتيادية تجعل عاشوراء يبدأ قبل أوانه ليرجع لعادته.

نحتاج لاسترجاع روح شهر رمضان وإعادته وتقديم حلول شهر محرم قبل اعتلاء هلاله، فحتى لو كان الزمن مختلفاً فلنجعلها آخر فرصة للحياة ولنتحدى أنفسنا ولنتخيل آنه آخر رمق لأعمارنا فماذا سنفعل بآخر أربعين منها لنقبّل اعتاب الحسين (ع) كما السابق؟

نحن بحاجة لإعادة الميت من أرواحنا، نحتاج الإصلاح الذي خرج لأجله الحسين (ع)، وهنا أقول جل ما أطلب هو انتخاب عمل واحد فقط ونعمله بروح شفافة وصادقة ونربطه بالحسين (ع) أو نقدمه كهدية أربعينية وبضاعة مزجاة بين يدي عزيز فاطمة (ع).

قد يكون هذا العمل فعلاً حسناً أو ترك فعل سيئ، وهو ليس عملاً مستحيلاً فقط، عمل واحد أحتاج منك ومنكِ ومنه ومنها ومنهم، ليس بالضرورة أن يكون عبادة، ولكن هو أمر حسن نظن بعمله أن الحسين (ع) سيبتسم لعملنا إياه، قد تكون صدقة لا يتبعها أذى، أو تكون صناعة ابتسامة في وجوه المهمومين والمحبطين، أو أي عمل يدخل في عنوان قضاء حوائج المؤمنين ومساعدتهم، وقد تكون مجاهدة للنفس الأمارة وترويضها، وقد تكون أي شيء ولو كان بسيطاً جداً ولكنه مستمر لأربعين يوماً، المهم أن يكون عملاً تتألق فيه الروح بعيداً عن لقلقات اللسان.

وختاماً، أعقب على كون الأمر لا ينبغي بالضرورة أن يكون شيئاً من العبادات والأوراد، هو فقط يحتاج وصلة ربط بالحسين (ع)، فأنا أحدثكم عن تجربة ولا أدعّي الصلاح، فأنا أحقر ما خلق ربي فأيني وأين أعمالي لأكون محل إجابة، لكن القلب حين يتحدث فأعلم أنك تنتظر معجزة تحرّك الكون نحوه، فمنذ قرابة الثلاث سنوات بالأزمة التي طالت منطقتي العوامية ولا أظن أحداً ينساها، حين خرجنا من منزلنا رغماً عنا تملكني الحزن لفراق عوامي الحبيبة وأفتقد كل زاوية من زوايا بيتنا الدافئ.

وبلحظة إلهام، قررت أن أمسك القلم الذي هو جلّ ما أملك لمدة أربعين يوماً لأنعاها بين الملأ باسم الحسين (ع)، وكانت كل حلقة تخرج بخروج روحي لأن روحي وقلبي من كان يخطها لهذا أستغرب حين أقرأها كيف كتبتها؟

كنت أستجدي الحصول على دمعة واحدة من قارئ واحد على الأقل بكل يوم، أتعلمون أن الحلقة الـ34 من سلسلتي الأربعينية بالكتابة كتبتها وأنا في أحضان غرفتي بمنزلنا بفضل الله وشكره ومدد الحسين (ع)، ولم أتراخ في إتمام عدة الأربعين والوفاء بعهدها فقد وفت لي بعودتي.

وبالطبع هناك غيري تحدث بقلبه وأحدث الجميع التغيير الذي كان يوصمه البعض بالمستحيل، وبهذه الأزمة رغم عالميتها لكنها ليست مستحيلة الحل، فأنت وأنتِ وأنتم تستطيعون التأثير وقلب الآية وعكس كل التوقعات المحبطة، وليست الصين وإيطاليا بأفضل منا، فأرواحكم قد تكون الأفضل والأجمل والأرهف حساً لتسمع حسها السماء وتستجيب لحركتها الأربعينية نحو التغيير لنُرجع محرم كما كان إذا نوينا ذلك من صميم قلوبنا وعقولنا.

وتذّكروا أن العمل الجماعي له أثر أوقع ومهما تباعدنا وعملنا أعمالاً مفردة إلا أنه يجمعنا الحسين (ع) بأربعين استقبال محرمه.

فهل لازلنا نريد حل لهذه الأزمة بدون نية وعمل؟


error: المحتوي محمي